السفر عبر رامون.. مكاسب للاحتلال واستغلال لمعاناة الفلسطيني
مع تصاعد حالة الجدل في الشارع الفلسطيني والأردني عقب قرر الاحتلال الإسرائيلي السماح للفلسطينيين بالسفر عبر مطار “رامون” الإسرائيلي، نسلط الضوء على التداعيات المختلفة المترتبة على هذا القرار، فلسطينيا وعربيا وإسرائيليا.
وعقب تحضيرات إسرائيلية مكثفة، انطلقت الاثنين الماضي، أولى الرحلات الجوية عبر مطار “رامون”، الواقع في النقب جنوب فلسطين المحتلة، والقريب من مدينة إيلات الساحلية، لتقل عشرات الفلسطينيين من سكان الخليل وبيت لحم، على متن طائرة تابعة لشركة “أركيع” إلى قبرص، ومن المقرر بحسب الإعلام العبري، أن تكون رحلة العودة يوم الجمعة المقبل.
سفر الفلسطيني معاناة لا تنتهي
وقبيل تشغيل “رامون”، يرغم الفلسطينيون الذين يرغبون في السفر من سكان الضفة الغربية على استخدام معبر “اللنبي” (جسر الملك حسين) من أجل الوصول إلى الأردن، ثم السفر من هناك إلى وجهات مختلفة؛ إما برا أو جوا، أو التقديم للحصول على تصريح من الاحتلال للسفر من مطار “بن غوريون”؛ وهذا إجراء صعب، أما سكان غزة، فهناك معبر رفح البري مع مصر.
وأعلنت السلطة الفلسطينية عن رفضها سفر الفلسطينيين عبر مطار “رامون”، مطالبة الاحتلال بسرعة تسليم مطار “القدس”، حيث نبه المتحدث باسم وزارة النقل والمواصلات، موسى رحال، إلى أن “الفكرة مرفوضة تماما من السلطة الفلسطينية”.
ورغم الموقف الرافض، فإن السلطة أو أيا من أجهزتها الأمنية لم تتخذ أي إجراء عملي لمنع سفر الفلسطينيين عبر “رامون” حتى الآن.
وحول قراءته لسماح الاحتلال بسفر الفلسطينيين عبر مطار “رامون” في النقب، أوضح المختص في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي مأمون أبو عامر، أن “من الأسباب التي تدفع بعض الفلسطينيين إلى السفر عبر مطار رامون، المعاناة الكبيرة التي يجدها المسافر الفلسطيني عبر جسر معبر اللنبي” مع الأردن.
وأضاف سببا آخر هو “عوائق وإجراءات الاحتلال المرهقة جدا والتكاليف المرتفعة وفترات الانتظار الطويلة وعدم جهوزية المكان بالشكل المناسب”.
وقال، “سلطات الاحتلال استغلت هذا الجانب، وقامت بزيادة ضغطها على المسافرين وفرض بعض القيود وتأخيرهم، بهدف الاستفادة السياسية في هذا الجانب، وبالتالي، فإن الاحتلال دفع بعض المواطنين للتفكير بالسفر عبر “رامون”، وهنا يضعف الاحتلال قدرة الجانب الفلسطيني على أن يكون له مطار أو ممر خاص في الضفة الغربية المحتلة تديره السلطة، كما كان المطار في غزة قبل تدميره من جيش الاحتلال”.
ونبّه أبو عامر، إلى أن “تشغيل المطار الإسرائيلي المذكور، يأتي أيضا ضمن سياسية فرض السيطرة الإسرائيلية على اعتبار أن الضفة الغربية تخضع لإسرائيل، وهنا، تختار تل أبيب الجانب المريح والمربح لها في السيادة وتتخلى عن الجوانب المرهقة سياسيا لها”.
وعن الجانب الاقتصادي، أفاد بأن “مطار “رامون” الذي أنشئ عام 2019 بتكلفة قدرت بـملياري دولار، لم تنجح “إسرائيل” في تشغيله وثبت فشله اقتصاديا حتى الآن، وبالتالي فإن تشغيل هذا المطار البعيد عبر سفر الفلسطينيين من خلاله، يحقق منفعة اقتصادية للجانب الإسرائيلي على حساب خسارة كل من الجانب الفلسطيني والأردني”.
“سلب الإرادة وتقزيم القضية”
ورأى المختص، أن موقف السلطة الفلسطينية وحديثها عن رفض سفر الفلسطينيين عبر هذا المطار “غير واضح وغير موضوعي من الجانب العملي، واستبعد قيامها بأي إجراءات لمنع ذلك، خاصة في ظل عجزها عن تقديم بديل مناسب”.
وأكد أن “السلطة تحاول في هذا الجانب الهروب من مسؤوليتها، مع فشل الفلسطينيين في الضفة وغزة في توفير ممر سفر خاص بالفلسطينيين بعيدا عن إرادة وتحكم الاحتلال، وهذا هو أحد مصائب اتفاقية أوسلو”.
