إلى فتاتي المقبلة على الزواج
ليلى غليون
أولًا، نتمنى من الله عز وجل أن يبارك لكل عروسين ويبارك عليهما ويجمع بينهما على خير، وأن يجعل التوفيق والسعادة غمامة تمطر على حياتهما كل حين.
إن الزواج من نعم الله التي لا تعد ولا تحصى، كما إنه حلم كل فتاة تتوق لحياة الاستقرار التي تتحقق فيها رغبة فطرية في كل أنثى، وهي مشاعر الأمومة المتدفقة كالشلال التي لا تستكين ولا تهدأ حتى يتحقق ذاك الحلم الجميل في بكاء طفل يطرب ويرقص على أنغامه قلب كل أم، ولأننا في موسم الأفراح وفي فترة زمنية التي تكثر فيها مناسبات الخطوبة والزواج، فإنني أتوجه برسالتي وبكلامي إلى كل عروس تسير بخطاها إلى عتبة الزوجية، إلى ذلك العالم الجميل الذي رسمته بخيالها وحلقت فيه على أجنحة السعادة وبنت فيه قصورًا شامخة لحياة سعيدة يغمرها الحب والأمان مع شريك الحياة وفارس الأحلام الذي سيطير بها إلى دنيا الهناء.
إن الحياة الزوجية يا فتاتي ليست بالصورة التي رسمها خيالك، وليست مجرد مشاعر تفيض بالحب من كلا الزوجين، وإن كان هذا العامل مهمًا لاستقرارها ولسعادتها، إلا أن هناك عوامل اخرى غير المشاعر والأحاسيس إذا أهملت لم تقم للحياة الزوجية قائمة. إنك وأنت تحلقين في فضاء المشاعر، وتعتقدين بأن الحياة الزوجية فقط في هذا الجانب، لم يخطر ببالك أن هناك مسؤوليات جسامًا في انتظارك، لم يخطر ببالك أن هذه المسؤوليات إذا ضيعت ضاع الحب وجفت المشاعر، وربما انفرط العقد ليحصل ما لم يكن في الحسبان، ليكون الطلاق لا سمح الله قبل أن تختفي آثار الحناء التي اصطبغت بها يداك يوم عرسك، لتعودي إلى بيت أبيك خائبة الأمل، مكسورة الخاطر، محطمة المشاعر، وقد دوّن على بطاقة هويتك لقب مطلقة، وأنت في عمر الزهور تواجهين بهذا اللقب قسوة الأيام والنظرة الاجتماعية الظالمة، وإنني إذ أدعو لك من صميم قلبي أن لا تصلي إلى هذه النتيجة، فإنني أدعوك للوقوف عند بعض المحطات لتتنبهي إليها قبل الوصول إلى محطة الزوجية.
– إنك يا فتاتي قد خرجت من بيت والديك ودخلت إلى بيت وبيئة غير التي ترعرعت ونشأت فيها، لقد دخلت إلى عالم جديد يتطلب منك وعيًا وإدراكًا حتى تحسني فن التعامل مع أفراد هذا العالم الذي أصبح عالمك أنت ويخصك أنت بالدرجة الأولى، فهذا الزوج الذي منّ الله به عليك والذي طالما تمنيت أن يجمعك الله به في عش الزوجية، اعلمي أنك بطاعته من غير معصية، تطيعين الله عز وجل، وأنك بحسن تبعلك له ستدخلين الجنة بإذن الله تعالى.
أعلمُ أنك كنت الفتاة المدللة عند أبيها وأمها، وأعلمُ أنك ما كنت تطلبين منهما حاجة من حوائج الدنيا إلا ولبياها لك على الفور، فماذا يمنعك أن تكوني الزوجة المدللة عند زوجها حتى لا يرى في الوجود سواها؟
نعم إنك تستطيعين ذلك، عندما يستقر في وعيك أن طاعة زوجك وسعادته جزء لا يتجزأ من مسؤوليتك، بل سعادته وطاعته يجب أن تتصدر سلم أولوياتك، لتكوني أنت أول من يقطف الثمار الطيبة من عشرة حسنة من زوج محب يسعى لإرضائك وإسعادك كما تسعين لإسعاده وإرضائه، وما أعظم ما قالته تلك الاعرابية وهي توصي ابنتها ليلة زفافها: (كوني له أمة يكن لك عبدا)، فما أعظمه من خلق فيه يتسابق الزوجان لإسعاد بعضهما البعض، وما أسعده من بيت في ظل طاعة الله عز وجل.
