أخبار رئيسيةمقالاتومضات

لن ننساك يا أبا أحمد..

الشيخ كمال خطيب

لا يختلف عاقلان ولا ينتطح عنزان في حقيقة أننا نعيش في زمن السنوات الخدّاعات التي قال عنها النبي ﷺ: “ستَأتي على الناسِ سنونٌ خَدَّاعَةٌ يُصَدَّقُ فيها الكاذِبُ ويُكَذَّبُ فيها الصادِقُ ويؤتَمَنُ فيها الخائِنُ ويُخَوَّنُ فيها الأمينُ ويَنطِقُ فيها الرُّوَيبِضَةُ. قيل: وما الرُّوَيبِضَةُ قال: السَّفِيهُ يتكَلَّمُ في أمرِ العامَّةِ”.

وكيف لا تكون هي السنين الخدّاعة ونحن نرى انقلاب الموازين في كل شيء في الحياة السياسية والاجتماعية والأخلاقية، ونحن نرى الكم الهائل من الضخ الإعلامي عبر وسائل كثيرة لمحاولة خداع وتضليل الناس وخلق حالة من التصديق والقبول والتسليم أن فلانًا الأمين هو خائن وأن الخائن الفلاني هو عنوان الأمانة، وأن فلانًا الصادق هو كذاب وأن فلانًا الكذاب الأشر هو رمز الصدق والطهر والنقاء.

نكتب عن هذا الظرف وذكرى أليمة تمرّ علينا في هذا اليوم تحديدًا، إنها ذكرى الغدر والخيانة واللؤم والظلم التي قادت وانتهت في مثل هذا اليوم 17/6/2019 إلى وفاة الرئيس الشهيد محمد مرسي الرئيس الشرعي والمنتخب لجمهورية مصر العربية.

محمد مرسي الذي جاء انتخابه ثمرة لثورات الربيع العربي التي هبّت نسائمها على مصر بعد تونس بداية العام 2011 والتي نجح فيها الشعب المصري بالإطاحة بطاغية جثم على صدر المصريين 30 سنة هو حسني مبارك.

لم يكمل الرئيس محمد مرسي من دورته الانتخابية الرئاسية وهي أربع سنوات إلا سنة واحدة، ليتم التخطيط وخلط الأوراق وعرقلة العمل وإثارة الفتن من قبل المتنفذين من أجهزة النظام البائد ومن ساندهم وموّلهم من الخارج، السعودية والإمارات ليقوم وزير الدفاع الذي اختاره مرسي وهو الغدّار عبد الفتاح السيسي باعتقال وخطف الرئيس مرسي والانقلاب عليه يوم 3/7/2013.

ست سنوات قضاها الرئيس الشهيد محمد مرسي في سجن انفرادي معزول فيه عن الخلق وقد منعت عنه الزيارة حتى لزوجته وأبنائه إلا نادرًا، ولكن الأصعب أن يمنع من الدواء والعلاج الذي كان لا بد من استعماله الأمر الذي قاد إلى حالة موت بطيء حتمية، انتهت فعلًا بموته بنوبة قلبية يوم 17/06/2019 بينما هو يقف في قاعة المحكمة يخاطب قضاة الظلم ليسقط جثة هامدة وقد كانت آخر جملة قالها هي قول الشاعر:

بلادي وإن جارت عليّ عزيزة    وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام

 

لئام وليسوا كرامًا

لا أيها الرجل الطيب، لا يا حافظ القرآن، إن من اختطفوك وسجنوك وعزلوك، ومن انقلبوا عليك وأنت من اختارك شعبك إنهم ليسوا كرامًا وإنما هم اللئام. وكيف لا يكونون لئامًا غدّارين ليس فقط السيسي وإنما كل من سانده ووقف إلى جانبه عن يمينه ويساره ليلة الإنقلاب وما بعدها بدءًا من بابا الأقباط وشيخ الأزهر ومرورًا وانتهاء بالعسكريين والإعلاميين وغيرهم من الفنانين وحتى الرقاصين والرقاصات ومشايخ السوء.

وكيف لا يكونون لئامًا وهم الذين حرموك حبات الدواء وهو حقك في العلاج الذي تضمنته شرائع السماء وقوانين الأرض وأخلاق الرجال، ولكن أشباه الرجال أولئك وبلؤم من أنفسهم وبتحريض من مموليهم أرادوا تغييبك وقتلك لأنك حتى وإن كنت مسجونًا فإنك ستظل أيقونة وعنوانًا للشرعية وثمرة من ثمار الدماء التي سالت خلال ثورة 25 يناير.

وكيف لا يكونون لئامًا وقد حرموك المصحف الشريف ليكون أنيسك في وحدتك ووحشتك في زنزانتك، وقد حدّث محاميك أنك لما طلبت من سجانك أن يأتيك بالمصحف الشريف فقد جاءك به ولكن سريعًا وإذا بالضابط المسؤول يدخل عليك في زنزانتك ويأخذ المصحف وبوقاحة يقول أنه يريد حرمانك منه، فقلت له: “يا ابني إن هذا القرآن في صدري أحفظه غيبًا منذ ثلاثين سنة وإنما أردت فقط أن ألمسه وأقبّله”.

وكيف لا يكونون لئامًا وأنت الذي حرموك من أن تدفن وتشيّع بجنازة تليق بك، لا أقول مثل رؤساء سبقوك فأنا أعلم أنك لا تبحث عن البهرج والمظاهر التي لم تطلبها حيًا فكيف تطلبها ميتًا، ولكن الحد الأدنى من حقك فإنهم قد حرموك منه لما ألزموا أن يكون دفنك ليلًا وبحراسة أمنية مشددة، ومُنع من تشييعك أهلك وشعبك إلا زوجتك وأبناؤك ومحاميك، بينما وقد مات بعدك بسنة الرئيس المخلوع واللص الكبير حسني مبارك فأقاموا له جنازة عسكرية وشعبية وموكبًا كبيرًا. أليس هو انقلاب الموازين، أليست هي السنين الخداعة أن يكرم حسني مبارك ويهان محمد مرسي، وأن يحمل على أكتاف الضباط وعلى عربة مدفع حسني مبارك بينما يحمل مرسي على أكتاف أبنائه، وأن يعلن الحداد وتنكّس الأعلام لموت حسني مبارك الذي خلعه وأسقطه الشعب المصري بينما يدفن ليلًا وسرًا الرئيس محمد مرسي الذي اختاره وانتخبه الشعب المصري؟

 

حبيب الرسول

أليس قد قيل وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر؟ إننا نفتقدك وإننا نذكرك ولن ننساك يا سيادة الرئيس في هذه الليالي المظلمة والسنوات الخدّاعة والأحداث الجسام التي تمر بها الأمة عمومًا وشعبك الذي أحببته في مصر خصوصًا.

وكيف ننساك وشعبك وأمتك يتألمون مما يرونه من تطاول متطرفي عبّاد البقر من الهندوس على المقام الشريف لحبيبك رسول الله ﷺ ويقعون في عرضه الطاهر، ومثلهم المتطرفون من سلالة عبّاد العجل من المستوطنين الذين شتموا رسول الله ﷺ وتطاولوا على مقامه الشريف في ساحات المسجد الأقصى المبارك.

وكيف ننساك وأنت الذي خلال السنة التي كنت فيها رئيسًا شرعيًا منتخبًا فقد هبّت موجة من موجات اللؤم والحقد والسفالة طالت رسول الله ﷺ من بعض سفهاء أوروبا، فوقفت مثل الأسد الهصور على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة تدافع وتنتصر لرسول الله ﷺ، وقد قلت في أول كلمتك بعد الصلاة عليه: “رسول الله الذي نحبه ونتبعه ونحترم من يحترمه ونعادي من يمسه بسوء من قول أو عمل، صلوات ربي وتسليماته عليه الذي وصفه في قرآنه العظيم لما قال :” وإنك لعلى خلق عظيم….”. بينما نرى الجبناء اليوم كالسيسي الذي انقلب عليك وغيره من أشباه الرجال ممن لم يتجاوز موقفهم استنكارًا باهتًا أصدره أحد مساعديهم رفع عتب ليس إلا.

