أخبار رئيسيةمقالاتومضات

معركة الوعي (125).. انتخابات الكنيست.. السير نحو السّراب والعودة دون خفيّ حنين

حامد اغبارية

 

بات من المسلّم بهِ- حتى في الأوساط الإعلامية والسياسية اليهودية-  أن الحالة السياسية في البلاد تسير من سيء إلى أسوأ، وأنه لم يعد في إمكان  القوى السياسية إعادة العجلة إلى الوراء. فالمؤسسة الإسرائيلية تتفكك رويدا رويدا على جميع الصُّعد والمستويات، وكلّ ما تفعله هو تسويق الأوهام بأن في استطاعتها تغيير الواقع وتحسين الأوضاع والعودة بالمشهد السياسي إلى فترة السبعينات والثمانينات والتسعينات، ولم يعد أمامها سوى بذل كل ما تستطيع من أجل الحصول على المزيد من الأوكسجين، الذي قارب على النفاذ، لضمان بقائها على الخارطة السياسية.

هذا ينسحب على الأحزاب الصهيونية، كما ينسحب على الأحزاب الناشطة في مجتمع الداخل الفلسطيني الممثلة في الكنيست الصهيوني: الموحدة والجبهة والتجمع والعربية للتغيير…. بل إن حالة الأحزاب العربي باتت في وضع يُرثى له ليس فقط من جهة قوتها في الشارع وقوة تأثيرها على الجمهور، بل حتى من حيث قدرتها على اجتراح مبررات جديدة تضلل بها الجمهور كي تدفعه للخروج إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات القادمة. فقد فرغت جعبة التضليل أو كادت، بعد أن كشفت تجربة السنة الأخيرة في ظل حكومة بينيت- لبيد حقيقة كواليس هذه الأحزاب مجتمعة ومنفردة، سواء الموحّدة التي أوقعت نفسها في فخّ الائتلاف، ولم يعد في إمكانها إصلاح ما تحطّم وتهشّم وتناثر، إذ لم تحقّق من تلك التّجربة إلا الفشل والخيبة فنسفت تاريخها وهدمت الهيكل فوق رأس ما يقول تنظيم الجناح الجنوبي الحاضن للموحدة إنه بناه  عبر عقود، وألحقت ضررا بالغًا بصورة المشروع الإسلامي، الذي كان قد استقر في أذهان الناس أنه مشروع مختلفٌ في النهج والتوجه والمواقف، وأنه مشروع مقاوم للواقع ويسعى إلى تغييره، وليس الذوبان فيه كما فعلت الموحدة؛ وسواء أحزاب القائمة المشتركة التي لم تفعل شيئا ولم تحقق إنجازا واحدا من تلك التي وعدت بها جمهور مصوّتيها، وانشغلت طوال الوقت بالهجوم على القائمة الموحدة والحديث عن عيوبها، حتى كادت ترميها بالخيانة العظمى، وكأنها هي (أي أحزاب المشتركة) أمّ الوطنية ومنبع الإخلاص لقضايا مجتمعنا، فكانت أشبه بالضُّرة التي انشغلت كل الوقت ببيان عيوب ضرّتها أمام زوجها واستغلت كل مجلس (نميمة) كي تدمر العلاقة بينهما، دون أن تفكر للحظة أنها لو تفرّغت لتحسين صورتها هي في عيني زوجها (الزوج هنا الجمهور وليس الحكومة) لكسبت قلبه وودّه. لكنْ أنّى للزوجة الحمقاء أن تدرك هذا؟

لو أنّك عدت إلى الوراء سنة واحدة؛ اثني عشر شهرًا، واطّلعتَ على الكمّ الهائل من التصريحات والمواقف التي صدرت عن قيادات الأحزاب العربية (كلِّها دون استثناء)  لوجدت أنها سجّلت رقما قياسيا في عدد التصريحات والمواقف، تصلُح لتسجيلها في كتاب جينيس للأرقام القياسية، لكنّك لن تجد لديها من الإنجازات شيئا، على جميع المستويات ذات الصلة بالحقوق اليومية ومعاناة المواطن الفلسطيني في الداخل، وعلى مستوى الملفات الملتهبة المتعلقة بالقدس والمسجد الأقصى والنقب، وعلى مستوى قضية الشعب الفلسطيني. وخلاصة المسألة أن هذه الأحزاب، مثل سابقاتها، قررت المسير إلى السراب، الذي صنعته خصيصا لنا، المؤسسة الإسرائيلية، وفي كلّ جولة من جولات المسير نحو هذا السراب ترجع بخفيّ حنين، لكنّها الآن عادت من الجولة الأخيرة خالية الوفاض حتى دون خفيّ حنين.

كشأن الأحزاب الصهيونية، فإن الأحزاب العربية تعيش هذه الأيام وضعا لا تحسد عليه، بعد تراجع شعبيتها حتى في أوساط أنصارها التقليديين، مع ارتفاع أصوات في صفوفها الداخلية تدعو إلى مراجعات لتجربة الكنيست برمّتها ونجاعة هذه التجربة. وما تفعله الأحزاب الآن هو السعي إلى الحفاظ على وجودها السياسي من خلال استمرار وجودها في الكنيست، لأن هذا الوجود في الكنيست هو الضامن الوحيد لبقائها على الساحة السياسية، خاصة بعد أن عملت تلك الأحزاب خلال السنوات الخمس الأخيرة تحديدا على إفراغ لجنة المتابعة من مضمونها، وسعت إلى إضعاف تأثيرها بوسائل مختلفة؛ على رأسها طرح نفسها (المشتركة مثلا) بديلا عنها، وعدم المشاركة في جلساتها ونشاطاتها، وبذلك لم تعد المتابعة بالنسبة لهذه الأحزاب سقفًا يضمن لها الوجود الشعبي ولو معنويا وحسب. ولأن هذه الأحزاب لا يمكنها أن تتراجع، ولأنها لم تقتنع بمراجعة مواقفها ونهجها وسياساتها، فإنها تعمل الآن على العثور على الوصفة السحرية لتحالفات جديدة – قديمة تخوض من خلالها انتخابات الكنيست التي تشكل بالنسبة لها إكسير الحياة.

لذلك لا نستغرب أن تخرج علينا تشكيلات – تحالفات كانت بالأمس القريب من المستحيلات. ففي السياسة لا توجد مستحيلات، خاصة إذا كان “السيف مُسلطا على الرّقاب”. والاحتمال الأقوى في هذه المرحلة (قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات) هو العمل على رتق ما تمزّق من المشتركة وتجميع حطامها، وربما العمل على إعادة القائمة الموحدة (بشروط جديدة) إلى صفوفها. وإذا لم تنجح هذه المحاولة إزاء التصريحات النارية للتجمع من جهة والجبهة من جهة أخرى، بينما تقف بينهما الحركة العربية للتغيير في انتظار اتجاه الرّيح قبل أن تقرر أين تجد مصلحتها، فإن  هناك احتمالا في أن تتحالف الجبهة مع العربية للتغيير مقابل تنازلات صعبة لم تقبل بها الجبهة أثناء تشكيل المشتركة، والاحتمال الآخر تحالف بين التجمع والعربية للتغيير، والاحتمال الثالث تحالف بين الوحدة والعربية للتغيير، بينما ستبحث الجبهة عن تحالف جديد مع قوى أخرى، ربما مع ميرتس وربما مع حزب العمل (الحليف التاريخي في انتخابات الهستدروت) أو مع أحزاب عربية مشلولة حاليا، ظهرت في السنوات الأخيرة على هامش الانتخابات، أو مع تجمعات انتخابية جديدة بدأت بوادر تشكيلها تظهر مؤخرا، كما يحدث في النقب، الذي يشعر أهله بخيبة أمل ومرارة من القائمة الموحدة. وأضعف الاحتمالات – حاليا- تحالف ثنائي بين الجبهة والتجمع، لكنه يبقى قائما لأن مصلحة الحزبين تقتضي ذلك.

الشيء الوحيد المؤكد هو أن أيًّا من الأحزاب العربية لن يجرؤ على خوض الانتخابات القادمة في قائمة مستقلة، حتى لو زعمت أنها تستطيع ذلك، كما صرّح أيمن عودة مؤخرا، قائلا إن الجبهة هي أقوى حزب، وتستطيع خوض الانتخابات وحدها. وليس حال القائمة الموحدة بأفضل من غيرها، بل يبدو وضعها أسوأ بكثير. فرغم أنها كانت قد خاضت الانتخابات السابقة في قائمة مستقلة ونجحت في دخول الكنيست، إلا أن التجربة الثانية لن تكون كالأولى، والموحدة تدرك هذا جيدا، فهي تشعر بقوّة أن البساط يُسحب من تحت قدميها.

في هذه المرحلة فإن الأحزاب مشغولة في تشكيل قوائمها الداخلية، وبعضها يشهد تعثرات وصراعات، خاصة في الجبهة التي يبدو أن رئاسة أيمن عودة لها تهتز حاليا، وربما يستقر الأمر على وجه جديد، وربما جديد- قديم…! حتى إذا انتهت من هذه المرحلة (المرهقة جدا جدا جدا…) فإن الشهر القادم سيشهد مفاوضات الجميع مع الجميع دون استثناء، لأن صراع البقاء هو سيد الموقف الآن.

والسؤال الكبير هو: كيف ستكون النتائج؟ ولا أقصد نتائج الانتخابات، فهي الأقل أهمية، بل أهميتها معدومة تماما، وإنما المقصود نتائج تفاعل الجمهور مع هذا المشهد. وبمعنى آخر: هل أدرك الجمهور في الداخل الفلسطيني بعد أن بلغ الأمر منتهاه، وبلغت القلوب الحناجر، أن لعبة الكنيست إنما هي مجرد لعبة لا تخدم قضاياه، وملهاة للأحزاب ووسيلة تخدير؟ هل أدرك الجمهور أن هناك خيارات أخرى وبدائل أخرى خارج لعبة الكنيست، يحقق من خلالها طموحاته وأهدافه؟ لم يفُت الوقت بعدُ. وما تزال الثقة بوعي الجمهور تزداد يوما بعد يوم، بأن على أبناء هذا المجتمع أن يبحثوا لهم عن طريق آخر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى