أخبار رئيسيةأخبار عاجلةالضفة وغزةومضات

تقرير تجاهل السلطة الفلسطينية التقارير الحقوقية عن الاعتقال السياسي.. تغوُّل على التزاماتها الدولية

تدير السلطة الفلسطينية الظهر للتقارير الحقوقية والأممية المتواصلة بشأن تصاعد الاعتقال السياسي والتعذيب في الضفة الغربية، ففي وقت نشرت فيه منظمة “هيومن رايتس ووتش” و”محامون من أجل العدالة” مذكرة مشتركة قدمت “للجنة مناهضة التعذيب”، تُصعِّد السلطة انتهاكاتها الحقوقية واعتقالاتها السياسية.

وفي تقرير أصدرته لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية في 8 أغسطس/ آب الجاري، أفادت بأن أجهزة أمن السلطة ارتكبت 263 انتهاكا بحق المواطنين في يوليو/ تموز المنصرم على خلفية الرأي والانتماء السياسي، وقمع الحريات، من بينها 73 حالة اعتقال و16 حالة استدعاء و19 حالة اعتداء وضرب.

ولا تزال أجهزة أمن السلطة تعتقل أكثر من 27 مواطنا معظمهم أسرى محررون على خلفية سياسية، منهم المحرر جهاد وهدان المعتقل لليوم الـ77، وشقيقه سعد المعتقل لليوم الـ75، وأحمد خصيب لليوم الـ77، وأحمد هريش لليوم الـ79، ومثله علاء غانم ومنذر رحيب، وجميعهم يمكثون في مسلخ “سجن أريحا”.

شبح وتعذيب

ويوثق تقرير “هيومن رايتس ووتش” أساليب تمارسها أجهزة أمن السلطة؛ وخاصة المخابرات والأمن الوقائي، واللجنة الأمنية المشتركة، أبرزها شبح المعتقلين في مراكز الاحتجاز التي تديرها في أريحا، حيث ترسل المعتقلين السياسيين بشكل منتظم إلى هناك.

وينقل التقرير عن علاء زعاقيق الذي عاش تجربة الاعتقال السياسي في أبريل/ نيسان 2017 على خلفية نشاطاته الجامعية مع الكتلة الإسلامية، قوله إن عناصر المخابرات أجبروه على الوقوف فترات زمنية طويلة مع فتح ساقيه في وضعية شبه القرفصاء، وفي وقت لاحق على أصابع قدميه، مع حبل يشد يديه إلى الخلف.

وأضاف أن أحد المحققين المعروف باسم “العصّار” قال له “راح تطلع من هون على كرسي مشلول”، وفي مركز الاحتجاز نفسه، قال الصحفي سامي الساعي إن عناصر الأمن رحبوا به بقولهم: “ولك عضلات كان ييجوا عنّا ونفّسوا”.

وأوضح الساعي في شهادته للمنظمة: “ربطوا يديّ بحبل معلق في سقف غرفة التحقيق، وبدؤوا بسحب الحبل تدريجيا للضغط عليها ما تسبب لي بألم شديد حتى اضطررت للطلب من أحد العناصر الأمنية برفع بنطالي بعد استعمال الحمام، لأنني لم أستطع فعل ذلك بنفسي”.

واعتقل جهاز مخابرات السلطة في مارس/ آذار 2019 المصور حازم عماد ناصر (29 عاما)، وخلال 19 يوما في الاحتجاز قال محاميه إن العناصر الأمنية عرضوه مرارا للشبح.

وأفاد ناصر بأن العناصر الأمنية ربطوا ذراعيه خلف ظهره عدة مرات وعلقوه على باب الحمام، بما في ذلك مرة لأكثر من ساعة، وأجبروه على الوقوف وساقاه مفتوحتان ويداه مرفوعتان لدقائق في كل مرة، وضربوه بخرطوم بلاستيكي، وقد أمضى أيام احتجازه باستثناء ثلاثة أيام في الحبس الانفرادي، حسبما ينقل التقرير.

