موريتانيا.. تعليق الحوار.. فما مصير التهدئة السياسية؟
ـ الرئاسة علقت جلسات التحضير للحوار مع المعارضة واعتبرت أن السياق الراهن لا يخدم الأهداف التي يسعى الحوار إلى تحقيقها
ـ الرئيس السابق للحزب الحاكم: أحزاب وشخصيات معارضة قاطعت الحوار دون مبرر واقترحت مواضيع لا تشكل تباينا بين القوى الوطنية
ـ أحزاب المعارضة الرئيسية تحمل السلطة المسؤولية الكاملة عن “انهيار الحوار والعواقب التي قد تترتب على ذلك”
ـ البرلماني المعارض بيرام الداه اعبيد: تعليق الحوار سيقوي “جناح الصقور” داخل النظام والذي كان يدفع إلى إفشال الحوار
ـ المحلل السياسي أحمد سالم ولد يب خوي: تعليق الحوار سيعيد التوتر والسجال لكن المعارضة منقسمة ولن تستطيع التأثير على المشهد السياسي
يعاني المشهد السياسي في موريتانيا من حالة ارتباك منذ أن قررت اللجنة المشرفة على الحوار قبل أيام تعليق جلسات التحضير له، وسط توقعات بعودة حالة الاستقطاب إلى البلد العربي الواقع في غرب إفريقيا.
في فبراير/ شباط 2021، طرحت الأحزاب الممثلة في البرلمان (12 حزبا من المعارضة والموالاة) وثيقة تضمنت خريطة طريق لتنظيم حوار مع الحكومة.
وتعهد رئيس البلاد محمد ولد الشيخ الغزواني، في سبتمبر/ أيلول 2021، بتنظيم حوار سياسي شامل قال حينها إنه “لن يستثني أحدا ولن يُحظر فيه أي موضوع”.
وفي أبريل/ نيسان الماضي، كلف ولد الغزواني أمين عام رئاسة الجمهورية يحيى ولد أحمد الوقف، بالإشراف على لجنة مكلفة بالتحضير لهذا الحوار، وعقدت بالفعل أولى جلساتها في 16 من الشهر نفسه.
وكان من المقرر أن يركز الحوار على ملفات منها المسار الديمقراطي والإصلاحات الدستورية والتشريعية وتعزيز دولة القانون ومعالجة إشكالية الرق ومخلفاته ومكافحة الفساد وإصلاح القضاء والإصلاح الإداري والعقاري.
مبررات التعليق
وبينما كانت الأحزاب تتحضر لانطلاق جلسات الحوار رسميا، أعلن ولد أحمد الوقف، عبر مؤتمر صحفي في 2 يونيو/ حزيران الجاري، تعليق مسار الحوار المرتقب.
وقال إن “اللجنة المشرفة على الحوار قررت تعليق جلسات التحضير للحوار في انتظار سياق آخر يخدم الأهداف التي يسعى الحوار لتحقيقها”.
وأضاف أن تعليق الحوار لا يعني إلغاءه “وإنما إعادة الكرة إلى الطيف السياسي للاتفاق على مسار شامل يشمل جميع الأطراف بدون استثناء لتظل التهدئة السياسية قائمة بين جميع الأطراف وألا يتم إقصاء أي طرف”.
ورفض تحميل أي طرف المسؤولية عن قرار التعليق الذي جاء بعد أيام من إعلان شخصيات سياسية انسحابها من الحوار المرتقب، بينهم المرشح السابق للرئاسة البرلماني المعارض بيرام الداه اعبيد.
المعارضة غاضبة
وعبّرت أحزاب المعارضة الرئيسية، في بيان مشترك، عن غضبها من قرار تعليق الحوار، ووصفته بأنه “طعنة في الظهر ولا أساس للحجج المبررة له”.
ومن بين هذه الأحزاب: “التجمع الوطني للإصلاح والتنمية” و”اتحاد قوى التقدم” و”تكتل القوى الديمقراطية” و”التحالف من أجل العدالة والديمقراطية”.
وحمَّلت هذه الأحزاب السلطات المسؤولية الكاملة عن “انهيار الحوار والعواقب التي قد تترتب على ذلك”.
