بين يدي كتاب: (مقبرة القسّام- الوقف المسلوب)
ساهر غزاوي
تُمثل قضية وقف مقبرة القسّام الواقعة في بلد الشيخ الفلسطينية المُهجرة في قضاء حيفا والتي تحتضن عددًا من أضرحة الشهداء وفي مقدمتها ضريح الشهيد المجاهد عزّ الدين القسّام، تمثّل نموذجًا يعكس السياسات والمخططات الإسرائيلية منذ قيام المؤسسة الإسرائيلية في العام 1948 للاستيلاء على أراضي الأوقاف الإسلامية والمسيحية في فلسطين التاريخية.
هذه القضية ليست بعيدة عني كمُعد ومؤلف لكتاب (مقبرة القسّام-الوقف المسلوب: كشف عملية الاستيلاء على الوقف بقوانين التحايل والقضاء المُجيّر) الهام جدًا في تاريخ ومسيرة شعبنا الفلسطيني الذي أصدرته حديثًا مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان في الناصرة، بل إني عشت أجواء مرحلة زمنية من هذه القضية وتفاصيلها- وإن كانت نسبيًا قصيرة جدًا مع التاريخ الطويل لهذه القضية- إن كان ذلك من خلال المتابعة الصحافية والإعلامية لقضية وقف مقبرة القسّام، وبشكل أخص في حضور الجلسات التي كانت تُعقد لتداول ملف هذه القضية في المحاكم الإسرائيلية، أو كان ذلك من خلال المشاركة في النشاطات والفعاليات الميدانية المختلفة التي تقام على أرض مقبرة القسّام، أو حتى من خلال محاولتي، قدر الإمكان، قراءة المقالات والتقارير المكتوبة ومشاهدة البرامج المصورة التي لها دور في دعم ونصرة قضية مقبرة القسّام بشتى الوسائل.
لذلك عندما أوكلت لي مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان، مهمة إعداد وتأليف كتاب يُسلط الضوء على قضية وقف مقبرة القسّام وترتكز صفحاته على كشف التّصدي للمُخطّطات الإسرائيلية وكشف التحايُل القضائي للاستيلاء على الوقف الإسلامي عبر عقود طويلة، انطلقت من قاعدة الشعور بالواجب والمسؤولية الفردية والجماعية تجاه هذه القضية العادلة والهامة جدًا في تاريخ ومسيرة شعبنا الفلسطيني، والقضية العادلة لشعب يُناضل من أجل استرجاع حقوقه ومقدساته المسلوبة.
باعتقادي، أنّ مؤسسة ميزان- عبر طاقمها الذي أشرف على الإعداد والمتابعة والتحرير- قد وُفِقَت باختيارها لهذا العنوان (مقبرة القسّام-الوقف المسلوب: كشف عملية الاستيلاء على الوقف بقوانين التحايل والقضاء المُجيّر) لأنه يُجسد فحوى هذا الكتاب الهام جدًا، وهذا ليس من باب المبالغة في شيء، لأن هذا الكتاب يُوثق ويحفظ ماضي وحاضر ومستقبل هذه القضية العادلة في الذاكرة كجزء من تاريخ مجتمعنا في الداخل ومن تاريخ شعبنا الفلسطيني لتتناقله الأجيال. كما أن هذا الكتاب يُعتبر مرجعًا ووثيقة تاريخيّة هامة للدارسة والأبحاث والاطّلاع لما يحمله من أبعاد قانونية وحقوقية إنسانية وتاريخية وسياسية بما يتعلق بقضية وقف مقبرة القسّام الإسلامية كنموذج لأوقاف إسلامية ومسيحية مسلوبة، وما أكثرها في واقعنا الحالي.
صحيح أنني عشت أجواء مرحلة زمنية من هذه القضية وتفاصيلها- كما ذكرت آنفا- لكن ذهلت كثيرًا عند استلامي للملفات المتعلقة بقضية وقف مقبرة القسّام لمراجعتها وقراءتها والاطّلاع عليها قبل المباشرة بالكتابة والتأليف. ذهلت كثيرًا من حجم الملفات الكبيرة من بروتكولات جلسات المحاكم والطعون والاستئنافات ومستندات الدعوات القضائية… الخ، خاصة من تلك المرحلة التي دخلت فيها مؤسسة ميزان مسرح الأحداث لمتابعة هذه القضية، وذهلت أكثر عند اطّلاعي على وثائق تاريخيّة، قسم منها يُنشر للمرة الأولى في الكتاب، تعود لسنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، تظهر فيها ما تسمى “صفقة التبادل” التي عُقدت بين متولي الوقف، وقتئذٍ، المدعو سهيل شكري وبين السلطات الإسرائيلية!! وهذا ما يثبت لي قبل غيري، أنّ ما كنّا نعرفه (أو ندّعي معرفته) عن قضية وقف مقبرة القسّام من تفاصيل ما هي إلا القليل جدًا من المعلومات التي تخفى على الكثير من الناس.. وهنا يأتي دور هذا الكتاب ليكشف للقارئ والدارس والمهتم التحايل القضائي الذي انتهجته السلطات الإسرائيلية عبر استخدامها قوانين مفروضة على الداخل الفلسطيني منذ بدايات نكبة عام 1948، أو عبر الصفقات المشبوهة التي ادّعى أطرافها المحتالون أنه قد مرّت على إبرامها (تحت طي الكتمان) عقود طويلة. ويكشف الكتاب طرق الخداع التي استخدمتها السلطات الإسرائيلية عبر توظيفها وتعيينها لأشخاص معنيين بعقد الصفقات المشبوهة والتوقيع عليها مقابل أجر مالي!!
في الختام، فإنه من دواعي سروري ويشرفني أن تمنحني مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان الثقة الكبيرة وتوفر لي الوقت الكافي والإمكانيات اللازمة لننجز وإيّاها مشروع إعداد وتأليف كتاب (مقبرة القسّام-الوقف المسلوب: كشف عملية الاستيلاء على الوقف بقوانين التحايل والقضاء المُجيّر). فالشكر كل الشكر لمؤسسة ميزان ومديرها المحامي عمر خمايسي الذي رافقني من البداية إلى النهاية وأشرف على إعداد وتأليف هذا الكتاب من ألفه ليائه وأعانني كثيرًا على الترجمة من اللغة العبرية إلى اللغة العربية وعلى صياغة العديد من الجُمل والكلمات والمصطلحات. والشكر كل الشكر للأستاذ المحامي مصطفى سهيل محاميد الذي تولى مهمة مراجعة وتحرير الكتاب، فقد اختصر من المختصر وشطب الزائد وعمل على تهذيب المعلومات وضبطها وتدقيقها بأسلوب موضوعي يتناسب مع سياق الكتاب. والشكر كل الشكر للأستاذ المحامي فراس دلاشة- رئيس مؤسسة ميزان- الذي ساهم أيضا في التحرير والإعداد وسجّل ملاحظات في عدة مواضع من الكتاب كلها أخذت بعين الاعتبار وعلى محمل الجديّة والاهتمام. والشكر موصول للأستاذ المحامي حسّان طباجة الذي ساهم هو كذلك في اطلاعنا على ملفات تحمل الكثير من المعلومات، خاصة وأنه ممثل لجنة الأهالي للدفاع عن وقف مقبرة القسّام.