ولفت إلى أن هناك “فشلا فلسطينيا-أردنيا رسميا في الضغط على الاحتلال لتسهيل مرور الفلسطينيين عبر جسر “اللنبي”، إضافة إلى تدني مستوى الخدمات ووسائل الراحة في الجانب الأردني لهذا المعبر مقارنة بالجانب الفلسطيني، خاصة في ظل الضغط الشديد، ما يفاقم معاناة المسافرين ويكلفهم المزيد”، متوقعا زيادة سفر الفلسطينيين عبر مطار “رامون” الإسرائيلي في الفترة المقبلة.
وأشار أبو عامر، إلى أن “الاحتلال قد يسمح لبعض سكان قطاع غزة بالسفر عبر هذا المطار، خاصة في ظل المعاناة الكبيرة والمستمرة للمسافرين عبر معبر رفح البري مع مصر”، معربا عن أسفه الشديد لـ”فشل الدول العربية في أن تكون بديلا مناسبا لسفر الفلسطينيين بعيدا عن إسرائيل؛ التي امتلكت مفاتيح حركة وتعذيب الشعب الفلسطيني، حتى إن الدول العربية فشلت في استثمار ذلك اقتصاديا”.
وبيّن أن “الاحتلال نجح في تحويل القضية الفلسطينية من قضية سياسية إلى اقتصادية-إنسانية؛ بما يندرج تحت مفهوم “السلام الاقتصادي”، وبالتالي فقد سلبت إسرائيل من الجانب الفلسطيني الإرادة السياسية وقزمت قضيته بشكل كبير، وأصبحت تل أبيب تقدم الحلول الاقتصادية في ظل تحكم كامل بها، بما يخدم مصالحها بالهيمنة والسيطرة على الضفة الغربية وتحقيق السيادة الإسرائيلية بطريقة مريحة للاحتلال على حساب الفلسطينيين”.
وتابع بأن “إسرائيل وفي ظل توقف المفاوضات السياسية مع السلطة الفلسطينية، أصبحت تقدم حلولا وبدائل اقتصادية بدلا من الحلول السياسية للكثير من القضايا، وعليه، فإن هذا يخدم المشروع الاقتصادي الذي طرحه رئيس وزراء الاحتلال يائير لابيد ومن قبله بنيامين نتنياهو، مع الضفة وغزة”، مؤكدا أن ما يجري هو “تكريس للاحتلال ولسيادته على الضفة الغربية المحتلة من الناحية السياسية، في ظل حلول اقتصادية لا علاقة للسلطة بها”.
تعليق السلطة
وعن اتخاذ السلطة الفلسطينية إجراءات “قانونية أو عقابية” لوقف سفر الفلسطينيين عبر مطار “رامون” وتطبيق قرارها برفض السفر عبر هذا المطار، أوضح المتحدث باسم وزارة المواصلات الفلسطينية موسى رحال، أن “المستوى السياسي الفلسطيني يناقش الموضوع، وما يصدر عنه سيتم العمل به”.
وأكد في تصريح لعربي21، أنه “حتى الآن لا توجد أي إجراءات تم اتخاذها (لمنع السفر عبر رامون)، فقط رسالتنا للمواطن تتضمن نصائح ودعوة إلى الالتزام بالموقف الرسمي الفلسطيني”.
وأضاف رحال: “نحن رسالتنا واضحة للمواطن الفلسطيني برفض السفر عبر “رامون”، وهذا الموضوع أكبر وله بعد سياسي واقتصادي، ونحو توجهنا في السفر نحو الأردن، ولا يمكن أن نختار “رامون” بدلا من معبر “الكرامة” مع المملكة الأردنية.
ونبّه إلى أن “سياسية الاحتلال دائما تأتي ضد مصلحة أبناء شعبنا، وهو يسعى لأن يتحرر من التزاماته السياسية والاتفاقيات الموقعة مع السلطة، بما يضع شعبنا تحت سيطرة الاحتلال في كافة التفاصيل الدقيقة، مع العمل على استنزاف شعبنا اقتصاديا ونضاليا”.
وشدد المتحدث باسم وزارة النقل بالضفة الغربية المحتلة، على “الاستمرار في المقاومة السلمية للاحتلال، والعمل على وقف كافة الإجراءات التي يتخذها الاحتلال من جانب واحد”، موضحا أن “إجراءات السفر في الجانب الفلسطيني عبر معبر الكرامة سهلة، ولكن التعقيد يكون لدى الطرف الإسرائيلي”.
وأفاد رحال، بأنه “جرى الحديث عن تحسين الخدمات المقدمة من الطرف الأردني على المعبر للمسافرين الفلسطينيين، مما يساهم في تسهيل تنقل المسافرين”، وفق قوله.
في حين لم يصدر موقف رسمي أردني بعد، إلا أن مسؤولين سابقين وكتاب أردنيين، هاجموا الخطوة الإسرائيلية وانتقدوا عدم صدور إجراءات فلسطينية تردع استخدام مطار “رامون” الإسرائيلي.