أخبار رئيسية إضافيةمقالاتومضات

وللخلافات الزوجية أسباب أخرى!

ليلى غليون

كثيرًا ما نتداول موضوع الخلافات الزوجية في محاولة منا لمعرفة الأسباب الكامنة وراء هذه الخلافات وإلى من توجه أصابع الاتهام في اشتعالها أو تطورها لنخرج بنتيجة مفادها أن السبب ربما يكمن في الزوج الذي لا يفقه من أمور الحياة الزوجية شيئًا، فهو في واد وأمانة ومسؤولية الحياة الزوجية في واد آخر، أو تكون الزوجة هي السبب في تفجير الأزمة الأسرية والخلافات الزوجية لافتقارها إلى أدنى مقومات وصفات الزوجة العاقلة أو لافتقارها إلى أدوات التعامل السليم والحسن مع الزوج، أو قد يكون الأهل هم السبب في سماحهم لأنفسهم وإعطائها الحق في التدخل المباشر أو غير المباشر في شئون الزوج والزوجة والذي في غالب الأحيان يكون -هذا التدخل- مبنيًا على العاطفة سواء من قبل أهل الزوجة الذين يريدون الانتصار لابنتهم حتى لو كانت هي (المحقوقة)، وهم لا يدرون أنهم بهذا الأسلوب يشجعونها على الاستمرار في الخطأ، أو من قبل أهل الزوج الذين يسعون أيضًا للانتصار لابنهم ولو لبسه الخطأ من رأسه إلى أخمص قدميه ليهتز بذلك استقرار البيت وسعادته التي أصبحت بين مطرقة تدخل أهل الزوجة السلبي وسندان تعنت أهل الزوج وسوء تعاملهم مع المشاكل. وقد نسقط أسباب الانهيار الأسري على الظروف والحالة الاقتصادية الصعبة أو على هذا الزمان الذي يعج بالفتن عجًا والتي عمت وطمت وتنوعت وتفرعت وصارت كالأخطبوط تتمدد وتنهش في الجسد الاجتماعي حتى ليكاد الحليم يصبح حيران.

نعم.. فنحن حين نطرح موضوع الخلافات الزوجية فعادة ما نركز على هذا المربع (الزوج والزوجة والأهل والظروف بأنواعها) وأن أسباب هذه الخلافات لا تبتعد كثيرًا عن أضلاع هذا المربع، بل وفي كثير من الأحيان لا يخطر لنا على بال أن هناك أسبابًا مستترة وراء تحطم العديد من الأسر وتفككها وعدم استقرارها، وهذه الأسباب لن يكشف مكمنها إلا من رزقه الله تعالى قلبًا مبصرًا يكتشف ويرى بعيني بصيرته ما لم يكتشفه ويره بعيني بصره.

نعم.. قد تكون الزوجة هي السبب لأنها لا تحسن التعامل مع زوجها، وقد يكون الزوج هو السبب لأنه لا يحسن التعامل مع زوجه، وقد يكون الأهل هم السبب لتعاملهم العاطفي وليس العقلاني مع مشاكل أبنائهم، وقد تكون الظروف وإفرازات هذا الزمن الصعب المتشابكة هي الفتيل الذي يشعل المشاكل والخلافات الأسرية، ولكن هل بحثنا الأمر جيدًا وأزلنا بعض الغشاوة عن قلوبنا وأبصارنا وكنا حقًا صادقين مع أنفسنا لنعترف أن العديد من بيوتنا وأسرنا بنيت على دعائم هشة، بل تأسست على ما يغضب الله تعالى، فكم من بيت تأسس على قروض بنكية وعلى الربا أو على الأقساط الربوية؟ كم من بيت تأسس على “المشكنتا” التي خنقت أنفاس الأفراد وكبلتهم بسلاسل الديون والربا؟ كم من الأعراس التي تقام الآن في مجتمعنا ببذخها الجنوني، غالبية تكاليفها ليست إلا قروضًا بنكية ومعاملات ربوية حتى يقال أبو فلان أقام لابنه أو لابنته عرسًا ما قام بمثله الأولون ولا الآخرون؟

فأي بيت ستقوم له قائمة ويعمه الاستقرار وتفرد السعادة أجنحتها عليه وقد افتتحه الزوجان على ما يُغضب الله تعالى، بل هو إعلان الحرب على الله عز وجل مدبر الأمر كله. نعم هي الحرب التي توعد الله تعالى بها آكلي الربا لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين* فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) وقوله تعالى: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات).

إن الاقتصاد العالمي على شفا حفرة من الانهيار بسبب الربا، وإن الأزمات الاقتصادية التي يعيشها العالم اليوم منشؤها الربا، وإن أحوالنا غير المستقرة ونزع البركة من أموالنا ورزقنا وحياتنا -والله أعلى وأعلم- هي بسبب تهاوننا وتعاملنا المتهاون مع قضية الربا، والتي عنها يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد حلوا بأنفسهم عذاب الله).

فالعرس يوم ويمضي والحياة الزوجية كل يوم، ولن تكون نهاية الدنيا لو كان العرس مختصرًا ومن مال لا يخالطه ربا من قروض بنكية وغيرها حتى يقال عرس ابن فلان وسهرة ابنة علان.

وأسلم لنا في الدنيا والآخرة أن تكون بيوتنا متواضعة (إذا لم نكن نملك المال الخالص) من أن تكون قصورًا وعمارات فارهة يشيب شعر رأسنا ونحن نسدد (للمشكنتا) الأقساط الربوية طويلة العمر والتي ربما ننتهي لا تنتهي.

فلنراجع أنفسنا قليلًا قبل أن نتساءل باستغراب ودهشة: ما سر خلافات الأزواج وهم يملكون كل شيء ولا ينقصهم شيء؟

ما سر هذا التصادم بينهم وهم بالأمس القريب كانوا يسعون جاهدين لتحقيق أحلامهم وسعادتهم في بيت الزوجية؟

نعم إنهم يملكون كل شيء من حطام الدنيا، ولكن في غمرة هذا كله نسوا بأن هذا الحطام إذا لم تنظر إليه عين الرضا الإلهية سيصبح أثرًا بعد عين. أفلا نتعظ؟!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى