روسيا والغرب.. الصراع على النفوذ والموارد في إفريقيا
مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها القاسية على العالم كله، ظهرت على بعد آلاف الأميال جبهة أخرى للتصعيد بين موسكو والغرب في دولة مالي غربي قارة إفريقيا.
وقال المحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة رواندا إسماعيل بوكانان، إن سعي موسكو الجيوسياسي غربي إفريقيا ودعم مالي لروسيا في حربها في أوكرانيا يجسدان نجاح موسكو في المنطقة، مع إمكانية نشوب خلافات روسية جديدة مع فرنسا وحلفاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) الآخرين بالمنطقة.
وفي مايو/ أيار الماضي، امتنعت مالي و34 دولة أخرى عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال تصويت على مشروع قرار يدين التدخل العسكري الروسي المستمر في أوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط الماضي.
وأضاف بوكانان أن “باريس وغيرها من الحلفاء الأوروبيين قلقون بشكل متزايد بشأن ما يرونه تهديدا روسيًا في غربي إفريقيا”.
وفي مارس/ آذار الماضي، سَّلمت روسيا أسلحة وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز “Mi-35M” ونظام رادار جوي متقدم إلى مالي، ضمن جهودها لتوثيق علاقاتها مع زعيم المجلس العسكري عاصمي غويتا.
وما يثير قلق الغرب بشكل أكبر هو أن موسكو أرسلت إلى مالي مدربين عسكريين تقول فرنسا إنهم “عملاء” تابعين لشركة “فاغنر” الأمنية الروسية الخاصة، وهو ما تنفيه موسكو.
وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في فبراير/ شباط الماضي، عن مخاوفه من تصرفات “فاغنر” في مالي، لا سيما بشأن جرائم مزعومة ضد عرقيات مثل “الفولاني”، أكبر المجموعات العرقية في الساحل وغربي إفريقيا.
ودعا ماكرون إلى مواصلة “الضغط” على حكومة مالي، وذلك خلال استضافته في باريس رئيس السنغال ماكي سال الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي.
المصالح أولا
ووفق بوكانان فإنه كلما عززت موسكو مصالحها في غرب إفريقيا، كلما دخلت في صراع مع الغرب وتسببت في ردة فعل.
وتابع أن “مالي ستشهد مرحلة أخرى في مواجهة التحديات الجيوسياسية، فلا شك أن روسيا ستحمي بقوة مصالحها في الدولة الإفريقية”.
وأضاف أن الوجود الروسي في مالي “جزء من مساعي موسكو المتجددة لتشكيل شراكة مع القارة الإفريقية”، خاصة في وقت تحاول فيه التخفيف من تأثير العزلة الغربية عليها.
وردا على الحرب في أوكرانيا، فرضت دول وتكتلات عديدة، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، عقوبات اقتصادية ومالية ودبلوماسية على موسكو.
وفي 2021، ألقى الجيش في مالي، بقيادة نائب الرئيس عاصمي غويتا، القبض على كل من رئيس البلاد باه نداو ورئيس الوزراء مختار أواني وجردهما من سلطاتهما.
وتعهد غويتا بإجراء انتخابات في 2022، لكن أُعلن الأسبوع الماضي أن الانتقال إلى الديمقراطية “سيتأخر لمدة عامين آخرين”، حيث وقَّع رئيس البلاد المؤقت غوتا مرسوما بتمديد فتره الحكم العسكري.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، فرضت الكتلة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) عقوبات على مالي، بينها إغلاق حدودها البرية والجوية مع دول أخرى في الكتلة ردا على تأخر عملية استعادة الحكم الديمقراطي.
وقال بوكانان: “بالنظر إلى الوضع الحالي في مالي أو منطقة الساحل، يُلاحظ أن روسيا تحاول تصوير نفسها كحليف موثوق في الحرب ضد المتمردين الإرهابيين وتعزيز الشراكة الأمنية في المنطقة، بينما يتحول الاهتمام الغربي إلى مكان آخر (أوكرانيا)”.
وترى موسكو أن خطط جارتها أوكرانيا للانضمام إلى حلف “الناتو” تهدد الأمن القومي الروسي، وتطالبها بالحياد والتخلي عن هذه الخطط، وهو ما تعتبره كييف، المدعومة من الغرب، تدخلا في سيادتها.
“عميل مزدوج”
وبحسب المحلل الأمني المقيم في أوغندا، فريدي ديفيد إيجيسا فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أدرك أن الغرب فقد الاهتمام بمالي، لذلك جعل روسيا في وضع يمكنها من تعزيز مصالحها في هذه الدولة.
وأضاف إيجيسا للأناضول أن روسيا تبحث عن شركاء آخرين ليمسكوا بزمام السلطة، بعد أن أدركت أن الغرب لعب دور “عميل مزدوج” في حرب الساحل (غربي إفريقيا) ضد الجماعات المسلحة.
وتابع أن روسيا تعمل “بهدوء” على إعادة بناء العلاقات مع إفريقيا لتقوية التعاون الاقتصادي والعسكري، مما أثار مخاوف الغرب بشأن أهداف موسكو.
الانسحاب الفرنسي
ولا يقتصر نشاط موسكو على مالي، فالوجود الروسي يتوسع في مناطق أخرى غربي إفريقيا منها دول بوركينا فاسو وتشاد والنيجر.
وقادت الحرب في مالي، التي بدأت عام 2013، إلى تدخل فرنسي شمل نشر قوات فرنسية وتوقيع اتفاقيتين دفاعيتين مع حكومة مالي.
وهذا التدخل الفرنسي أثار احتجاجات في مالي، وأتاح فرصة لروسيا لتقديم نفسها “كقوة بديلة”، وفق محللين.
وأعرب بوكانان عن اعتقاده بأن “قرار فرنسا سحب قواتها من دول غرب إفريقيا بما فيها مالي (بعد تدخل عسكري استمر تسع سنوات)، ترك فراغا كبيرا بينما اغتنم الروس كل فرصة لتعزيز نفوذهم في إفريقيا”.
وعزا ماكرون، في فبراير/ شباط الماضي، قرار سحب قواته إلى أن رنسا وشركاءها الأوروبيين لا يتقاسمون مع المجموعة العسكرية الحاكمة في مالي ذات الاستراتيجية والأهداف.
ومنذ 2012، تتخبط مالي في أزمات أمنية وسياسية بدأت بتمرد مسلح قادته حركات انفصالية شمالي البلاد، وفي أغسطس/ آب 2020 ومايو/ أيار 2021 شهدت انقلابين عسكريين.
واعتبر بوكانان أن هذه الإجراءات “تعزز مكانة روسيا في المنطقة.. طالما استمرت روسيا في تقديم وتسهيل المساعدة العسكرية لمالي عبر نشر متعاقدين عسكريين من “فاغنر”، فإن موسكو ستستمر في حماية مصالحها هناك”.
ووفقا لمحللين، فإن علاقات كل من وزارة الداخلية الفرنسية وشركة الأسمنت الفرنسية “لافارج” مع تنظيم “داعش” الإرهابي زادت من تعقيد الوضع.
وقال إيجيسا إن روسيا أدركت أن الغرب أصبح ثريا من خلال وجوده في جميع الصراعات تقريبا في إفريقيا.
وختم حديثه بأن “القوى العظمى الغربية تستفيد بشكل رئيسي من الحرب، لأنها تعرض خبراتها الحربية وتبيع المعدات العسكرية مقابل موارد ثمينة مثل الذهب والماس”.