السودان.. هل ينجح مجلس السيادة في تشكيل حاضنة مدنية لسلطته؟
– قوى عديدة، يتقدمها المكون العسكري في السلطة، تبذل جهودا مكثفة لتشكيل حاضنة سياسية مدنية جديدة في ظل أزمة سياسية متواصلة واحتجاجات شعبية مستمرة ووضع اقتصادي متدهور
– المحلل السياسي خالد الإعيسر: توافق عريض يضم أحزاب ومكونات مجتمعية وشخصيات وطنية على ضرورة إنقاذ البلاد عبر منصة توافق وطني وترتيبات جديدة
– المحلل السياسي خالد عبد العزيز: الجيش يحاول الحفاظ على السلطة بالتحالف مع أطراف اتفاق جوبا وكتلة نظام البشير وزعماء طرق صوفية وعشائر.. والتحالف الجديدة يواجه تحديات عديدة
– المحلل السياسي محمد المختار: “انقلاب البرهان يعاني من عزلة.. ومن الصعب نجاح عملية تخليق حاضنة سياسية له في ظل معارضة شرسة متوقعة من حراك الشارع”
ظّل المكون العسكري بمجلس السيادة الحاكم في السودان من دون حاضنة مدنية سياسية منذ الإطاحة بتحالف قوى الحرية والتغيير، في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
ومع استمرار الأزمة السياسية وعدم تشكيل حكومة واختيار رئيس لها، يسعى العسكريون في المجلس إلى تكوين حاضنة مدنية حقيقية جديدة.
ويطمح العسكريون إلى تحقيق هذه الغاية عبر حوار شامل مع قوى متعددة للوصول إلى رؤية موحدة لاستكمال الفترة الانتقالية وصولا إلى إجراء الانتخابات.
وهم يأملون في تشكيل تحالف سياسي جديد يخرج البلد من دائرة العنف والخلافات ويجنبه الفوضى، في ظل حراك احتجاجي مستمر بالشارع ووضع اقتصادي متدهور.
ويشهد السودان، منذ 25 أكتوبر الماضي، احتجاجات شعبية تطالب بحكم مدني ديمقراطي كامل.
ويرفض المحتجون إجراءات استثنائية اتخذها في ذلك اليوم قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وأبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين.
وقبل تلك الإجراءات، كان السودان يعيش منذ 21 أغسطس/ آب 2019 مرحلة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024.
وكان يُفترض أن يتقاسم السلطة خلال تلك المرحلة كل من الجيش وقوى مدنية (الحرية والتغيير) وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام في 2020.
ويتكون مجلس السيادة الجديد، الذي عينه البرهان في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من 5 شخصيات عسكرية و5 أعضاء مدنيين على توافق مع العسكريين ويمثلون أقاليم البلاد المختلفة.
تحركات عديدة
ووفق مراقبين، ثمة تحركات يقودها البرهان، وهو أيضا رئيس مجلس السيادة الانتقالي، لتكوين حاضنة سياسية مدنية بديلة.
والتقى البرهان، في 30 مارس/ آذار الماضي، مع رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، أحد أقطاب الحركة السياسية بالسودان، محمد عثمان الميرغني، في مقر إقامته بالعاصمة المصرية القاهرة.
وأعرب البرهان عن أمله في عودة الميرغني إلى السودان لـ”المساهمة في جمع الصف الوطني والخروج بالبلاد إلى بر الأمان”.
ودعا القوى الوطنية إلى “التوافق ونبذ الفرقة والشتات من أجل وطن ديمقراطي يسوده السلام والاستقرار”.
وفي 17 أبريل/ نيسان الجاري، شهدت الخرطوم اجتماعا ضم قوى الحرية والتغيير (التوافق الوطني)، وتحالف نهضة السودان.
كما ضم الاجتماع المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة (قبلي)، وتنسيقية شرق السودان، وكتلة القوى المدنية، وكتلة الإدارة الأهلية والطرق الصوفية والقوى المجتمعية.
وقال المتحدث باسم الحرية والتغيير (التوافق الوطني)، محمد زكريا، في بيان، إن الاجتماع أكد “أهمية توحيد المكونات السياسية والمدنية والمجتمعية، والعمل لبناء كتلة تاريخية من القوى المدنية والسياسية والكفاح المسلح (حركات مسلحة)”.
وتابع: على أن تكون هذه الكتلة “بتمثيل عادل للإدارة الأهلية والطرق الصوفية والمرأة ولجان المقاومة (نشطاء)”.
وهدف الكتلة هو أن “تدعم الانتقال المدني الديمقراطي وتعمل يدا واحدة وفقا لبرنامج مشترك متوافق عليه لتحقيق تطلعات الشعب في الحرية والسلام والعدالة”، بحسب البيان.
وشهدت قوى الحرية والتغيير انقساماً منذ سبتمبر/ أيلول 2021، إلى جناحين هما: قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) وهو الائتلاف الحاكم السابق، وقوى الحرية والتغيير (التوافق الوطني) التي تساند المكون العسكري في مجلس “السيادة”.
