يوم حاسم في المشوار السياسي لرئيس الوزراء البريطاني.. هل يستقيل؟
أدرك وزراء الصف الأول في حكومة رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، البارحة وللمرة الأولى ربما، أنّ زعيمهم لا يكتفي بإلحاق الضرر بنفسه وبسمعته، بل بالحكومة والحزب وبمستقبلهم السياسي هم أيضاً، أو أنهم يعبّرون للمرة الأولى عن إدراكهم لذلك علناً، بعد أشهر من دفاعهم المستميت عنه وعن أخطائه وزلّاته وخروقاته.
وما تزال الاستقالات تتوالى، إذ أعلن أربعة أعضاء في الحكومة البريطانية استقالتهم، اليوم الأربعاء، غداة قرار مماثل اتخذه وزيرا الصحة والمال.
وأعلن وزير الخزانة البريطاني جون غلين استقالته من حكومة جونسون، ولحقت به الوزيرة في وزارة الداخلية البريطانية فيكتوريا أتكنز التي استقالت من منصبها احتجاجاً على سياسة جونسون.
وقبلهما أعلن وزير الدولة لشؤون الأطفال والعائلات ويل كوينس استقالته بقوله إنه ليس لديه “خيار” آخر بعدما نقل “بحسن نية” معلومات إلى وسائل الإعلام حصل عليها من مكتب رئيس الوزراء “وتبين أنها غير صحيحة”.
واستقالت لورا تروت بدورها من منصبها كمساعدة لوزير الدولة لشؤون النقل، لأنها فقدت الثقة بالحكومة حسب قولها.
ومن المتوقع أن يكون هذا اليوم عصيباً ومصيرياً بالنسبة لمستقبل جونسون السياسي، حيث سيواجه ظهر اليوم الأربعاء في مجلس العموم أسئلة “المؤّيدين” قبل المعارضين بداخل الحزب. وسيمثل أمام رؤساء اللجان الرئيسية في مجلس العموم وبعضهم من أشد منتقديه في حزب المحافظين.
ليست الاستقالات مفاجئة، حتى أنها متوقّعة وتأتي ضمن سياق الغضب العام في حزب “المحافظين”، لكنها تكتسب أهمية قصوى من حيث التوقيت ومن حيث الخلفية السياسية لوزيري المالية ريشي سوناك والصحة ساجد جاويد، اللذين افتتحا حملة الاستقالات مساء البارحة.
كما أنها تكشف وبشكل قاطع مقدار غرق رئيس الحكومة وحزب “المحافظين” أيضاً، فتصبح الاستقالة محاولة أخيرة للنجاة الفردية وليس مجرّد موقف سياسي أو تمرّد أو احتجاج.
أحداث كثيرة ساهمت في تلك الاستقالتين المفتاحيتين من حكومة جونسون، إلا أنّ ما فجّرهما هو الارتباك الذي طغى على تصريحات “داونينغ ستريت” في قضية نائب رئيس الانضباط الحزبي المستقيل كريس بينشر. ونفى “داونينغ ستريت” خلال الأيام الماضية المعلومات التي تؤكّد اطّلاع جونسون على سلوك بينشر “غير اللائق” قبل أن يعيّنه في منصبه الأخير. جونسون أنكر أيضاً معرفته بالأمر ملقياً على عاتق وزرائه المقرّبين مهمّة الدفاع عنه ومواجهة الإعلام وتكذيب تلك الادّعاءات.
وكان دومينيك راب نائب رئيس الوزراء من أواخر من تعرّضوا لهذا الإحراج. واجه راب صباح البارحة أسئلة مذيع “بي بي سي” مؤكّداً أن جونسون على حقّ وأنه لم يكن مطّلعاً على “مزاعم محدّدة” تدين بينشر لسلوكه غير اللائق ولتحرّشه بزملاء له قبل عامين. إلا أن كبير موظّفي الخدمة المدنية سيمون ماكدونالد كتب رسالة للجنة المعايير في البرلمان صباح البارحة محذّراً من “التضليل” الذي يتقصّده “داونينغ ستريت” في تصريحاته للإعلام وللرأي العام.
بعدها بساعات قليلة وقف مدير مكتب مجلس الوزراء مايكل إليس في مواجهة معارضي الحكومة في مجلس العموم قائلاً على الهواء مباشرة إنّ جونسون “لم يتذكّر على الفور” تلك المزاعم، مما عرّضه لإحراج مماثل للإحراج الذي تعرّض له آخرون. ثم لم تمرّ سوى ساعتين حتى اعتذر جونسون معترفاً بالخطأ الذي اقترفه عندما عيّن بينشر في منصبه الأخير هذا في فبراير/ شباط الماضي. ولم يكن جونسون مخطئاً فقط في تعيينه لبينشر، بل كان أيضاً مخطئاً لو اعتقد أن اعتذاره سيكون كافياً كما كان في المرات السابقة.
وكما جرت العادة مع رؤساء الحكومات المتعاقبة ممن يشعرون بالخطر ويلمحون خيوط المؤامرة، توجّه جونسون البارحة إلى “غرفة الشاي” في مجلس العموم حيث أمضى النهار في محاولة عابثة لحشد نوّابه ووزرائه وكبت المتمرّدين منهم وامتصاص غضب المؤيّدين، لكنه لم يفلح. فأتت استقالة أبرز المرشّحين لخلافته لتقتل الوقت المتبقي له على رأس الحزب والحكومة.
ولم يعد مضموناً على الإطلاق نجاته حتى منتصف الشهر الجاري حيث ستؤدي على الأغلب انتخابات الأسبوع المقبل لاختيار المجلس التنفيذي للجنة 1922 في حزب “المحافظين” لوصول المتمرّدين إلى تلك المناصب ولتغيير قواعد الحزب وإجراء تصويت ثان على الثقة قبل العطلة البرلمانية.
وسارع “داونينغ ستريت” مساء البارحة لتعيين ستيف باركلي وزيراً للصحة بدلاً من ساجد جاويد بينما كلّف وزير التعليم من أصول عراقية نديم زهاوي بمنصب مستشار بعد استقالة وزير المالية ريشي سوناك وسط إشاعات نفاها زهاوي هذا الصباح عن تهديده بالاستقالة من الحكومة إن لم يصل إلى المقرّ 11، أي مقرّ المستشار ووزير المالية. أما وزيرة الخارجية ليز تروس فسارعت أيضاً للتعبير عن تأييدها المطلق لرئيس الحكومة، مما يعني أنها فقدت كل فرصها للمجيء بدلاً منه. ويبقى بحسب التكهّنات أن وزير الدفاع بن والاس، هو أقوى المرشّحين أيضاً للمجيء بدلاً من جونسون، مستفيداً من الاجتياح الروسي لأوكرانيا والدعم العسكري والأمني غير المسبوق الذي قدّمته المملكة المتحدة لكييف.