وادي القلط بأريحا محمية طبيعية رومانية يمنع الاحتلال تطويره
محمية طبيعية ضم بين جنباته أشكالا وأصنافا متنوعة من الطيور والأشجار والحيوانات.. بيئته وطبيعة وجوده جعلتاه محط أنظار المصطافين والسياح على حد سواء.. لوحة زاخرة بالألوان مرسومة على بقعة من الأرض وعلى طول 45 كيلو مترا بين القدس وأريحا، إضافة إلى أنه تراثي وله تاريخ عريق.
وادٍ ذو خضرة وجمال، حيث أزهار الربيع وشقائق النعمان الحمراء والأعشاب البرية الطبية، وزقزقة العصافير، وتحليق الطيور وعدو الحيوانات البرية، يسوده تنوع بيئي وحيوي.. وبسيرك مع الجبال الشرقية لرام الله والقدس المحتلة، تطل عليك عيون المياه لتصب بوادي القلط.
“وادي القلط” أحد روافد نهر الأردن وأحد وديان الضفة الغربية إلى الجهة الغربية من أريحا وأيضا إلى الجهة الشرقية من سلسلة جبال القدس الخليل.
يعتبر وادي القلط، أحد أجمل مسارات المشي في فلسطين، خاصة في فصل الشتاء، حيث يمتد الوادي من الضواحي الشرقية لمدينة القدس المحتلة في الغرب، إلى أريحا ونهر الأردن في الشرق، فيما يستمتع الزوار على طول طرفي الوادي، بالمناظر الطبيعية الخلابة للصخور والكهوف والحجارة المنحوتة في أسفل الوادي، كما أن الأشجار الخضراء التي تمتد على جانبي القناة، تشكل واحة في صحراء الوادي.
يقول مدير عام الآثار في أريحا الدكتور إياد حمدان في حديث معه: “إن منابع هذا الوادي من سلسلة جبال القدس الخليل شرق رام الله والقدس.. وهذه الجبال هي روافد هذا الوادي، والتي تنتهي بعدد من العيون منها عين الفوار وعين فارة.. وتلتقي هذه العيون في مجرى وادي القلط ليكون عينا أخرى هي عين القلط”.
وبين حمدان أن الوادي متنوع طبيعي تراثي وله ميزات طبيعية وبيئية، حيث يقع فيه أحد أقدم الأديرة في فلسطين وهو دير وادي القلط أو دير سان جورج.
وأشار إلى أنه يعتبر موطن الطيور المهاجرة شتاءً وكذلك وجود حيوان الذئب الفلسطيني والنسر ومشهور بحيوان الوبر الصخري إضافة إلى تنوع غطائه النباتي ووجود النباتات البرية فيه.
وأكد مدير عام الآثار أن الوادي يتصف بعدد من المقاطع وفيه عدد من القنوات من الفترة الرومانية والتي كانت تزود أهم وأكبر معلم تراثي فلسطيني بالمياه وهو ما يدعى اتلول أبو العلايق أو قصر هيرد الشتوي والذي يقع في نهاية وادي القلط نهاية الجهة الشرقية لهذا الوادي والجنوبية لأريحا، مشيرا إلى احتوائه على موقع أثري ثالث وهو دير البنات من فترات الحجري النحاسي.
وقال حمدان: “إن وادي القلط هي منطقة مصنفة (ج) حسب اتفاقية أوسلو، والتي تخضع لسلطات الاحتلال.. ورغم أننا كفلسطينيين لا نعترف بهذه التقسيمات إلا أن سيطرة الاحتلال تحول دون القيام بأي أعمال ترميم أو تأهيل في كثير من مقاطع الوادي سواء من جهات بيئية أو الجهات الخاصة”.
وأضاف: “من تقوم بعمليات الترميم للدير هي سلطة الدير التابعة للكنيسة البطريريكية وتكون الصعوبة الأكبر نتيجة عدم السيطرة على هذا المكان الجميل فبالتالي نحن نخسر استثمارات مهمة على ضفاف الوادي أو بالقرب من مجاريه بأي مشاريع سياحية يمكن أن تتم هناك كون أنه ليست هناك سيطرة مباشرة على المكان من قبل الحكومة الفلسطينية”.
من جانبه أوضح الباحث في التاريخ نضال جلايطه أن الزوار يستمتعون على طول طرفي الوادي، بالمناظر الطبيعية الخلابة للصخور والكهوف والحجارة المنحوتة في أسفل الوادي، كما أن الأشجار الخضراء التي تمتد على جانبي القناة، تشكل واحة في صحراء الوادي.
واعتبر جلايطه في حديث صحفي معه أن أبرز محطات الوادي على الإطلاق، هي دير القديس جورج، أو دير القلط، والذي نحت في الصخور والمعلق بأعلى الجرف الصخري بشكل مثير، بينما يمر خط السير بالقرب من عشرات الكهوف والمغارات والتي يستعملها البدو وماشيتهم، لتقيهم من حرارة الشمس.
وأشار إلى أنه وقبل الانتهاء من الوادي، تظهر مدينة أريحا، على شكل سهل ممتد يشكل منظراً خلاباً من قمة الجبال، كما يمكن رؤية البحر الميت، ومعظم أجزاء غور الأردن.
وعدّ جلايطه وجود المياه في العصر القديم السبب الذي جعل الوادي من الطرق الرومانية المعروفة، وبقي الحال على ما هو عليه في الحقبة البيزنطية، حيث كان يستعمل أيضاً كطريق للحجاج، وبالتالي سكن العديد من الرهبان في الكهوف والمغارات المنتشرة في الوادي، ولاحقاً تطور الأمر إلى بناء الدير.
وأكد على أن الزائر يندهش من هذا النبع العجيب، حيث تخرج منه المياه مرة كل عشرين دقيقة وتتجمع في بركة.
وقال: “حسب الأسطورة الفلسطينية يعيش تحت النبع عفريتان ينشغلان في معركة أبدية، وعندما يتفوق العفريت الخيّر على الشرير تنطلق المياه خارجة من النبع، بينما عندما يتفوق الشرير على نظيره الخيّر يتباطأ تدفق المياه ويتواصل خط السير بعد النبع بشكل متعرج على طرفي الوادي”.
بدوره قال الكاتب والصحفي مهران براهمة: “إن جيش الاحتلال يقوم بتدمير المواقع الأثرية أو ينسبها لنفسه في محاولة لإيجاد أي رابط تاريخي بأحقيته بفلسطين، وهنا يكمن دور الإعلام في دحض هذه الأكاذيب وإبراز الرواية الصحيحة عن هذه المواقع الأثرية والتاريخية”.
وأضاف براهمة في حديث معه: “يجب البحث مع أشخاص مهتمين في الآثار والتاريخ وإيجاد بحوث علمية مصدقة بالأدلة والبراهين خاصة أن كثيرا من الإعلاميين وقعوا في حفرة الرواية الإسرائيلية، وذلك بسبب محاولة إطفاء هذه الرواية وعدم وجود المعلومات الكافية لدى الأفراد لدحضها”.
وتابع: “يحاول الاحتلال دائما إيجاد أي شيء له في فلسطين فيسعى لربط كل موقع أثري في كل منطقة سواء أكان معلما أثريا أو مساجد أو أديرة من باب القوة التي يتمتع بها”.
وبين براهمة أن إسرائيل تسعى إلى تزييف التاريخ من خلال طمس الآثار الفلسطينية وادعاء وجود تفسيرات عبرية لتلك المناطق إضافة إلى منع الفلسطينيين من الوصول إليها مما يعمل على تهويد المواقع الأثرية وعدم صيانتها وإهمالها مما يؤدي إلى اندثارها وربما نسيانها من قبل الفلسطينيين.
وشدد على أن للإعلام دورا كبيرا في إبراز قضية الآثار والمواقع التاريخية خاصة أن هذا الموضوع لا يحظى بأي اهتمام إعلامي منذ سنوات طويلة وذلك بسبب الحالة التي يعيشها الفلسطينيون ووجود الاحتلال والذي يعتبر قضية الآثار قضية ثانوية، مشيرا إلى أنه مطالب أكثر من أي وقت بإبراز هذه المعالم الأثرية وأهميتها لتكون محط اهتمام للزوار المقيمين داخل البلد أو الوافدين إليها.
وندد الكاتب والصحفي الفلسطيني بتقصير وسائل الإعلام وتناولها لقضية المواقع الأثرية التي اعتبرها موسمية ومتواضعة جدا ونادرة وقليلة جدا، مؤكدا أنه يقتصر على بعض المبادرات الفردية لبعض الصحفيين وليس عملا ممنهجا تتكفل به كل المستويات الرسمية والأهلية.
واعتبر أن أبرز المشكلات التي تواجه الصحفيين تكمن في قلة عدد المتخصصين الثقات الذين لديهم القدرة على فهم التاريخ بشكل مناسب وتاريخ هذه المواقع وعدم ربطها بالرواية الإسرائيلية والقادرين على التحليل والربط الصحيح والمنطقي والعلمي والذين يمتلكون معلومات جيدة جدا عن تاريخ المواقع ومتى اكتشفت وأهميتها إضافة إلى الافتقار إلى جهات رسمية مختصة كوزارة السياحة والآثار التي لا تعمل ولا توضح ولا تبذل أي جهد في دعم الرواية الفلسطينية.
وأوضح براهمة أن العربدة الإسرائيلية على هذه المواقع لها شقان الأول منها السرقة والمصادرة والتي تعتبر من المشكلات العظمى فهناك الكثير من المواقع الأثرية التي وقعت تحت المنطقة C بحسب اتفاق أوسلو تحت إصرار إسرائيل والتي ما تزال تحت السيطرة الإسرائيلية والتي تمنع الفلسطينيين من التدخل فيها أو السيطرة عليها فتعمل على نبشها وتنظيفها في محاولة لتحويلها لمزارات إسرائيلية كجزء من تثبيت أحقيتها بالأرض.
وتابع: “الشق الثاني من هذه العربدة التدخل والاعتداء على المواقع الأثرية في المناطق الفلسطينية مثل قبر النبي يوسف في نابلس وغيرها من المواقع التي تتعرض بشكل يومي لاعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي أو المستوطنين، فضلا عن تعرض عديد المواقع للنبش والسرقة من خلال لصوص الآثار الفلسطينيين وبيعها للاحتلال بحجة البحث عن الأموال لأجل العيش فتجدهم يخربون موقعا أثريا كاملا ويبيعون القطع التي تعادل ملايين بقليل من المال للاحتلال الإسرائيلي”.