وتضم قوى “المجلس المركزي” أحزاب الأمة القومي، المؤتمر السوداني، التجمع الاتحادي، والبعث العربي الاشتراكي، فيما يضم “التوافق الوطني” حركات مسلحة أبرزها: تحرير السودان، بقيادة مني أركو مناوي، وهو حاكم إقليم دارفور الحالي، والعدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وهو وزير المالية الحالي.
انسداد سياسي
ومنذ اندلاع أزمة 25 أكتوبر 2021، يعاني السودان انسدادا في الأفق السياسي، بالرغم من محاولات محلية وإقليمية ودولية لإنهائها والعودة إلى مسار الحكم المدني الديمقراطي.
وأجرت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، بين 8 يناير/كانون الثاني و10 فبراير/ شباط الماضيين، مشاورات أولية مع أطراف الأزمة السودانية.
وفي 12 أبريل/نيسان الجاري، طرحت الآلية الثلاثية للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية بدول شرقي إفريقيا (إيغاد) أربعة محاور أساسية لحل الأزمة بالسودان.
وهذه المحاور هي: ترتيبات دستورية، وتحديد معايير لاختيار رئيس الحكومة والوزراء، وبلورة برنامج عمل يتصدى للاحتياجات العاجلة للمواطنين، وصياغة خطة محكمة ودقيقة زمنيا لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة.
كما أعلنت “الجبهة الثورية”، في 27 مارس/آذار الماضي، مبادرة لحل الأزمة من مرحلتين: الأولى تشكيل حكومة تدير الفترة الانتقالية، والثانية حوار بين الفرقاء السياسيين حول نظام الحكم والدستور والانتخابات.
متضررون من الثورة
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي خالد الإعيسر حديثه للصحافة: إنه “يوجد توافق عريض يضم أحزاب ومكونات مجتمعية وشخصيات وطنية على ضرورة إنقاذ البلاد عبر منصة توافق وطني وترتيبات جديدة.
وهذا ما أكده أيضا الكاتب والمحلل السياسي خالد عبد العزيز، في حديثه قائلا: “هناك ترتيبات لإعداد ما يطلق عليه الميثاق السياسي لخلق اصطفاف جديد”.
وأوضح عبد العزيز، أن هذا الاصطفاف “يضم القوى السياسية والاجتماعية الداعمة لحكم المؤسسة العسكرية، والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام 2020”.
وتابع: “كما يضم قوى سياسية تضررت من ثورة ديسمبر (2018 ضد البشر)، وهي أحزاب كانت متحالفة مع نظام البشير، وهي قوى الحوار الوطني وضمنها الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل”.
وأردف عبد العزيز أن “رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل فاعل رئيسي في التخطيط لهذا التحالف الجديد، وهو حاضنة بديلة لقوى الحرية والتغيير”.
وأضاف أن “الفاضل يطمح بأن يرث زعامة حزب الأمة القومي عبر رافعة الاستقواء بالسلطة، كما حاول أن يفعل في فترة البشير”.
واستطرد: “هذا تحالف بين المؤسسة العسكرية وأطراف اتفاق جوبا وكتلة نظام البشير وزعماء طرق صوفية وعشائر”.
واعتبر أن “هذه الأطراف تضررت مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من ثورة ديسمبر، ويتطلعون إلى السلطة ولا يأبهون لمستقبل الديمقراطية في البلاد”.
وقال إن “الجيش يريد من التحالف الجديد تعيين رئيس وزراء لفك حالة تجميد المساعدات الخارجية، وأن يبعث برسالة مفادها أن هذه حكومة مدنية بتوافق وطني عريض، مع تطبيع وضع سياسي جديد يحافظ به على السلطة”.
وبشأن التحديات أمام هذه الرتيبات، قال عبد العزيز إن أبرزها هو “استمرار التظاهرات المقاومة، والوضع الاقتصادي، و(حزب) المؤتمر الوطني (الحاكم السابق) والصراع بين الجيش والدعم السريع على احتكار السلطة”.
و”الدعم السريع” هي قوات تابعة للجيش يقودها نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حمديتي).
ومن التحديات أيضا “مدى فعالية هذا التحالف شعبيا على أرض الواقع ليكون سند سياسي حقيقي للعسكر في مواجهة المعارضة السياسية والشبابية وتحقيق الرضا الشعبي”، وفق عبد العزيز.
عزلة سياسية
فيما اعتبر المحلل السياسي محمد المختار، أن القاهرة “تقف وراء إيجاد حاضنة سياسية لانقلاب 25 أكتوبر بقيادة الجنرال البرهان”.
وتابع: “انقلاب البرهان يعاني عزلة سياسية لنحو نصف عام من عمر الانقلاب، لذلك من الصعب نجاح عملية تخليق حاضنة سياسية لهذا الانقلاب الذي بدأت تتصدع مكوناته وتظهر تناقضات بينها”.
وأردف: “وفي ظل الحراك المستمر للشارع يصعب أن تنجح أي حكومة لا تلبي تطلعاته وشعاراته ذات السقوفات العالية”.
ورجح المختار أن “محاولة إدخال من هم خارج المعادلة السياسية إلى المشهد السياسي ستجابه بمعارضة شرسة من لجان المقاومة وقوى الحرية والتغيير والقوى الحية الأخرى”.