أخبار رئيسيةمقالاتومضات

أمسك عليك لسانك وقلمك وموقع تواصلك

 

الشيخ رائد صلاح

قيل في اللسان الشيء الكثير، وما يُقال في اللسان ينطبق على القلم وعلى موقع التواصل، فإذا كان اللسان هو الناطق الحيّ، فإنّ القلم هو الناطق الصامت، وإن موقع التواصل هو نتاج هذا الناطق الحيّ (اللسان)، وهذا الناطق الصامت (القلم)، ولذلك فيوم أن قال الحكيم: (لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك)، فهو قول لا يجوز على اللسان فقط، بل يجوز على القلم وموقع التواصل، ويمكن أن نقول: (قلمك أو موقع تواصلك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك)، مما يعني أننا مطالبون بضبط القلم وموقع التواصل وفق آداب ضبط اللسان، ولأننا مقبلون على أجواء صاخبة بالقيل والقال وكثرة السؤال والإكثار من الغمز واللمز والتنابز بالألقاب وتوزيع التهم والإسهاب في التحليلات والتطاول في البيانات، وهي الأجواء التي ستسبق يوم انتخابات الكنيست القريب الذي قد يكون بعد بضعة أشهر فإنني أسجل هذه الملاحظات ناصحا نفسي وناصحا الجميع:

1- من أهم آداب اللسان التي تنطبق على القلم وموقع التواصل هي قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، وهذا يعني أنّ كل ما يخرج من اللسان مسجل على صاحبه ولو كان حرفا أو كلمة أو نصف كلمة، وسيحاسب عليه عند الله تعالى، وقد يرى عاقبة أو عقوبة ذلك، فمن قال خيرا فسيلقى خيرا، أو قال شرا فسيلقى شرا، وقد يكون ذلك في الدنيا قبل الآخرة، وما ينطبق على اللسان في ذلك ينطبق على القلم وموقع التواصل، وحريّ بالعاقل فينا أن يوقن سلفا أن قيمة ما يخرج من لسانه أو قلمه أو موقع تواصله ليست بقدر ما يمدحه الناس على ذلك أو بقدر ما يصفقون له أو بقدر ما يبدونه من إعجاب به، بل قيمته بقدر ما يقرّبه من الله تعالى أو يبعده من الله تعالى، وبقدر ما يمنحه رضا الله تعالى أو ينزل عليه سخط الله تعالى، وبقدر ما يضاعف من حسناته أو يزيد من سيئاته، فالأصل أن يبحث الواحد منا عن مرضاة الخالق لا عن مرضاة الخلق، وفي ذلك يقول الإمام الجيلاني رحمه الله تعالى: (يا غلام لا تبحث عن مرضاة الخلق وابحث عن مرضاة الخالق، قلوب الخلق بيد الخلّاق، الخالق الخافض والرافع، والمعطي والمانع). وما هي الدنيا وزينتها وبريقها ومناصبها وكراسيها وإعلامها عند الله تعالى إلا كجناح بعوضة. فهل هو عاقل من يخوض بلسانه وقلمه وموقع تواصله مع الخائضين، ضاربا بعرض الحائط ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، وغافلا عن رب عليم رقيب يُحصي عليه كل حرف يتفوه به حيثما كان هذا المتفوه.

2- إن من أهم آداب اللسان الذي ينطبق على اللسان والقلم وموقع التواصل هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)، فخيارات الحق محددة وواضحة: إمّا أن يقول خيرا بلسانه أو قلمه أو موقع تواصله، أو ليصمت، والخير في هذه الحالة لا يكون خيرا، إلا إذا استحضر نية الإخلاص لله تعالى في قوله، سواء كان هذا القول نصيحة أو نقدا أو تحليلا أو تصويبا أو تصحيحا أو تنبيها.. الخ. ثمّ بعد أن يستجمع نية الإخلاص لله تعالى لن يكون الخير في هذه الحالة خيرا إلا إذا دار هذا القول مع ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، أو لم يكن قولا أملته النفس الأمارة بالسوء أو دفعته وساوس الشيطان أو صدّره الهوى فهو قول فاسد لا خير فيه، وقد يكون قولا فاسدا من حيث النية والمحتوى، وقد يكون قولا فاسدا لفساد النية حتى لو كان المحتوى صوابا، مما يعني أن قول اللسان أو القلم أو موقع التواصل هو من ضمن ما نتقرب به إلى الله تعالى في مسيرة حياتنا، وحتى يكون كذلك، فلا بد أن تكون نية القول صوابا ومحتوى القول صوابا، وليحذر أحدنا أن تكون النية فاسدة والمحتوى فاسدا، أو أن تكون النية صوابا والمحتوى فاسدا، أو أن تكون النية فاسدة والمحتوى صوابا، وهي أصول لا بد من ضبطها حتى لا يتحول اللسان أو القلم أو موقع التواصل إلى ثرثرة سياسية أو ثرثرة دينية أو ثرثرة إعلامية تتميز بالانفلات غير المحدود لدرجة أنها قد تخوّنُ الأمين وتؤمّن الخائن أو تكذب الصادق وتصدق الكاذب، وتصبح جماهيرنا بسببها كأن لسان حالها يقول: (إن البقر تشابه علينا).

