ما بعد رمضان..
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
ها قد مرّت أيام قليلة على رحيل شهر رمضان المبارك بأيامه ولياليه المليئة بكل الخير والطاعات، فتقبل الله طاعاتكم وجعلها في ميزان حسناتكم ورصيدًا في رفع درجاتكم، حيث أن رمضان المبارك يُعتبر كدورة استكمال سنوية يرتفع من خلالها الناجحون في اجتياز هذه الدورة، كالموظف على سبيل المثال لا الحصر، إذا دخل دورة استكمالية تختص بعمله حاز على ترقية في وظيفته أو زيادة في معاشه، وكلّما اجتاز الموظف دورات استكمالية أكثر، كلّما زادت درجاته ومستوياته مما يؤهله للرقي والترفع والوصول إلى أعلى الدرجات والمناصب.
وهذا تمامًا ما يحصل لنا في كل عام حيث ندخل دورة رمضانية جديدة ترفع من مستوياتنا الإيمانية وتقوّي من قدراتنا على الطاعة، فنخرج من هذه الدورة مغفوري الذنب عتقاء من النار، هذا فضلًا عن زيادة أعمارنا التعبدية من خلال هذا الشهر المبارك، فليلة القدر تضيف إلى أعمارنا التعبدية أكثر من أربعة وثمانين عامًا، هذا فضلًا عن باقي الأيام والليالي التي يتضاعف فيها الأجر في رمضان.
ولكن للأسف الشديد، فإن هناك من يخرج من هذه الدورة صفر اليدين أو كما يقال: (كالمرأة التي نقضت غزلها) ونقصد بذلك كالمرأة التي استمرت شهرًا كاملًا في غزل ملبسها وما أن شارفت على الانتهاء منه حتى نقضته! وهذا تمامًا ما يحصل مع بعضنا في نهاية الشهر الفضيل، حيث ينقض بعضنا كل ما تدرَّبنا عليه وواظبنا عليه من طاعات في آخر يوم من أيام رمضان أو بعد انتهاء رمضان بأيام قليلة فتعود “ريما لعادتها القديمة” من ترك للصلاة، أو اللهو مع غير المحارم على مواقع التواصل، أو الوقوع في مشاكل أسرية وغيرها من المحرمات.
وبذلك نكون قد وقعنا في شِباك الشيطان الذي خرج من أصفاده التي صُفّد بها طيلة الشهر المبارك- مغتاظًا لأنه يريدنا أن نكون معه في جهنم وهذا هدفه الأول- فنكون صيدًا سهلًا، لأننا تراخينا في تأدية الطاعات التي داومنا عليها في أيام رمضان، وهكذا نصبح كمن يدور في دائرة مفرغة ونبقى في نفس المستوى الأول، حتى لو دخلنا عشرات الدورات الرمضانية! وبذلك نُضيّع على أنفسنا في كل مرة فرصة جديدة للتغيير الحقيقي، ونضيّع على أنفسنا فرصة في كسب المزيد من المهارات التي اعتدنا القيام بها خلال أيام الشهر الفضيل، وأهم وأعظم هذه المهارات التي سرعان ما نضيّعها بعد رمضان مباشرة، الموازنة بين غذاء البدن وغذاء الروح الذي لزمناه في رمضان.
ولكن مع انتهائه فورًا نعود للتركيز على غذاء البدن ونترك التركيز على غذاء الروح، مثل قراءة القرآن، والمسامحة والصبر. وحتى لا نقع في هذا الفخ الشيطاني كل عام، علينا الثبات على الطاعة التي داومنا عليها في رمضان، وذلك من خلال: المحافظة على الصلوات الخمس جماعة، والمداومة على قراءة القرآن الكريم ولو صفحة منه يوميًا، فالقرآن أنزل لنتلوه طيلة أيام السنة وليس مقتصرًا في رمضان، وذكر الله من خلال المحافظة على أذكار الصباح والمساء، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واستثمار أوقات الفراغ بذكر الله، واختيار الصحبة الصالحة التي تعيننا على الطاعة فالمرء على دين خليله، والدعاء والإكثار منه فالدعاء مخ العبادة، فلنخصص ولو الوقت اليسير كل يوم أو بعد كل صلاة للدعاء والتوسل لله تعالى أن يثبتنا على طاعته.
وهكذا فالأعمال الصالحة في كل وقت وفي كل زمان، فلنحرص على إتيانها فلا نعلم متى يأتينا ملك الموت والذي قد يأتينا على حين غفلة ونحن على معصية- والعياذ بالله-، فإذا كان الإيمان يزيد وينقص كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، فمسؤوليتنا أن نجتهد في المداومة على الطاعات ولو أيسرها وأقلها، امتثالًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين سُئل أي الأعمال أحب إلى الله؟! قال: أدومها وإن قل. نسأل الله العلي العظيم أن يشرح صدورنا للإيمان ويرزقنا حسن عبادته وطاعته ما حيينا.