 

إذا كانت اللقمة من الفأس تكون الفكرة من الرأس

وكيف ننساك وشعبك في مصر وكثير من شعوب العرب والمسلمين تستعد لمجاعة حقيقية باتت على الأبواب حيث مشكلة القمح جرّاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا راحت تهدد رغيف الخبز والعيش حيث يسعى المصريون للحصول عليه مرة من الهند ومرة من غيرها ، بينما هذه الدول راحت تعلن عن وقف تصدير القمح وادّخاره لشعوبها في ظل أزمة تتفاقم وستنعكس على سكان كثير من الدول وفي مقدمتها مصر التي تستورد أكثر من 60% من حاجتها من الخارج. أرأيتم كيف أن عبّاد البقر في الهند يضعون الخطط ويصلون للاكتفاء الذاتي بل التصدير، بينما المصريون يجوعون في زمن السيسي.

وكيف ننساك أيها الرئيس المخلص وأنت تقف في موسم حصاد العام 2013، وقبل اختطافك والانقلاب عليك بأيام قليلة تقف في حقل القمح وتعلن فيه خطتك للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من القمح حتى لا يظلّ أبناء شعبك مرتهنين في رغيف خبزهم على الآخرين، خطتك التي أعلنت عنها وكانت تنص على أنه خلال أربع سنوات سيتم زيادة مساحة الأراضي المزروعة بالقمح بنسبة 10% سنويًا ليزيد الانتاج بنسبة 30% سنويًا وصولًا إلى الاكتفاء الذاتي. هذه الخطة الرائدة التي أفشلها الانقلابيون والتي تحدثت عنها وزارة الزراعة الأمريكية بتخوف من أنك ستنجح بالاستغناء عن الأجنبي وتحقيق الاستقلال والاكتفاء في كل شيء ولذلك فإنهم قد شجعوا عميلهم السيسي بالانقلاب عليك وإفشال خطتك تمامًا كما فعلت أمريكا يوم أفشلت خطة السعودية في العام 2006 حين أوشكت الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من القمح، فعملت على إفشال الخطة والاستغناء عنها باستمرار الاستيراد وكل ذلك كان عبر وكلائها وعملائها في النظام السعودي داعم الانقلاب المصري لاحقًا في العام 2013 وإفشال خطة ومشروع الرئيس الشهيد محمد مرسي.

 

لا تقتلوا أسود بلادكم فتأكلكم كلاب عدوكم

وكيف ننساك أيها الرئيس الشهيد وأنت تخاطب شعبك المصري الذي أحببته وقد بدأت تشعر برياح التآمر تزمجر حولك من كل جانب، فقلت لهم تلك الجملة المشهورة :”لا تقتلوا أسود بلادكم فتأكلكم كلاب عدوكم”. إنها تلك العبارة المستوحاة من قصة جنكيز خان قائد المغول لما اجتاح المغول مدينة بخارى في بلاد خرسان المسلمة وقد عجزوا عن اقتحامها، فكتب جنكيز خان لأهل المدينة أن من سلّم لنا سلاحه ووقف في صفنا فهو آمن، ومن رفض التسليم وأبى إلا قتالنا فلا يلومن إلا نفسه. فانشق وانقسم المسلمون من أهل بخارى إلى قسمين اثنين، القسم الأول رفضوا عرض جنكيز خان وقالوا: لو استطاعوا اقتحامنا وقتالنا لما طالبوا بالتفاوض معنا!! إذن فلنقاتلهم وإنها إحدى الحسنيين إما نصر من الله يُسَرّ به الموحدون وإما شهادة نغيظ بها العدو.

أما الصنف الثاني فجبن عن اللقاء وقال: نريد حقن الدماء ولا طاقة لنا بقتالهم، ألا ترون عدتهم وعتادهم لأن مواجهتهم هو الجنون والانتحار بعينه. فكتب جنكيز خان لمن وافق على الرضوخ والتسليم أن أعينونا على قتال من رفض منكم نولّكم وننصّبكم بعدهم حكامًا على بلدكم. فاغتر هؤلاء بكلامه رغبًا بوعده لهم بتنصيبهم حكامًا وهربًا من بطشهم، فنزلوا لأمره ودارت رحى الحرب بين الصفين المسلمين، صف دافع عن ثبات مبدئه حتى قضى نحبه، وصف جبن وباع نفسه للتتار فصاروا عبيدًا لهم. كانت النهاية مأساوية لما انتصر صف العملاء والجبناء على صف المخلصين الشرفاء لكن الصدمة كانت أن التتار قد أخذوا من هؤلاء العملاء الجبناء سلاحهم وذبحوهم ذبح النعاج بعد أن كانوا قد ذبحوا إخوانهم، عندها قال جانكيز خان جملته المشهورة: “لو كان يؤمن جانبهم لما غدروا بإخوانهم من أجلنا ونحن الغرباء”. فكانت من هذه القصة تلك العبارة التي رددها الشهيد مرسي وستظل تردد في كل زمان ما دام هناك عملاء ضعفاء يتآمرون على شعوبهم وأمتهم إرضاء للأجنبي وللعدو، فيطاردون الشرفاء الأنقياء والأسود الأبطال أو يزجون بهم في السجون ، عند ذلك ستخلو الساحة إلا من ضعفاء مهازيل ما أسهل أن تأكلهم وتفترسهم كلاب العدو وقد غاب عن الساحة الأسود.

 

اللهم اجعل السيسي يتمنى الموت فلا يجده

وكيف ننساك يا أبا أحمد يا حافظ القرآن وقصة موتك بل قتلك تذكرنا بقصة قتل أعلم الأمة بالقرآن في زمانه وأكثرهم رواية لأحاديث رسول الله ﷺ التابعي الجليل سعيد بن جبير، وقد قتله طاغية زمانه الحجاج بن يوسف. هكذا هم الطغاة دائمًا يصوّبون جامّ غضبهم وحقدهم على كل من يخالفهم الرأي. لقد كانت آخر كلمة قالها سعيد بن جبير قبل أن يقتله السيّاف ويغرق بدمه:  “اللهم لا تسلّطه على أحد يقتله بيده” ليس أن الله سبحانه فقط قد استجاب لدعاء سعيد بن جبير ،فقد قيل في الرواية أن الحجاج لم يعش بعد قتله لسعيد إلا أربعين يومًا كان فيها يتجرع الخوف والقلق ويقوم من نومه مرعوبًا خائفًا يصرخ قائلًا: “ما لي ولسعيد بن جبير ما لي ولسعيد بن جبير إنه يأتيني كل ليلة في المنام يأخذ برجلي”.

كم كانت دماء أعلم الأمة بالقرآن سعيد بن جبير لعنة على الحجاج طاغية زمانه فأنهت ظلمه وطغيانه، فأسأله سبحانه أن تكون دماء الشهيد محمد مرسي لعنة على السيسي طاغية مصر ومن دعموه وساندوه ومولوه من آل سعود وآل زايد بها ينهي الله سبحانه ملكهم ويهد عروشهم وكراسيهم.

اللهم وكما جعلت الحجاج يقوم من نومه مفزوعًا مرعوبًا فاجعل السيسي يعيش ما عاشه الحجاج بعد قتله لسعيد بن جبير ، بل اجعله اللهم يتمنى الموت فلا يجده جزاءً وفاقًا لأرواح أزهقها في ميدان رابعة وميدان النهضة وفي سجونه الظالمة كانت منها روح الرئيس الشهيد محمد مرسي.

لن ننساك يا أبا أحمد، والصالحون من أبناء الأمة ومن شعبك ومن إخوانك لن ينسوك. ويقيننا وثقتنا بعدل الله أنه سيأخذ لك حقك إن لم يكن في الدنيا فإنه سبحانه لحكمة يريدها فإنه يدّخرها له للآخرة {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ}.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

 

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه وللشهيد محمد مرسي بالمغفرة

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى