القائمة العربيّة الموحّدة “مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ”
بقلم البروفسور إبراهيم أبو جابر
نائب رئيس حزب الوفاء والإصلاح
يَعجز القلم عن وصف الحال الذي وصلته “القائمة العربيّة الموحّدة”، من هوانٍ وانزلاقٍ وسقوطٍ سياسيٍ مدوٍّ، لم يَفعلْه مخاتير حزب العمل والأحزاب الصهيونيّة فترة الحكم العسكري. هذه القائمة التي ارتضى القيّمون والقائمون عليها ولأوّل مرّةٍ في تاريخ شعبنا الفلسطيني، تشكيل حكومةٍ للمؤسّسة الإسرائيليّة الفاشيّة، التي لم تترك وسيلة قمعٍ ولا تعذيبٍ إلاّ ومارستها، بل وتلذّذت فيها ضد أبناء شعبنا.
لقد رضيت القائمة الموحّدة لنفسها أن تكون في دائرة وصفٍ ضيّقةٍ للغاية، دينيًا ووطنيًا وأخلاقيًا، ستلازمها دائمًا، حتى وإن حَلّت شراكتها مع حكومة بينت المتطرّفة. لم يبخل أحدٌ بالنّصح للقائمين على الموحّدة من كلّ التيّارات والأحزاب والحركات، إلاّ أنّهم أصرّوا على هذا النهج الفاشل الذي أطلقوا عليه “النّهج الجديد”، الذي أوقعهم في المحظور، وجعلهم أُلعوبةً عند اليمين المتطرّف، وما يسمّى بالوسط واليسار الصّهيوني، ممّا جعلهم يتيهون بين مفرداتٍ سياسيّةٍ وأخرى دينيّةٍ ووطنيّةٍ، اضطّرت البعض على وصفها بالخيانة، مقارنةً بحادثة نابليون بونابارت الشهيرة مع الضابط النمساوي الذي ساعده على احتلال بلاده، فقال له:” خذْ أجرك لكنّي لا أصافح من خانَ بلاده”.
حذّر “حزب الوفاء والإصلاح” منذ البداية من دخول أي مكون سياسي عربي في لعبة الكنيست الصهيونية، ومن مخاطر المشاركة في الائتلاف الحكومي، لأنّه سيؤدي إلى انزلاقٍ لا تُعرف حدوده ، وفعلاً حصل ذلك ابتداءً بإعلان رأس الهرم في “القائمة الموحّدة” الدكتور منصور عباس، أنّه بإمكان كلّ من لا يروق له الأمر تسليم بطاقات الهويّة، مرورًا بالتصويت على جملةٍ من القوانين العنصريّة، والميزانيّة التي رُصدت الملايين فيها للاستيطان وللجيش الإسرائيلي والشواذ، والتفوّهات الكثيرة المغلوطة إرضاءً للإسرائيليين خاصةً المتعلقة بالمسجد الأقصى وحائط البراق، والمسرحيّات الخاصّة بالنقب ،كلّ هذا إضافةً إلى إعلان رئيس القائمة “عباس” الخاص بيهوديّة الدولة الذي هو أخطر علينا من وعد بلفور الظّالم لأنّه “إعلان من يملك لمن لا يستحق”.
لم يبخل “حزب الوفاء والإصلاح” أبدًا على مجتمعنا، في بيان مخاطر “النّهج الجديد” على ثوابتنا، ولم يتلعثم، بعدما تخطّت “القائمة الموحّدة” كلّ الخطوط الحمراء وعلى رأسها اعتراف عباس بيهوديّة الدولة، فطالب الحزب رسميًا من خلال “لجنة المتابعة العليا” فصل القائمة العربيّة الموحّدة من عضوية المتابعة، حفاظًا على تماسك وحدتنا الوطنيّة بعيدًا عمّا أصبح يُعرف حكومة بينت-عباس.
تمادت حكومة بينت-عباس في ظلمها وقمعها لمجتمعنا في أحداث النّقب، وأهمّها قمع وسحل المتظاهرين في مظاهرة سعوة/الأطرش، والتجريف، وهدم المنازل هناك، وسياسة العصا الغليظة في حيّ الشيخ جرّاح، وباب العامود، والاعتداءات المتكرّرة على المتظاهرين في أم الفحم والنّاصرة، والإعدامات الميدانيّة، ناهيك عن انتهاك حرمة بيوتنا في مختلف البلدات العربيّة في البلاد، ناهيك عن تفعيل سياسة الاعتقالات الإدارية سيئة الصيت.
وجاءت أحداث المسجد الأقصى المبارك، الذي ببركته انكشف كلّ شيءٍ، فالذي يعتدي على المصلّين والمعتكفين والصحفيين، والكبار والصغار، والرجال والنساء، هي نفسها حكومة بينت-عباس، والحبل على الجرار، وهذا كلّه لم يقنع القيّمين والقائمين على الموحّدة بالانسحاب من الائتلاف، وإسقاط هذه الحكومة الفاشيّة، لا بل قالها الدكتور منصور عباس أكثر من مرّة، ماذا تريدون أن تسقط الحكومة؟!
لقد عاشت الموحّدة طيلة الشّهور القليلة السابقة على الوهم، الذي باعه لها أقطاب الحكومة من بينت ولبيد، فهانت على أعضائها الثوابت، فسهل الهوان عليهم، فصدّقوا وعودَ القوم العرقوبيّة، ولم يعبأوا بالنّاصحين لهم.
كشفت أحداث الأقصى الأخيرة زيف ما روّجت له “القائمة الموحّدة”، من إنجازاتٍ حقّقتها خلال نهجها الجديد، فاتّضح، وهذا ما كشفته الموحّدة نفسها، أنّ كلّ ما أعلنتها من إنجازاتٍ، ما زالت مجرّد مطالب لها على مكاتب الحكومة الإسرائيليّة، لذلك يبقى الانسحاب النهائي من الائتلاف الحكومي هو المنفذ الوحيد الذي من شأنه التخفيف من أضرار ما حصل.