وأكدت أن موريتانيا “تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تقوية اللحمة الوطنية وتعزيز الاستقرار في مواجهة التهديدات الناجمة عن المشاكل المتعددة والمرتبطة بوحدتها وتنميتها، في سياق تطبعه تحديات كبرى على المستويين الإقليمي والعالمي”.
وفي اليوم التالي لقرار تعليق الحوار، وصف البرلماني المعارض بيرام الداه اعبيد ما حدث بأنه “انتكاسة للمكاسب السياسية التي تحققت خلال الفترة الأخيرة”، محملا السلطات التنفيذية مسؤولية القرار.
واعتبر الداه اعبيد، خلال مؤتمر صحفي، أن تعليق الحوار سيقوي ما سماه “جناح الصقور في النظام والذي كان يدفع لإفشال الحوار”.
ودعا من سماهم “عقلاء النظام” إلى تنظيم مبادرة عاجلة لعلاج الأعطاب التي لحقت بجو التهدئة السياسية.
متطلبات المرحلة
في المقابل، اعتبر حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم أن قرار تعليق الحوار “يلبي متطلبات المرحلة السياسية والوطنية”.
وأعرب الحزب، عبر بيان في 5 يونيو الجاري، عن استعداده “لمواصلة المسار، ولكن على أسس أكثر شفافية ومصداقية”.
وعبَّر عن أمله أن “يواصل الطيف السياسي الوطني لقاءاته ونقاشاته من أجل أن تتواصل العملية في جو أكثر ثقة وضمانا لاستمرار التشاور”.
فيما اعتبر الرئيس السابق للحزب سيدي محمد ولد محم، أن المعارضة هي التي تتحمل مسؤولية وقف الحوار “نظرا لمقاطعة العديد من أحزابها وشخصياتها للحوار دون مبرر معلن ومقبول وباقتراحهم لمواضيع لا تشكل تباينا بين القوى الوطنية في عهد التهدئة والتلاقي بغية إحداث هذا التباين وخلقه”.
وأضاف ولد محم، عبر فيسبوك، أن أداء الطيف المعارض في تعاطيه مع الموالاة خطابا وممارسة “كان يشكل نكوصا وتراجعا نحو فترات الاصطفاف الحاد في استخدامهم للعنف اللفظي وتجاوزهم لأبسط قواعد العمل الديمقراطي”.
وتابع: “كنا نشعر وكأننا نخرج من التهدئة باتجاه المجهول، في وقت كان يفترض فيه أن يكون هذا التشاور تعزيزا للتهدئة لا خروجا عليها”.
تداعيات محتملة
ووفق المحلل السياسي أحمد سالم ولد يب خوي، فإن “تعليق الحوار سيتسبب في توتير الأوضاع السياسية وعودة السجال بين القوى السياسية”.
وتوقع ولد يب خوي أن “تشهد الأيام والأسابيع القادمة إصدار بيانات وتصريحات شديدة اللهجة من أحزاب المعارضة تجاه النظام وسياسته الاقتصادية، وهو ما قد يزعج الممسكين بزمام السلطة بشكل أو بآخر”.
واعتبر أن “تعليق الحوار يعني نهاية أجواء التهدئة السياسية القائمة منذ أن تسلم الرئيس ولد الشيخ الغزواني الحكم مطلع أغسطس/ آب 2019، في أول تداول سلمي للسلطة في بلد عاش انقلابات عسكرية بين 1978 و2008”.
لكن ولد يب خوي استبعد أن يكون للحراك المتوقع للقوى المعارضة أي تأثير على المشهد السياسي في البلد، “نظرا لأن أحزاب المعارضة غير منسجمة وتعاني التشرذم والانقسام”، وفق تقديره.
وختم بأن “التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (أكبر أحزاب المعارضة) سيكون مشغولا خلال الأسابيع القادمة بالتحضير لمؤتمره العام، فيما تعاني بقية أحزاب المعارضة من أزمات داخلية تجعلها غير قادرة على التصعيد ضد النظام، وستظل ردود فعلها على القرار مجرد تصريحات لا أكثر”.