مصطلحات من قاموس المدرسة
الشيخ كمال خطيب
أيام قليلة وتنتهي العطلة الصيفية ليعود بعدها أبناؤنا إلى مدارسهم وبداية عام دراسي جديد 2022/2023. ولعلنا نحن الآباء والأمهات وطبعًا الطلاب، نفهم المصطلحات التي لها علاقة بالمدرسة بشكلها المجرد ونصّها الحرفي، ولكنني أجدها فرصة مناسبة أبعث من خلالها هذه الكلمات مفعمة بكل معاني الحب والنصح لكل الأهل، ولكل الطلاب في مستهل سنة دراسية جديدة، أحاول من خلالها أن أفسّر تلك المصطلحات بمعان أخرى لا تخرجها عن معناها الأصلي، ولكنها تجمع بين خطاب العقل وخطاب الروح لما فيها خير الدنيا والآخرة بإذن الله، فلنا نحن الآباء ولأبنائنا الطلاب كانت هذه اللفتات:
1- أنت أيها الطالب الحبيب وأنت أيتها الطالبة الفاضلة: من تلوم أيها الطالب، وعلى من ستلقي التهمة، ومن هذا الذي ستحمّله مسؤولية فشلك لا سمح الله، وأنت تعلم علم اليقين أن والدك لم يقصّر في تقديم ما يلزمك في مشوارك الدراسي، المال لشراء الكتب، والملابس والحذاء وزيارة المدرسة بشكل دوري للسؤال عنك، ثم محاولته مساعدتك في مراجعة دروسك في البيت وتهيئة الظرف وغرفة الدراسة المناسبة، ووجود الحاسوب ثم رحلتا الشتاء والصيف، ثم مع هذا كله تجدك تهرب من مسؤولية الدراسة لينتهي بك المشوار إلى الفشل، فمن تلوم ومن تتهم وماذا ينفعك أن تعض أصابع الندم عندها؟!!
ولله المثل الأعلى، فلقد زودك الله عز وجل بموفور الصحة وكمال العقل في، {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْن ِوَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} آية 8-10 سورة البلد. وأنزل إليك الكتاب القرآن الكريم، وأرسل إليك الرسول ﷺ، قال سبحانه: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} آية 15 سورة المائدة. وقال عليه الصلاة والسلام كما يروي الإمام مسلم: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا، كتاب الله وسنتي”.
إنه خير مرشد وخير معلم ثم {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}، وحثّك على صالح الأعمال ونهاك عن قبيحها. ترى فمن تلوم، ومن تتهم إذا انتهى بك مشوار الحياة الدنيا بسوء ختام وبغير صلاة ولا صيام؟! هل ينفعك يومها أن تتحسر على ما فاتك، أو أن تعض على كلتا يديك وليس فقط أصبعك، {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} آية 56 سورة الزمر. {وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَٰلَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلًا*يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} آية 27-28 سورة الفرقان.
2- القلم: هذا الذي أول ما خلقه الله تعالى في الكون وقال له: أكتب، فكتب كل شيء مما كان ومما سيكون. هذا القلم بين يديك طالبي العزيز وطالبتي الكريمة، به تكتب وتدون وتسجل، إنه الذي يعينك في مشوار الدراسة حتى لا تنسى وتضيع منك المعلومات فتنتفع بها ساعة الامتحان، وإن الطالب النجيب هو الذي لا يترك شاردة ولا واردة إلا سجلها، ولا سمع معلومة أو فكرة خطرت بباله إلا اصطادها وكتبها، وفعل كما كان يفعل ابن الجوزي، حيث ألّف من مجموع هذا كتابًا أسماه “صيد الخاطر”. ولا تنس أن قلمك يسجّل لك علاماتك وحضورك وغيابك وإحسانك إلى زملائك أو إساءتك إليهم ليعرضها بين يدي والديك نهاية الفصل أو نهاية العام.