– وزوجك هذا يا فتاتي له أم تحبه ويحبها وأفنت حياتها من أجله حتى رأته في بيت أنت ملكته، وطاعتك لزوجك وحبك له لا يكتملان إلا بحسن تعاملك معها، ولا تقولي إنها لا تحبك أو أنها تغار منك وتتدخل في شؤونك، فقد يكون ما تقولينه صحيحًا، ولكن اعلمي أن المعاملة الحسنة والخلق الحسن لهما من مفعول السحر ما لهما، ما يلين القلب القاسي ويفتت الصخرة الصماء، فعندما تتعاملين معها كما لو أنك تتعاملين مع أمك (وباعتقادي هذا هو الأصل والذي يجب أن يكون)، فحتمًا ستتعامل هي معك كما لو كنت ابنتها، وإياك أن تستمعي لمن يقدمون صورة سلبية عن الحماة ويزرعون في وعي الفتيات الهواجس والأفكار السيئة المسبقة عن الحماة، حتى إذا تزوجن بقيت هذه الصورة السلبية عالقة في أذهانهن، واعلمي يا فتاتي أن رضا حماتك عنك وعن زوجك فيه سعادة لك ولأسرتك فضلًا عن أنها من ثمار برّ الوالدين الذي هو مرضاة لله تعالى فإياك ثم إياك أن تقولي لزوجك: إمّا أنا أو أمك، بل قولي له: أمك ثم أمك أولًا ثم أنا، فتكسبين بذلك قلب زوجك وقلب حماتك وقبلها مرضاة الله تعالى الذي سيجزيك خير الجزاء.
– ولا تنسي أن أهل زوجك أصبحوا أهلك، يسرك ما يسرهم ويحزنك ما يحزنهم ويضرك ما يضرهم، فاحترامهم واجب ومساعدتهم إذا لزم الأمر أوجب، وحفظ أسرارهم أمر مفروغ منه، وإياك وتفضيل أهلك عليهم أو أن توغري صدر زوجك بالشكوى منهم، أو تزرعي الضغينة والكراهية في قلبه فتكوني بذلك سببًا في قطيعة الأرحام والتي هي من الكبائر عند الله عز وجل.
– ولا تنسي يا فتاتي وأنت على وشك دخول عش الزوجية، أنك ستصبحين ملكة في هذا العش والتي ستتولى إدارة شؤونه، وهذا يتطلب منك أن تكوني كالنحلة التي لا تكل ولا تمل ولا تعرف كسلًا، فتجعلين من بيتك جنة ترتعين فيها مع زوجك تعدين له ما يفضله من طعام وتهيئين له أسباب الراحة والسعادة، حتى إذا عاد من عمله وجد بيتًا نظيفًا مرتبًا ولقمة هنيئة وزوجة وفيّة تتفنن في إسعاده.
– واعلمي يا فتاتي أن سفينة الزوجية التي ستبحرين بها لن تسير دائمًا على مياه هادئة، فقد تتقاذفها أمواج ورياح المشاكل أحيانًا، وهذا أمر طبيعي وصحي، فالمشاكل كما يقولون ملح الطعام الذي لا بد منه، فكوني الربان الحكيم الذي يقود السفينة إلى بر الأمان مهما كانت الظروف والأحوال وإياك والتصرف بطيش وسذاجة وإطلاق العنان للانفعالات العصبية فتكوني سببًا في غرقها؟
– نسأل الله لك التوفيق والنجاح في حياتك الزوجية، ولكني لن أفارقك قبل تذكريك بضرورة الحفاظ على أسرارك الزوجية، وإياك أن تطلعي عليها أحدًا مهما بلغت درجة قربه منك، لأنك بمحافظتك على خصوصياتك تملكين صمام الأمان لحياتك الزوجية، وفقك الله وسدد خطاك وأعانك على حمل المسؤولية الكبيرة والتي هي بالطبع ليست مسؤوليتك وحدك بل يقاسمك بها شريك حياتك الذي سيكون لنا معه كلام في الأسبوع القادم إن شاء الله.