الظلم ظلمات..
أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
الظلم من أعظم الذنوب وأقبحها، لِما له من عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، وكونه سببا مباشرا ورئيسا في تدمير الأسر، وهلاك الدول، وإبادة الأمم. ولنا في قصص القرآن الكريم خير عبرة ومثال، عن تجبر وظلم الطواغيت، وكيف أهلكهم الله عز وجل وأباد دولهم أمثال فرعون، وقارون، وعاد وثمود، وغيرهم من الظلمة لن يتسع المقام لذكرهم: (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ). وللتشديد على حرمة الظلم، والتحذير منه فقد حرّمه الله تعالى على نفسه وعلى عباده، تحريما قطعيا، حيث قال: (يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي فلا تظالموا)، وبيّن الله عز وجل عقوبة الظالمين في عدة آيات، أذكر منها على سبيل القصر لا الحصر: (الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) سورة غافر. وكذلك: ( وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّٰلِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍۢ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلْأَبْصَٰرُ)، سورة إبراهيم. وقد ورد في الحديث الشريف: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)، (اتقوا دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب). وقيل في الأثر: (إن الله يمهل ولا يهمل).
وقبل أن أسترسل في حديثي هذا، أود أن أبين بداية معنى الظلم وأنواعه، فالظلم يعني التعدي والجور والطغيان ونقصان الشيء مكانته، ويندرج تحت هذا المفهوم للظلم، العديد من الصور والأنواع. لكن أشد وأعظم صورة من صور الظلم هي:
- الإشراك بالله عز وجل لقوله تعالى في سورة لقمان: (إِذْ قَالَ لُقْمَٰنُ لِٱبْنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَىَّ لَا تُشْرِكْ بِٱللَّهِ ۖ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ). وتجدر الإشارة إلى أن عظمة هذا النوع من الظلم تكمن في أن المشرك بالله ظَلم نفسه في أن حرمها من السعادة الأبدية في الجنة: (… قُلْ إِنَّ ٱلْخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ).
- 2. قتل المؤمن: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمًا). بل جعل الإسلام قتل الحيوان بغير حق، من أنواع الظلم التي تستوجب العقاب، وجميعنا يعرف قصة المرأة التي دخلت النار بقطة حبستها، فلا هي أطعمتها، ولا تركتها تأكل من حشاش الأرض، إضافة على ذلك، فإن قطع النبات وبالذات إن كان له فائدة سواء بثمره أو ظله يعتبر من الظلم ويستوجب فاعله العقاب، كما ورد في الحديث الشريف: (قاطع السدر يصوب الله رأسه في النار)، كما أن هدم البيوت وأكل حقوق الناس المادية، والغيبة، وحبسهم وتعذيبهم بغير حق، تعتبر من الظلم.
وهنا أود أن أنوه إلى أن جميع ما ذكرت آنفا من صور الظلم ما يحدث بين الأفراد، أي ظلم الأفراد لبعضهم البعض، لكن يوجد كذلك ظلم الدولة والسلطة الحاكمة، وهذا ما نراه يحدث في أغلب الدول الدكتاتورية حيث يمارس على أبناء الشعب شتى أنواع الظلم، ولنا فيما يحدث بسوريا، والعراق ومصر واليمن والعديد من الدول، خير شاهد على ظلم الحكام. وهنالك نوع آخر من الظلم نعيشه اليوم ويمارس علينا وبالذات في هذه الأيام الفضيلة، هنا في هذه البلاد، فإضافة لأنواع الظلم التي يمارسها علينا الاحتلال الإسرائيلي من سجن وهدم للبيوت، وسلب للأراضي وغيرها من أشكال الظلم، إلا أنه يمعن في ممارسة ظلم ورد ذكره في القرآن الكريم بصيغة المبالغة، ألا وهو ما يحدث في المسجد الأقصى المبارك من ممارسات عنجهية واعتداءات على المصلين والمرابطين فيه من قبل شرطة الاحتلال الإسرائيلي، ومنعهم المصلين من الصلاة في المسجد الأقصى وإخراجهم عنوة منه، وهو من أشد أنواع الظلم كما ورد في القرآن الكريم: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُۥ وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَآ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَ…) البقرة. وهنا يأتي دوري ودورك أيها المسلم في مواجهة الظلم والتصدي له. يأتي دورنا في نصرة المظلوم كان من كان، مسلما، أو كافرا، ننصره بالوقوف لجانبه والمطالبة برد مظلمته وأخذ حقوقه. وننصر أقصانا المستباح بتكثيف التواجد فيه والصلاة به والرباط في ساحاته ومصلياته. لذلك علينا كمسلمين أن ننصر قضية الأقصى ماديا وإعلاميا، وأن نربي أبناءنا ليكونوا “جيل الأقصى”، يعرفون كل بقعة وكل ذرة من ترابه. ولكن لا يسعني إلا أن أقول كما قالت المرأة الفقيرة التي هدموا بيتها بغيابها لأن بيتها يشوه منظر قصر الحاكم الظالم إذ رفعت يديها للسماء قائلة: (اللهم إن كنت أنا غائبة فأين أنت)، فخسف الله بالقصر ومن فيه الأرض كرامة لتلك المرأة المظلومة. الظلم في الأرض كثير فقد عمّ وطمّ، ولكن علينا ألا نستسلم للظالمين، بل علينا نصرة المظلومين بشتى الوسائل المتاحة لنا، وأن نقول الحق في وجه سلطان جائر ولا نخاف في الله لومة لائم، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أمرئ يخذل مسلما عند موطن تنتهك فيه حرمته وتنتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته).