هل يستجيب حلفاء تركيا بـ”الناتو” لمطالبها الأمنية؟
أعربت تركيا عن مخاوفها الأمنية، في الوقت الذي يسعى فيه حلف الشمال الأطلسي “الناتو” للتوسع، وأثارت ملفات عدة أمام دول الناتو، ووضعت “الفيتو” أمام انضمام السويد وفنلندا للحلف، في الوقت الذي تواصل فيه روسيا غزوها لأوكرانيا.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أكد في وقت سابق، أن “سياسة توسيع” حلف الناتو لن تعود بالنفع على تركيا والحلف “ما لم يتم مراعاة الحساسيات الأمنية”.
أردوغان يشهر ثلاث بطاقات
وأشهرت تركيا ثلاث بطاقات في سياستها الخارجية، وكانت عبارة عن رسائل لحلف الشمال الأطلسي والدولة الأولى في الحلف وهي الولايات المتحدة.
وذكرت مجلة “كريتر” التركية في تقريرها الشهري، أن المخرجات الثلاثة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمنية، جذبت انتباه الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي.
أولا، أوضح أن تركيا لا تنظر بحرارة تجاه انضمام السويد وفنلدا إلى الحلف لأنهما لم يستوفيا الشروط اللازمة في مكافحة الإرهاب، واستخدم “الفيتو” ضد الطلبات المقدمة من البلدين لبدء مفاوضات الانضمام.
ثانيا، ذكر أردوغان أن “ميتسوتاكيس (رئيس وزراء اليونان)، لم يعد موجودا” بالنسبة له بسبب تصريحاته في الكونغرس الأمريكي ضد تركيا.
وثالثا، قال أردوغان؛ إن قوات بلاده ستشرع قريبا في استكمال إنشاء المناطق الآمنة، على الحدود المشتركة مع سوريا بعمق 30 كيلومترا، وأن العمليات ستبدأ بمجرد انتهاء تحضيرات الجيش والاستخبارات والأمن.
وأوضحت المجلة أن تركيا تدعم تلبية المصالح الأمنية للأعضاء في حلف شمال الأطلسي، وسياسة الباب المفتوح وتعزيز التضامن، لكنها في الوقت ذاته تشعر بالقلق تجاه سياسة “التمييز” التي يقوم بها بعض أعضاء الناتو، لاسيما الولايات المتحدة تجاه “المنظمات الإرهابية” من تنظيم الدولة، وحزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب الكردية، و”غولن”، مشددة على أن جميعها “منظمات إرهابية يجب محاربتها معا”.
وأضافت أن أنقرة التي تؤيد حل النزاعات داخل التحالف من خلال المفاوضات، تخاطر أيضا بالتوتر إذا لزم الأمر على عكس فترات سابقة، ولكنه في الوقت ذاته فإن الخرو أو الطرد من الناتو ليس خيارا مطروحا.
قوة الجناح الجنوبي الشرقي للناتو لا يكمن بدعم مطالب اليونان
وستكون تركيا قادرة على تحقيق مصالحها بشكل أفضل في مواجهة اليونان وقبرص الجنوبية من خلال صراعها داخل الحلف. وعلى الرغم من حركة التطبيع التي نفذها رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس مع أردوغان، إلا أنه استهدف تركيا بشكل عدائي في واشنطن.
كما أن مطالب أنقرة بوضع حد لتسليح جزر بحر إيجة، وأن سيادة الجزر ستكون مفتوحة للنقاش، تتماشى مع اتفاقيات لوزان وباريس للسلام.
وترى تركيا أن السبيل للحفاظ على قوة الجناح الجنوبي الشرقي لحلف الناتو، لا يكمن في دعم مصالح اليونان المتطرفة، كما أنها لن تسمح لأثينا بتكرار إفسادها للعلاقات داخل الناتو ومع الولايات المتحدة.
هل تعترض تركيا على توسع الناتو؟
أما بالنسبة لعضوية السويد وفنلندا، فقد أعلن أردوغان أن موقف أنقرة لن يتغير ما لم تقطع هاتان الدولتان دعمهما لحزب العمال الكردستاني و”غولن”، وترفعا حظر الأسلحة المفروض على تركيا. والقادة الغربيون، الذين يعتقدون أن حقبة جديدة قد بدأت مع الغزو الروسي لأوكرانيا، وأنه من الضروري تعزيز الناتو، تحركوا تجاه أنقرة للضغط عليها لرفع “الفيتو”، وعلى ما يبدو أن عددا كبيرا من الزيارات واللقاءات والبيانات تنتظر تركيا حتى قمة مدريد، التي ستعقد في 30 حزيران/ يونيو.
ويعرب المسؤولون الغربيون في اتصالاتهم مع أنقرة أنهم يتفهموم مخاوف تركيا الأمنية، ولكنهم يؤكدون في الوقت ذاته ضرورة قبول عضوية السويد وفنلندا بشكل سريع، وأنه لا يمكن تلبية مطالب أنقرة على الفور. ومع ذلك، فإن المسؤولون الأتراك الذين يدركون جيدا أن الوعود التي قطعت سابقا لم يتم الوفاء بها، يؤكدون أن العاصمتين اللتين يجب الضغط عليهما هما ستوكهولم وهلسنكي.
ولا تعترض تركيا على سياسة التوسع لحلف الناتو وانضمام السويد وفنلندا، ولكنها تصر على ضرورة أن يمتثل حلفاؤها للمخاوف الأمنية التي انتهكوها مرات عدة. وبينما يحاول الدبلوماسيون الغربيون ممارسة ضغوط دبلوماسية لإقناع أنقرة، تعمل وسائل الإعلام الغربية على تشديد نبرة انتقاداتها، وتعمل على تداول “أردوغان يخرج عن مساره”، “ابتزاز الناتو”، “موقف أردوغان العدواني تجاه الغرب”، “تركيا تفسد اللحظة التاريخية”، “المجر وتركيا تساعدان بوتين”. وهناك من ذهب أبعد من ذلك ويردد “تركيا لا تلتزم بقيم الناتو وليس لها مكان هنا”.
ما مطالب أنقرة؟
إذا كانت الجغرافيا السياسية الجديدة التي أوجدها الغزو الروسي لأوكرانيا تتطلب عضوية فنلندا والسويد بسرعة، فيجب على الأعضاء البارزين في الناتو إقناع هاتين العاصمتين بتلبية المطالب المشروعة لتركيا.
ويقول بعض المعلقين الغربيين؛ إن أردوغان قام بهذا الموقف لأسباب تتعلق بالسياسة الداخلية (انتخابات 2023)، وهم لا يفهمون أنه إذا لم يظهر هذا الموقف، فإن انتقادا جديدا لأردوغان سيبدأ في الرأي العام التركي.
وترى أنقرة أنه يجب إظهار تضامن الحلفاء في مجال مكافحة أنواع الإرهاب كافة، وتريد من الأعضاء عدم فرض حظر بعضهم على بعض، وتعتبر أنقرة الأزمة الأوكرانية والعملية التي أثارتها فرصة للتحالف ليصبح أقوى، وستكون معالجة المخاوف الأمنية لتركيا مؤشرا على التضامن داخل الحلف، وينبغي أيضا أن يتبع رفع بريطانيا للحظر المفروض على تركيا في مجال صناعة الدفاع من قبل أعضاء آخرين.
وأضافت المجلة أن مخاوف أنقرة لا تهدف إلى إضعاف تضامن الناتو، وموقفها ليس له علاقة بالموقف الروسي تجاه توسع الناتو، وما تسعى إليه أن تكون هناك سياسة دفاعية أكثر اتساقا وتضامنا بين أعضاء الحلف.
كما أن إجراء عمليات جديدة ضد منظمة العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية في سوريا والعراق، يرتبط ارتباطا وثيقا بالتضامن الأمني، ويجب على روسيا والولايات المتحدة الإيفاء بوعودهما تجاه المنظمة الكردية، وإبعادها عن الحدود التركية حتى عمق 30 كم.
وروسيا التي سحبت “فاغنر” وجنودها من سوريا بسبب الحرب على أوكرانيا، يخلق فراغا أمنيا في الشمال السوري، ويمكن للمليشيات الإيرانية سد هذه الفجوة.
وتشير المجلة إلى أن الفاعل الذي قد يبدد مخاوف واشنطن من عودة تنظيم الدولة، ليس وحدة حماية الشعب الكردية، بل حليفتها في الناتو تركيا. كما أن إخلال الولايلات المتحدة للتوازنات بين تركيا واليونان يعد خطأ يجب تعويضه