تذكّر طالبي العزيز وطالبتي الفاضلة، أن قلم العناية الإلهية يسجّل عليكما كل شيء، ويدوّن في سجلاتكما كل صغيرة وكبيرة، الحسنات والسيئات، فعل الخير وفعل السوء، المعاصي والطاعات، وأنها ستعرض بين يديكما أمام الجليل، الله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّا عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} آية 12-10 سورة الانفطار. {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} آية 80 سورة الزخرف. {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ*مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} آية 17-18 سورة ق. فكلما رأيت أو وضعت يدك على قلمك فتذكّر قلم العناية الإلهية وما يكتبه ويسجّله في صحيفة أعمالك ليوم الحساب.
3- الممحاة: وهي تقترن بالقلم مباشرة، فليس القلم ولا صاحبه الذي يكتب به منزّهًا عن الخطأ والزلل، فقد يكتب الإنسان منا ،وقد تكتب أيها الطالب كلمة في غير محلّها، أو تجيب جوابًا خطأ، أو تشرح شرحًا يجافي الصواب، فإما أنك تسارع إلى الممحاة مباشرة وأنت تلحظ خطأك فتمحو ما ترى أنه ليس صحيحًا وغير مناسب، وإما أنك تعود لمراجعة ما كتبت خاصة على ورقة الامتحان، فيتبين لك أن بعض الكلمات، أو الجمل أو الإجابات غير صحيحة، أو في غير موضعها، فتجرد ممحاتك وتصحح إجاباتك فترتاح نفسك، ويطمئن قلبك، وينشرح صدرك. فتذكّر طالبي العزيز وطالبتي الفاضلة، أنكما وأن كل واحد منا يمكن أن يقع في الزلل وارتكاب الإثم الذي يسجل علينا في صحائف أعمالنا بقلم العناية الإلهية، فلا أحد منا معصوم “كل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون” كما قال عليه الصلاة والسلام، وكما قال سبحانه: {وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} آية 135 سورة آل عمران.
إنه الاستغفار، إنها التوبة بها يغفر الله الذنب ويمسح الخطيئة ويمحو السيئة. إنها الممحاة سلاحنا وعدتنا إذا أصابنا ضعف، أو أطغانا الشيطان، أو مالت نفوسنا للهوى والمعصية، فاجمع بين القلم والممحاة دائمًا خاصة ونحن في هذه الدنيا التي هي دار الامتحان. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “إذا تاب العبد وهو يعزم ألا يعود كفر الله عنه كل سيئة وأنسى الحفظة ذنوبه ومحى من الأرض أثر خطاياه”. فالممحاة الممحاة، الاستغفار الاستغفار يا كل أب، ويا كل أم، ويا كل أخ ويا كل أخت.
4- الكتاب: إن الكتاب على اختلاف موضوعاته وتخصصاته هو الأساس في مشوار الدراسة، وهو فعلًا خير جليس، إنه مصدر العلم وعماده وأساسه. إن الاعتماد على الذاكرة بما تحفظه أيها الطالب من المعلم لا يكفيك، إذ الجلوس وبين يديك الكتاب تراجع فصوله وتقلّب صفحاته أمر لا بد منه إن أردت بناء شخصيتك العلمية. ولقد زعم البعض أن تقنيات العصر قد احتلت مكان الكتاب، سواء من خلال شبكة الانترنت أو التلفزيون وغيرها، ولكن كل عاقل يدرك أن لا غنى عن الكتاب والعودة إليه والتواصل معه.
تذكّر طالبي العزيز وطالبتي الفاضلة، تذكّروا يا كل الأحبة أن خير الكتب كتاب الله رب العالمين {ألَمْ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} آية 1-2 سورة البقرة. إنه القرآن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. إنه الكتاب الذي لا تتغير معلوماته ولا يصيبه القدم، ولا يخلق على كثرة الرد والتكرار، إنه كلام الله المنزل على محمد ﷺ المتعبد بتلاوته، إنه الهادي والدليل والمرشد إلى خيري الدنيا والآخرة {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} آية 9 سورة الإسراء.
تذكروا أيها الإخوة ما قاله الحكيم: “عند الامتحان يكرم المرء أو يهان”، وإن من أسباب الإكرام عند الامتحان التواصل سابقًا مع الكتاب، وإن من أسباب الإكرام عند الامتحان الأكبر بين يدي الله سبحانه، التواصل في الحياة الدنيا مع كتاب الله وقراءته، إذ أن القرآن يأتي يوم القيامة شفيعًا لصاحبه الذي كان يقرأه، أو أنه يأتي يوم القيامة على لسان رسول الله ﷺ شاكيًا من هجرانه {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} آية 30 سورة الفرقان. فإلى الكتاب يا كل الأحباب، إلى القرآن الفرقان، الذكر، التنزيل، النور، الهدى، المبارك، المبين، البشرى، العزيز، المجيد، البشير.
5- المعلم: لا يمكن أبدًا ذكر المدرسة دون أن يخطر بالبال المعلم والمعلمة. فإن المعلم هو المرشد والدليل، وإليه يرجع الفضل في تحصيل الطالب بعد فضل الله ومشاركة الوالدين ونجابة التلميذ، وإن كثيرين من التلاميذ من تربطهم بمعلميهم صداقات حميمة حتى بعد أن تفرّق بينهم السنون عرفانًا وتقديرًا، ومن منا يجهل ما قاله شوقي رحمه الله:
قم للمعلم وفّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
وعليه، فإنني أذكّر الطالب الحبيب والطالبة الفاضلة، بأنه إذا ذكر المعلم فليذكر خير معلم وخير هاد، وخير مرشد وناصح ودليل، إنه الذي دلّنا على الله عز وجل وعرّفنا وظيفتنا في هذه الحياة وعلّمنا وأرشدنا إلى كل ما فيه خيرنا في الدنيا والآخرة، ونهانا عن كل ما يشقينا في الدنيا والآخرة. إنه الرحمة المهداة والنعمة المسداة، سيد ولد بني آدم، إنه رحمة الله للعالمين سيدنا محمد ﷺ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} آية 107 سورة الأنبياء، إنه الذي يقول: “ما تركت أمرًا يقربكم إلى الله إلا أمرتكم به، ولا أمرًا يباعدكم عن الله إلا نهيتكم عنه”. إنه ليس فقط المعلم ﷺ بل إنه خير معلم، إنه مدينة العلم كما قال عن نفسه: “أنا مدينة العلم وعلي مفتاحها”، إنه المعلم والرسول والهادي، بأبي هو وأمي.
فإذا كانت طاعة المعلم وسماع توجيهاته والعمل بنصائحه سبب النجاح في الامتحان، فإن طاعة الرسول والاهتداء بهديه والالتزام بشرعه والاقتداء بسنته هي سبب النجاح والفلاح في امتحان الآخرة يوم العرض على الله تعالى.
6- دفتر اليوميات: إنه الدفتر الذي فيه تدوّن برنامجك اليومي والأسبوعي. وفيه تدوّن وظائفك اليومية وما ينبغي عليك أن تحضره وتدرسه وتستعد له. إنه الدفتر الذي عليه تواريخ امتحاناتك الشهرية والسنوية ومواعيد الرحلات والمناسبات وبعض خصوصياتك، أو بعض النوادر والطرائف التي تحدث بينك وبين أصدقائك، وباختصار إنه دفتر الملاحظات والمحاسبة حتى تكون بواسطته دائمًا على استعداد .
فمن دفتر اليوميات والمحاسبة أيها الحبيب وأيتها الفاضلة، تذكّر فرائض الله عليك وما أمرك به سبحانه من واجبات. تذكّر وحاسب نفسك هل أديت الصلاة في وقتها، هل أديت حق والديك وجيرانك ومجتمعك، أم أنك مقصّر في حق كل هؤلاء؟! إن الطالب النجيب يتفقد حقيبته عند كل مساء وهل أعد كتب اليوم القادم، وهل حلّ كل الوظائف. فهل تحاسب نفسك كل مساء إذا أويت إلى فراشك عن حسناتك، لماذا لم تكثر منها، وعن سيئاتك لماذا فعلتها فتستغفر الله عليها: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم”. وإذا انتهى الفصل الأول تحاسب نفسك لتستعد وتحسن أكثر وتبدع في الفصل الثاني وهكذا. وإذا بلغت من السنين عددًا فحاسب نفسك قبل أن يميد بك العمر، الطفولة، الشباب، الكهولة، المشيب. حاسب نفسك وقلّب دفتر اليوميات والذكريات فما زال بالإمكان التصحيح وتبديل السيئات بالحسنات.
7- الحقيبة: هل هناك فرحة تدخل على الطفل والتلميذ خاصة في سنوات تعليمه الأولى من أن يشتري حقيبته الجديدة، ويروح يرتب فيها كتبه ودفاتره وأقلامه استعدادًا لأيام الدراسة الأولى. إنها الحقيبة التي لعلّها في حالات يزيد وزنها على عشرة كيلو غرامات، ولعلها تبلغ أكثر من ذلك، فتضعها أيها الطالب الحبيب على ظهرك الذي يروح يئن من ثقلها وترزح قواك تحت وطأتها، إنك ما أن تصل إلى المدرسة حتى تسارع في إلقائها على كرسي الصف، وما أن تصل إلى البيت عصرًا حتى تسارع بإلقائها والتخفف منها وقد أعياك الجهد والتعب والحمل الثقيل. أيها الحبيب أيتها الفاضلة، تذكّرا من الحقيبة التي تحمل على الظهور ذلك الحمل الثقيل الذي يحمل يوم القيامة على الظهور “إنها الذنوب والآثام” كما قال سبحانه {يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} آية 31 سورة الأنعام، هذه الذنوب التي هي اليوم شيء معنوي تصبح يومها شيئًا حسيًا يحمل على الظهور. أي خزي وأي هول أن يُرى الإنسان يحني ظهره من شدة ثقل ذنوبه وقد كان يستطيع في الدنيا أن يخفف منها بالتوبة والاستغفار وبالعمل الصالح، وقد قال النبي ﷺ لأبي ذر: “يا أبا ذر خفف الحمل فإن العقبة كؤود” أي أن طريق الآخرة صعبة وشاقة فكيف إذا اجتمع معها حمل ثقيل، فمن أجل أن يخفّ حملك عن ظهرك يوم القيامة فعليك بالتوبة أخي، وعليك بالتوبة أختاه لعلّ الله ينظر إليكَ وإليكِ وإلينا بعين الرحمة ذلك اليوم فلا نرزح تحت ثقل ذنوبنا وأوزارنا.
8- الامتحان: من أكثر منك يعرف أيها الطالب أن هناك امتحانات شهرية وأخرى فصلية ثم امتحانات نهاية العام. إن الطالب النجيب هو الذي يعلم أن هذا اليوم آت لا ريب فيه فيستعد له أتم استعداد. إن الطالب الذي يداوم على مراجعة دروسه وحل وظائفه ومذاكرة كتبه، فلا شك أن يوم الامتحان سيكون يسيرًا وسهلًا، وإلا فإنه إن ظل يسوّف بالدراسة ويتقاعس عنها حتى إذا حان يوم الامتحان سبقه بيوم ويومين بدراسة وسهر وتعب، إن مثل هذا الطالب سيكون يوم الامتحان عليه جد عسير، ولقد قالوا: “عند الامتحان يكرم المرء أو يهان”.
تذكر أيها الحبيب، أيتها الفاضلة، أيها الإخوة والأخوات، أن كل واحد منا قادم يومًا على الامتحان الأكبر يوم القيامة، وهناك تكون الأسئلة التي هي بحاجة إلى أجوبة، قال سبحانه: {وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْـُٔولُونَ} آية 24 الصافات، وقال عليه الصلاة والسلام: “لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه”. نعم، تذكروا أيها الإخوة أن كل واحد منا سيسأل عن الصغيرة والكبيرة، وما أخفى وما أعلن، وما فعل بالليل والنهار، قال سبحانه: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} آية 6 سورة الأعراف، ولكن تذكّروا أكثر أن امتحان المدرسة قد تتاح لك فيه فرصة ثانية يمكن فيها تحسين نتائجك وتحصيلك، أما الدنيا التي نحن فيها نستعد لامتحان الآخرة، فلا يوجد فيها موعد “أ” ولا موعد “ب”، إنها فرصتك الوحيدة فإذا فاتتك فإنك ستتمنى أن تمنح فرصة أخرى ولكنك لن تعطى هذا، وكيف تعطى وأنت أعطاك الله عشرات السنين من العمر كان بوسعك فيها أن تحسن نتائجك وتتوب إلى الله وتبدل سيئاتك حسنات، قال سبحانه: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} آية 99 سورة المؤمنون. وقال تعالى: {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ*وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} آية 10-11 سورة المنافقون.
9- نهاية مشوار الدراسة ويوم توزيع الشهادات: إنه اليوم الذي يحسب له كل طالب وطالبة ألف حساب، إنه اليوم الذي فيه تخفق قلوب الطلاب فرحًا أو حزنًا، إنه اليوم الذي يطير فيه من الفرح طلاب ويبكي فيه آخرون، إنه اليوم الذي تنتظر الطالب النجيب الهدايا والجوائز، بينما تنتظر الطالب الفاشل والمقصّر الإهانة والخزي والتوبيخ والتلويم من الوالدين، ولكن من يلوم هذا الطالب وهو الذي أشغل نفسه بالتافه من الأشياء، وراح يميل إلى اللهو والعبث، وهو الذي كان من واجبه أن يدرس. لقد جاء اليوم الذي كان يظنه بعيدًا وإذا به يقف ويعض على أصابعه وشفتيه يلوم نفسه.
إن من عادة الطلاب أنهم يحبون يوم الإجازة يوم توزيع الشهادات، لأن بعده ستكون العطلة فيها يمرحون ويلهون ويتنزهون، ولكن ويا للعجب، فإن الطالب الفاشل المقصّر الكسول الذي ينظر إلى شهادته لا تفرح صديقًا ولا والدًا وفيها النتائج المخزية، فإنه يتمنى لو أن يوم العطلة لم يحن وليته تأخر أكثر وأكثر، لأنه يعلم ماذا ينتظره في البيت من لوم الأهل وتوبيخهم إن لم يكن أكثر من ذلك!! إنه يرجع إلى البيت يضع الشهادة في حقيبته ويتمنى لو أصبح المتر الواحد الذي يفصله عن البيت ألف متر، أما الطالب النجيب الذي سهر وتعب ودرس، فإنه ما أن يرى علاماته وشهادته فإنه يطير فرحًا، ويروح يحمل شهادته بيديه يلوح بها ولا يضعها في الحقيبة حتى إذا ما سأله سائل في الطريق، عجّل في إلقائها بين يديه وتمنى لو أن له جناحين يطير بهما إلى البيت لأنه يعلم أن في البيت تنتظره قبلة وبسمة وهدية.
أيها الطلاب، أيتها الطالبات، أيها الإخوة والأخوات تذكّروا يوم توزيع الشهادات ذلك اليوم الذي فيه يقف العباد بين يدي رب العالمين كلّ ينتظر كتابه أيقع باليمين أم بالشمال، هل حسناته أكثر من سيئاته أم العكس، أيكون بعد إذ رأى حصاد أعماله صاحب وجه أبيض أو أسود، والعياذ بالله، قال سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا} آية 7-12 الانشقاق. وقال سبحانه {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَٰنِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} آية 106-107 سورة آل عمران. وقال سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَه ْفَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ُخذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} آية 19-31 سورة الحاقة.
بربكم، أليس حقًا أن يوم الامتحان هو يوم يكرم المرء فيه أو يهان؟ أليس حقًا أن يوم القيامة هو يوم الحساب؟!
أيها الإخوة والأخوات، يا كل المسلمين، لكل المسلمين نحب ولغير المسلمين ندعو بالهداية، ما زال في حياة وعمر كل منكم متسع لتعديل النتائج وجعل السيئات حسنات وتثقيل الميزان.
يا كل طلابنا وطالباتنا، يا كل أهلنا، أسأل الله لكم الفلاح في الدنيا والآخرة وأن نكون وإياكم من أهل جنات النعيم مع معلمينا وأهلينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.