تصريحات إيجابية.. ما فرص تطوّر المحادثات بين طهران والرياض؟
قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان؛ إنه تم التوصل إلى عقد لقاءات جديدة مع السعودية، في دولة ثالثة لم يحددها.
وأوضح عبد اللهيان خلال مشاركته في جلسات المنتدى الاقتصادي العالمي بمدينة دافوس السويسرية، أنه “لطالما تركنا الباب مفتوحا للرياض لتستخدمه كلما أرادت استعادة العلاقات الطبيعية، ولم تقطع طهران العلاقات الدبلوماسية تماما مع الرياض”.
في حين قال نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان في المؤتمر ذاته؛ إن بلاده حققت بعض التقدم في المحادثات مع إيران لاستعادة العلاقات الثنائية، معتبرا أن ذلك “ليس كافيا”.
وأضاف الوزير السعودي خلال مشاركته في منتدى دافوس، أن “على إيران أن تبني الثقة من أجل التعاون المستقبلي”.
تقارب محتمل
وجاءت هذه التصريحات والرسائل الإيجابية من قبل الجانبين، بعد عدة جولات من المباحثات بينهما في العراق وسلطنة عُمان، ما يدفع للتساؤل حول ما إذا كان هناك مزيد من التقدم في الحوار.
يشير الكاتب والمحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، إلى أن المملكة وإيران أمضيا أكثر من عام على عقد مشاوراتهما الخمس على المستوى الأمني في بغداد بوساطة عراقية، مما يوحي بأن الدولتين بالفعل تسيران للأمام، لكن ببطء شديد جراء انعدام الثقة بينهما”.
وتابع آل عاتي، “لكن منجزات الجولة الخامسة من هذه المشاورات المتمثل في توصلهما لوثيقة من عشر نقاط، أعطت انطباعا بتوقع حدوث انفراجة حقيقية، تؤهل لقرب عقد لقاء يجمع وزيري خارجية البلدين في بغداد أو مسقط”.
وأشار إلى أن “هذا اللقاء الوزاري، قد يقود إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية المقطوعة منذ عام 2016، كذلك التصريحات الصادرة من كلا الجانبين توحي برضا متبادل بهذه المشاورات، ومن ثم أهلت لترقب انعقاد جولة محادثات جديدة، لكن هذه المرة مشاورات دبلوماسية تؤهل إلى حدوث لقاء على مستوى وزيري الخارجية”.
وأوضح أنه “يتضح من تصريحات وزيري الخارجية أن هناك تمسكا باستمرار هذه المشاورات، لكن العائق الوحيد هو انعدام الثقة في التطبيق الموضوعي لأي نتائج قد يتم الاتفاق عليها”.
وأعرب عن اعتقاده بأن “الرياض وطهران تحتاجان لمزيد من الوقت والاستمرار في التشاور الجاد، كما أنهما تحتاجان إلى وسيط دولي ضامن، يمكنه أن يؤثر إيجابا في تنفيذ النتائج على الواقع”.
وخلص بالقول: “هناك مؤشرات متزايدة على قرب لقاء وزيري خارجية البلدين، الأمر الذي يعني قرب عودة التقارب الدبلوماسي خصوصا ونحن على مقربة من موسم الحج الذي قد يشهد حالة توافق بينهما”.
“معضلة إيرانية”
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي عماد الجبوري، أن إيران تشكل معضلة حقيقية في تقدم المحادثات مع الجانب السعودي.
وأضاف، “إيران لديها مشروعها الذي توافقت عليه مع السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، وكذلك عبر غض النظر من قبل الجانب الصهيوني في المنطقة”.
وأضاف: “بالمقابل، الجانب العربي والسعودي يريد ويتطلع فعلا لاستقرار المنطقة، وهذا التطلع يشمل النواحي الاقتصادية والتجارية، من ثم الإشكال في الجانب الإيراني ومن ورائها الإدارة الإمريكية، وليس لدى الجانب العربي”.
وأكد أنه “بعد جولات المباحثات التي جرت بين الجانبين، تكمن المعضلة الرئيسية بأن السعودية لا تريد أن تكون هذه المباحثات ونتائجها ثنائية فقط، بمعنى لا تريدها بين المملكة وإيران فقط، بل هي تريد حل جميع الإشكالات بين طهران وجميع دول المنطقة كحزمة واحدة”.
وتابع: “بالمقابل، إيران لا تريد الدخول في تشعبات كهذه في جلسة واحدة، وإنما تريد أن تأخذ كل ملف على حدة، ما يوحي أن اللقاء هو لأجل اللقاء بحد ذاته والتحرك نحو إذابة الجليد”.
وأشار إلى أن “أي باحث أو أي مراقب متابع للشأن العربي الإيراني، يعلم أن طهران لن تتراجع عن مشروعها وما حققته في البلدان العربية الأربعة، هي فقط مستعدة لأن تجمد مشروعها لفترة، ولكن لن تتراجع، أو بمعنى أدق لن تلغي هذا المشروع”.
محادثات إيجابية
من ناحيته، عبر الكاتب والمحلل السياسي طلال عتريسي، عن “اعتقاده بأن العلاقات بين البلدين تسير في اتجاه إيجابي، على الرغم من أن المحادثات بطيئة والاجتماعات متباعدة نسبيا، ولكن هذا يعود إلى وجود إرث من القطيعة والتوتر وعدم الثقة المتبادلة”.
وأوضح أن “هناك معادلات جديدة في المنطقة تفرض نفسها على الجانبين، ما يعني التقدم في المحادثات”.
وشرح عتريسي هذه المعادلات خلال حديثه لـ”عربي21“، قائلا: “من جهة، إيران هي دائما تكرر أنها مستعدة لعلاقات إيجابية مع دول الجوار، فكل الأطراف السياسية التي حكمت في إيران سواء في رئاسة الجمهورية أو وزارة الخارجية، تؤكد أولوية العلاقة مع دول الجوار وأمن خليجي مشترك، بعيدا عن التدخل الخارجي”.
وأشار إلى أن “إيران لديها علاقات إيجابية وقوية مع معظم دول الخليج، ربما باستثناء السعودية والبحرين، ومن ثم يمكن أن يعني ذلك أنه ليس لديها مانع أن تتطور هذه العلاقات”.
وأضاف: “على الجهة الأخرى، السعودية اليوم تراقب ما يجري في العالم، ويبدو أن ثقتها بالولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تضغط عليها لعدم عودة علاقاتها بشكل طبيعي مع طهران في السنوات السابقة، قد تبددت، كذلك رهانات السعودية على أن أمريكا يمكن أن تغير الوضع في إيران أو تحاصرها وتعزلها، هذا كله لم يعد واردا”.
وتابع: “من ثم، السعودية تفكر كذلك بأن أمريكا لا تحمي أصدقاءها ولا تحمي حلفاءها كما حصل في أفغانستان، ومن ثم هذه المتغيرات ربما تجعل المملكة تفكر بأن علاقات إيجابية مع إيران في المنطقة، يمكن أن توفر الأمن والاستقرار أكثر من الحماية الأمريكية، خصوصا أن العالم اليوم غير معروف إلى أين يتجه”.
لافتا إلى أنه “يظن لهذه الأسباب مجتمعة أن الأمور تسير في الاتجاه المطلوب، خاصة أن التصريحات السعودية إيجابية سواء تلك التي صدرت قبل مدة من قبل ولي العهد محمد بن سلمان، وقال فيها إن إيران جارة لا بد من التعامل والتعايش معها، أو تصريحات وزير الخارجية ابن فرحان، الذي قال فيها إن الأمور إيجابية ونريد تطوير العلاقات”.
تزامن مع مفاوضات فيينا
وبالتزامن مع هذه المحادثات، أجرت طهران محادثات مع دول5+1 لإعادة تفعيل الاتفاق النووي، وإعادة تفعيل خطة العمل الشاملة المشتركة” JCPOA”، والمعروفة أيضا باسم “صفقة إيران النووية”.
وحول دلالة هذا التزامن، قال كبير مستشاري شركة تحليلات دول الخليج في واشنطن ثيودور كاراسيك؛ إن جميع الأطراف تسعى حاليا إلى التهدئة.
وتابع، “كالعادة في الخليج، هناك توترات بدرجات سخونة متفاوتة، ولكن بناء على نتيجة عملية خطة العمل الشاملة المشتركة، يتجه الجميع في المنطقة إما إلى تهدئة الأمور لمزيد من التعاون المحتمل أو إشعال المزيد من التوترات”.
وأضاف: “من الواضح أن هناك نوايا للحفاظ على العلاقات سلسة، ليس فقط لمواصلة التعافي من المشاكل الاقتصادية على الأقل في حالة إيران، ولكن أيضا لمواصلة العمليات الجارية في اليمن، حتى لا يستأنف الحوثيون ضرباتهم الصاروخية والطائرات بدون طيار”.
وأضاف: “لنكن واضحين، ستكون هناك مشكلات، لكن في الوقت الحالي تبدو جميع الخطوات إيجابية نسبيا في بيئة عالمية أخرى محفوفة بالمخاطر، أهمها نقص الغذاء.
قناعة سعودية
بدوره قال الرئيس التنفيذي لشركة تحليلات دول الخليج في واشنطن جورجيو كافيرو؛ إنه “مع تراجع ثقة السعوديين في التزام أمريكا بأمن الخليج، وفي ذات الوقت لا يبدو أن هناك قوة بديلة واحدة على وشك أن تحل محل الولايات المتحدة في هذا الدور، أصبحت الرياض مقتنعة بأن إشراك إيران بشكل دبلوماسي أكثر، يخدم مصالح المملكة بشكل أفضل”.
وعبر كافيرو عن اعتقاده خلال حديثه لـ”عربي21“، أن “الوضع في اليمن سيكون حرجا لمستقبل العلاقات السعودية الإيرانية، كذلك حقيقة أن الهدنة في اليمن صامدة على الرغم من كونها هشة للغاية، يبشر بإيجابية للدبلوماسية بين الرياض وطهران”.
وأشار إلى أن “استئناف هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات بدون طيار ضد السعودية، من شأنه أن يقوض رؤية 2030 التي تعتبر مهمة للغاية لمحمد بن سلمان ولسكان السعودية”.
لافتا إلى أنه “في حال فشلت المحادثات النووية في فيينا في إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، يمكن لإيران أن تستخدم اليمن كساحة لخلق المزيد من المشاكل لأعدائها، والسعودية لا تريد أن تستخدم طهران اليمن للإضرار بأمن المملكة”.
وأضاف: “وفي ذات الوقت تريد إدارة رئيسي حقا أن ترى إيران تحسن علاقاتها مع جيرانها، ومن ضمنهم السعودية، بغض النظر عن المصير المجهول لخطة العمل الشاملة المشتركة”.
وأكد أنه “إذا تمكنت إيران من استخدام نفوذها على الحوثيين للضغط على المتمردين لتمديد الهدنة وعدم مهاجمة المملكة العربية السعودية، فإن ذلك من شأنه أن يعطي الرياض سببا لاعتبار الدبلوماسية تجاه إيران تؤتي ثمارها”.
واستدرك بالقول: “مع ذلك، الحوثيون ليسوا وكلاء إيرانيين، فهم لهم إدارتهم الخاصة، لذلك ليس من الواضح ما إذا كانت طهران في وضع يمكنها من ضمان عدم مهاجمة المملكة العربية السعودية في أي وقت في المستقبل”.
تأثير انتقال السلطة المحتمل في الرياض
كانت وكالة رويترز نقلت الأسبوع الماضي عن مصدر سعودي قوله؛ إن انتقال السلطة في المملكة بات قريبا، في تعليق على وجود الأمير عبد العزيز بن أحمد ضمن وفد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي زار الإمارات، لتقديم واجب العزاء.
مما يثير التساؤل عن تأثير انتقال الحكم لولي العهد السعودي على تقدم المباحثات بين طهران والرياض، وحول إذا ما كان الأمير الشاب يسعى لتسلم العرش والرياض لديها صفر مشاكل مع دول الجوار والإقليم”.
يرد المحلل السياسي عماد الجبوري على هذا التساؤل بالقول: “كما هو معروف ومتبع في أعراف الأسر الحاكمة في الخليج، ووفقا لسلوكياتها وشأنها الداخلي، لا يوجد إشكالات حول نقل السلطة، وبلا أدنى شك القيادة الشابة تتطلع إلى إنهاء أي مشكلات مع دول الجوار وبالذات مع إيران، بالضبط كما أنهى الإشكالات مع تركيا”.
بالمقابل، يرى ثيودور كاراسيك، أنه “ليس بالضرورة أن ابن سلمان يسعى لتسوية خلافاته مع الدول الأخرى قبل تسلم السلطة، خاصة أن هناك عوامل أخرى تتعلق ببيئة الأمن الإقليمي، لكن من المحتمل جدا أن يضع محمد بن سلمان طابعه الخاص على عرشه عندما يحين ذلك الوقت، ومع نمو التحام حول الشركاء الأمنيين العرب، فإن هذا الأمر يتعلق بالمستقبل القريب والمتوسط”.