ويسلط التقرير الضوء على جريمة اغتيال أجهزة أمن السلطة الناشط السياسي نزار بنات في 24يونيو/ حزيران 2021، بعد اعتقاله وضربه حتى الموت أثناء الاحتجاز، وبعد عام على الاغتيال منح المدعي العسكري، وفقا لوثيقة راجعتها “هيومن رايتس ووتش”، العناصر الـ 14 المتهمين 12 يوما خارج السجن، بحجة ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في مراكز احتجازهم.

ويوصي التقرير بالتعهد علنا بإنهاء الاعتقالات التعسفية والتعذيب والإفلات من العقاب، والكف عن استخدام “الشبح”، ومقاضاة عناصر وضباط الأمن الذين توجد ضدهم أدلة على المسؤولية الجنائية عن التعذيب أو سوء المعاملة المحظور.

انتهاك صارخ للحقوق

ويعتبر مدير مركز “شمس” لحقوق الإنسان عمر رحال تصاعد الاعتقال السياسي انتهاكًا صارخًا للقانون الفلسطيني الأساسي، خاصة فيما يتعلق بباب الحقوق والحريات وحق الفلسطينيين في تشكيل أحزاب سياسية ونقابات.

وقال رحال في تصريحات صحفية إن الاعتقال السياسي أمر مؤسف ومحزن في الحالة الفلسطينية في وقت يؤمن شعبنا بالتعددية السياسية ووجود فصائل وأحزاب.

ورغم انضمام السلطة إلى اتفاقيات مناهضة التعذيب، إلا أن رحال يبين أن تصاعد الاعتقال السياسي يخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأن استمراره يضر بسمعة السلطة نفسها دوليا، في ظل استمرار نشر الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية تقارير متعددة تتحدث عن الاعتقال السياسي، لافتا إلى أن العهد الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان نص على أنه لا يجوز اعتقال الناس تعسفًا.

ويفسر استمرار تجاهل السلطة تلك التقارير على أنه “إدارة للظهر” وعدم احترام التزاماتها على المستوى الدولي أو الداخلي، مشددًا على أن الأصل عقد انتخابات تشريعية “لأن ما يجري حالة فوضى وتيه تعيشه السلطة، وأن الأمر بدون انتخابات استخفاف بالناس وبالقانون الأساسي”.

وأضاف “ليس لدينا مؤسسة بل مجموعة تحكم البلد”، مؤكدًا أن هذه الأساليب لن تنجح حتى لو اعتقلت السلطة المئات، فلا يمكنها وضع شرطي على فم كل فلسطيني، والفلسطينيون مجربون فلا تردعهم أي إجراءات تعسفية.

واعتبر إجراءات السلطة ضد خصوصها “عقيمة، وتحمل حلولا ترقيعية” وأن البديل عنها الشروع بحوار وطني وشراكة سياسية واحترام القانون والدستور، مشددًا على وجوب تحريم الاعتقال السياسي والتعذيب.

تنصل من المسؤوليات

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف فإن تجاهل السلطة التقارير الأممية بشأن الحريات والانتهاكات مرتبط بسعيها للتنصل من مسؤولياتها عن هذه الانتهاكات وما يترتب على ذلك من التزامات أممية بما فيها تعرضها للمساءلة الدولية.

ووصف عساف في مقابلة صحفية تجاهل السلطة تلك التقارير بأنه “أشبه بسلوك النعامة التي تخفي رأسها في الرمال فلا أحد يراها، وهي محاولة بائسة للتنصل من المسؤولية”.

ويرى أن تصاعد الانتهاكات مرتبط بعمق أزمة السلطة التي تتسع وتتصاعد يوما بعد آخر، وزيادة عزلة الفريق الممسك بالقرار، حيث يعتقد هذا الفريق أن التغول الأمني وحده الكفيل لضمان بقائه في سدة الحكم والسلطة، كما يرتبط بالصراع الدائر حول خلافة رئيس السلطة محمود عباس، إذ يحاول كل جهاز أمني استعراض قوته أمام الجهاز الآخر وأركان الصراع ومحاوره الأخرى.

وشدّد على أن مواجهة هذا النهج لا تكون بالمنطق أو الحوار والإقناع، بل بالتصدي لهذه الممارسات، ما يفرض على القوى والفعاليات والشخصيات والمؤسسات الأهلية رفع الصوت عاليا لمواجهة هذا السلوك وردعه وعزل القائمين عليه، وفرض التراجع على أصحاب القرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى