أزمة الجفاف بالصومال.. التكافل سلاح النازحين للبقاء
– محمد أشكر نزح مع أبنائه إلى مخيم ليس فيه سوى مياه صالحة للشرب، تاركا زوجته ورضيعها لدى جيرانه خشية مشقة السفر
– سيدة نازحة استضافت أسرة أشكر في كوخها المصنوع من الأغصان وتقاسمت معهم غداءها
– نقص المساعدات الإنسانية يفاقم أزمة الجفاف التي تضرر منها نحو 7 ملايين صومالي ونفوق 3 ملايين رأس ماشية
تتدفق الأسر النازحة من مدينة بورطوبي بإقليم جدو جنوب غربي الصومال، على المناطق التي تنشط بها الهيئات الإنسانية، علهم يجدون ما يسدون به رمقهم بعد أن أهلك الجفاف ماشيتهم ومزارعهم.
في مخيم “كباسا” بمدينة دولو المتاخمة للحدود مع إثيوبيا، تتواجد أكثر من 8 آلاف أسرة نزحت من ويلات الجفاف.
ورغم الظروف الصعبة وضعف المساعدات الإنسانية إلا أن سلاح النازحين الوحيد لتخفيف معاناتهم يتمثل في “التكافل الاجتماعي”.
وبحسب الهيئات الأممية، فإن نحو 7 ملايين صومالي تضرروا جراء الجفاف، فيما تشرد أكثر من 805 آلاف شخص من سكناهم، إلى جانب نفوق 3 ملايين رأس من الماشية منذ منتصف 2021.
ضيافة وسط الظروف
بعد ثمانية أيام ولياليها، وبشق الأنفس، وصلت أسرة محمد أشكر إلى مخيم كباسا هربا من بورطوبي، على غرار الكثير من الأسر، في رحلة بحث عن مياه صالحة للشرب لإنقاذ حياتهم ولأطفالهم.
رغم ظروفها المعيشية، لم تتخل فاطمة حسن، عن ثقافة التكافل الاجتماعي التي تشتهر بها الأسر الصومالية كوسيلة لتجاوز كل المآسي، التي عاشوها طيلة العقود الماضية.
فرحبت فاطمة بأسرة “أشكر” ضيفا على منزلها المصنوع من أغصان الشجر والبلاستيك.
وقالت فاطمة بتصريح للأناضول، إن الأسرة التي استضافتها تعاني أكثر منها، فآثار الجفاف بادية على وجوه أطفالها.
ورغم أنها نازحة إلا أنها فتحت أبواب منزلها لاستقبال أسرة أشكر المكونة من 5 أفراد، حيث قدمت كل ما لديها من الطعام.
وأضافت فاطمة أن لديها ما يكفي وجبة غذاء لأسرتها ولضيفها، لكن العشاء سنرى ماذا سيجلب ابني من السوق، حيث يجر عربة لنقل المياه داخل المخيم.
لم يصل إلى المخيم منذ شهرين أية مساعدات إنسانية رغم الزيارة التي أجراها المبعوث الخاص لرئيس الصومال لشؤون الجفاف عبدالرحمن عبدالشكور، رفقة وفد أممي قبل أسبوعين.
الأم والرضيع
لم يجرؤ أشكر على جلب زوجته ورضيعها إلى هذا المخيم خوفا على حياتهما، نظرا لمشقة السفر، الذي كان يستغرق ثمانية أيام ولياليها، فتركها في مدينة ربطوري، التي لم يتبق فيها سوى عشرات الأسر.
يقول أشكر: “كنت أمام خيارين أحلاهما مر، إما أن أصطحبهما وسط هذه الظروف، أو أن أتركهما لجيراني لبعض الوقت”.
ويضيف: “الحمد الله، هما بخير، لكن المدينة ليست صالحة للعيش، رغم تشبث بعض الأسر بها”.
وأشار أشكر إلى أن “الوضع سيء للغاية، وسأعود إليهما قريبا بعد أن استقرت بقية الأسرة في هذا المخيم الذي لا تتوفر فيه سوى مياه صالحة للشرب، والتي افتقدناها كثيرا بسبب نضوب المياه الجوفية والآبار”.
وذكر أن بعض الأسر جمعت له بعض التكاليف، بعد أن انتشرت قصة هروبه داخل المخيم، وقال إنه يقدر “حاليا على العودة للبلدة، ولمّ شمل أسرته من جديد”.
في الجانب الآخر، تسابق مجموعة من الرجال في المخيم الزمن لتشييد منزل لأسرة أشكر، فمنهم من جلب الأغصان ومنهم من جلب البلاستيك، وآخرون يشدون عُقد الحبال، في عمل يعكس مدى التعاون وتآلف بين الأسر النازحة في هذا المخيم.
تقاسم لقمة العيش
تختلف الأوضاع المعيشية للنازحين جراء أزمة الجفاف لهؤلاء النازحين في مخيم كباسا، لكن القاسم المشترك انعدام المساعدات التي تقدمها الهيئات الإنسانية لتخفيف وطأة معاناتهم.
يقول سياد حاشي، رئيس المخيم، إن “تدفق النازحين لا يزال مستمرا في هذا المخيم”.
وأشار حاشي إلى وصول “نحو 200 أسرة إلى المخيم خلال الأسابيع الماضية، ما رفع عدد النازحين فيه إلى أكثر من 8 آلاف أسرة”.
وحذر من أن ارتفاع أعداد النازحين في المخيم “قد يؤدي إلى تدهور أوضاعهم، ما لم تقدم لهم مساعدات عاجلة”.
وأضاف رئيس المخيم، أنه “وبالرغم من معاناة النازحين، إلا أن هناك روح التعاون والتكافل داخل هذا المخيم”.
وكشف حاشي أن “بعض شباب المخيم أطلقوا مبادرة لاستشراف أوضاع الأسر الضعيفة، وتقديم العون لهم ومساندتهم لتخفيف معاناتهم”.
ولفت إلى أن “روح التكافل وصلت إلى مرحلة أن تشترك الأسر القريبة مع بعض في مائدة واحدة”.
وأردف: “حيث يتقاسمون كل ما يتوفر لهم من لقمة العيش، سواء من المساعدات إن وجدت، أو ما يجلبونه من السوق مقابل أعمالهم اليومية؛ كغسيل الملابس، الذي تمتهنه نساء المخيمات”.
ومما يفاقم أزمة الجفاف التي ضربت معظم أقاليم البلاد نقص المساعدات الإنسانية.
حيث يتم حاليا تمويل 18 بالمئة فقط من خطة الاستجابة الإنسانية في الصومال لهذا العام، والبالغة 1.5 مليار دولار، لمساعدة 5.5 ملايين شخص الأكثر ضعفا، وفق بيان مشترك لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مع ثلاثة من هيئات أممية.