3- إن من أهم آداب هذه المنظومة الثلاثية: اللسان والقلم وموقع التواصل أن تكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر، ولن تكون كذلك إلا إذا تمسكت بالقاعدة النورانية القائلة: (الساكت عن الحق شيطان أخرس)، وأدركت سلفا أن رفض السكوت عن الحق يعني قول الحق فقط، ولا يجوز استباحة قول الباطل بادعاء أن (الساكت عن الحق شيطان أخرس)، ولا يجوز التساهل في التكفير أو التخوين أو التجريح بادّعاء أن (الساكت عن الحق شيطان أخرس)، ولا يجوز النفخ في بوق الفتن وتوتير الأجواء وتذكية الشحناء بادّعاء أن (الساكت عن الحق شيطان أخرس). فكما أن الساكت عن الحق شيطان أخرس فإن الناطق بالباطل شيطان ناطق، وكلا الحالين مرفوض، وكلا الحالين هو هدم لا بناء فيه، وهو منكر لا معروف فيه، وهو كبوة لا استواء فيه. مما يعني أن الصمت أمانة، وأن الكلمة أمانة، ولا بد من الصمت عندما يكون أدب الحال هو الصمت حتى نحافظ على (الصمت أمانة)، ولا بد من الكلام عندما يكون أدب الحال هو الكلام حتى نحافظ على (الكلمة أمانة)، ولا يجوز الخلط في ذلك، لأن الخلط في ذلك يعني الفوضى الهدامة، ويعني تحوّل الصمت والكلام إلى تسلية للمتعة وتمضية للوقت وتنافس أجوف بصناعة الكلام ونحت الشعارات وقلب الحقائق وخداع الجماهير وتجارة الوهم وتفكيك آخر ما تبقى من أواصر بيننا.

4- كل ذلك يعني أننا إذا حافظنا لهذه المنظومة الثلاثية (اللسان والقلم وموقع التواصل) آدابها فكل ما سيخرج منها سيتحلى بالأدب وسيحمل الخير وسيفشي القول الراشد الصادق فينا في كافة تجلياته، وإلا إذا انفلتت هذه المنظومة الثلاثية (اللسان والقلم وموقع التواصل) وتعرّت عن آدابها فكل ما سيخرج منها سيكون صداعا لرؤوسنا لا طعم له ولا لون ولا رائحة، وسيحيل الألسن إلى ألسنة حداد، وسيحيل الأقلام إلى أقلام جارحة، وسيحيل موقع التواصل إلى ساحة صدام كلامي لا تأتي بخير ولن تنتج إلا التنافر والتباعد والتدابر بين أهلنا، وقد يمتد ذلك مع شديد الأسف إلى البيت الواحد والأسرة الواحدة والشارع الواحد والحارة الواحدة والبلدة الواحدة، فرفقا بأنفسنا وذرارينا ومن يليهم.

5- ها هي انتخابات الكنيست على الأبواب، وأسأل الله تعالى أن تمر عنا كالبرق الخاطف وألا تأخذ منّا ديننا ولا دنيانا، وألا تدوس على ثوابتنا وهويتنا وقيمنا، وألا تطفئ براعم الأمل التي باتت تتفتح في شبابنا الراشد وأجيالنا الصاعدة إلى المعالي بعون الله تعالى.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى