لماذا يعزف فلاحو مصر عن توريد القمح للحكومة رغم العقوبات؟
في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة المصرية لجمع أكبر محصول قمح من الفلاحين في تاريخ البلاد؛ بسبب أزمة ارتفاع سعره عالميا وتراجع الإمدادات على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا، فقد انخفضت كميات القمح المحلي الموردة إلى وزارة التموين بعد مرور شهر على بدء موسم التوريد بنحو 77 بالمئة مقارنة بالمدة ذاتها خلال العام الماضي.
وأفاد مستند صادر عن الهيئة العامة لسلامة الغذاء، أن وزارة التموين جمعت ما يقرب من 248 ألف و351 طن قمح محلي، منذ مطلع نيسان/ أبريل الماضي، وحتى أول أيار/ مايو الجاري فيما كانت الكمية الموردة خلال المدة ذاتها من العام الماضي هي مليون و81 ألفًا و510 أطنان، وفقا لـ”مدى مصر”.
وللمرة الأولى، يسمح قطاع الاستلام والتخزين بالشركة المصرية القابضة للصوامع والتخزين، مد موعد استقبال القمح المحلي بنقاط التجميع بالمحافظات حتى منتصف الليل، إذ كان أقصى موعد لاستقبال الجمع مع غروب الشمس في محاولة لحث ودفع الفلاحين لتوريد القمح للحكومة إثر مخاوف من امتناعهم عن تسليمه، في ظل ارتفاع أسعار القمح العالمي مقارنة بالسعر الذي حددته الحكومة لشراء القمح المحلي.
وألزمت الحكومة المزارعين بتسليم 60 بالمئة من محصول القمح للموسم الحالي إلى الدولة وحظر بيع الكميات التي تزيد على الحد الأدنى إلا بتصريح من وزارة التموين، وأصدرت قرارا يتضمن عقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن الـ300 جنيه ولا تتجاوز الألف جنيه على كل مخالفة ترتبط بسلعة من السلع التي تدعمها الدولة ويحددها وزير التموين.
وكان مجلس وزراء سلطات الانقلاب وافق على صرف حافز استثنائي للتوريد والنقل، بقيمة 65 جنيها، ليضاف إلى أسعار التوريد المحددة سلفاً، وبذلك تصبح إجمالي أسعار التوريد، شاملة الحافز الاستثنائي، 885 جنيه للأردب زنة 150 كغم.
وتشتري الحكومة طن القمح المحلي (الأعلى جودة) بخمسة آلاف و800 جنيه، أي نحو 313 دولارا، وهو سعر يقل كثيرا عن السعر الذي تشتري به الحكومة القمح الروسي والأوكراني والبالغ نحو 500 دولار للطن، أي نحو تسعة آلاف و250 جنيها.
عزوف عن التوريد
وبشأن دلالات تراجع حجم توريد القمح من المزارعين للحكومة في شهر نيسان/ أبريل، اعتبر مستشار وزير التموين والتجارة الداخلية سابقا، إسماعيل تركي، أنها “رسالة للحكومة برفضهم التوريد بسعر بخس، ومؤشر على عزوف الفلاحين عن توريد القمح إلى الحكومة لكن هذا المؤشر رغم أهميته فإنه غير كاف”.
وأوضح في تصريحات صحفية أن “أغلب الفلاحين لا سيما في الوجه البحري لم يحصدوا المحصول خلال شهر أبريل بسبب شهر رمضان وكذلك برودة الجو هذا العام التي أخرت نضج المحصول والشهر الفارق الحقيقي في التوريد هو شهر مايو الجاري”.
ولكنه استدرك: “على العموم فإن التوريد هذا العام سيكون أقل من الأعوام الماضية، ولن تحقق الحكومة المستهدف من التوريد هذا العام أيا كانت الإجراءات التي ستتخذها”، مشيرا إلى أن “طريقة تعامل الدولة مع الأزمة منذ بدايتها تقوم على الكذب والخداع والإجبار واستخدام القبضة الأمنية فلا أتوقع زيادة السعر الفلاح وإن رفعت الأسعار فسيكون بعد فوات الاوان”.
وتعتزم الحكومة المصرية مضاعفة شراء كميات القمح من الفلاح ورفعها من 3.5 مليون طن إلى 6 ملايين؛ لتأمين احتياجاتها الضخمة من القمح، وتبلغ المساحة المُنزرعة بمحصول القمح في العام الحالي نحو 3.6 مليون فدان، تنتج قرابة الـ10 ملايين طن.
وتستورد مصر نحو 13 مليون طن سنويا، بينما يبلغ الاستهلاك المحلي، قرابة 22 مليون طن سنويا، وتحصل على 80 بالمئة من احتياجاتها الخارجية من روسيا (50%) وأوكرانيا (30%)، وهما يمثلان معا نحو ثلث إمدادات القمح في العالم.
إعادة تقييم سعر القمح
بدوره، قال الصحفي المتخصص في الشأن الزراعي المصري، جلال جادو، إن “انخفاض توريد القمح من الفلاحين المصريين للحكومة كان متوقعا جدا. المزارعون يتابعون ويسمعون الأسعار في العالم ومن ثم ليس من السهل خداعهم فهم يعلمون الأزمة التي يعيش فيها العالم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وأنها أشعلت النار في أسعار السلع الغذائية وعلى رأسها القمح، لذا فإن على الحكومة إعادة تقييم سعر القمح مجددا حتى يذهب لها المزارعون طوعا لا كراهية”.
وأضاف في تصريحات صحفية: “نعلم جميعا أن مصر تستورد سنويا قمحا من الخارج بقيمة تزيد على الأربعة مليارات دولار، أي حوالي 80 مليار جنيه، سنويا، وهو ما يمثل دعما نقديا مباشرا للفلاح الروسي أو الأوكراني أو الروماني وغيره من البلاد التى نستورد منها ثم تأتي وتفرض سعرا إجباريا على الفلاح أقل بكثير مما تشتري به من الخارج، في حين هي لا توفر دعما حقيقيا للفلاح المصري”.
أما القمح المستورد من الخارج بالعملة الصعبة، بحسب جادو، فهو أقل جودة من القمح المصري وبلغ سعره وفق آخر سعر اشترت به هيئة السلع التموينية 495 دولارا للطن بتكاليف الشحن ولو أضفنا تكلفة النقل للصوامع يصبح سعر الطن 9200 جنيه وهذا يعني أن سعر الأردب المستورد 1380 جنيها تقريبا مقابل 865 جنيها للقمح المصري، أي أن الحكومة تسرق القمح من الفلاح”.