ميدل إيست آي: تونس مهددة بـ”أزمة غذاء حتمية” مع بداية شهر رمضان
في خضم الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد منذ أشهر، تعيش تونس أزمة اقتصادية حادة تفاقمت مع بداية شهر رمضان المعظم، حيث بات من الصعب على المواطنين إيجاد مستلزماتهم التموينية بسهولة، نظرا لفقدانها أو ارتفاع في أسعارها فيما تتعالى الأصوات المحذرة من “أزمة غذاء” وشيكة.
وتناول “موقع ميدل إيست آي” البريطاني، في تقرير له تداعيات ومسببات الأزمة الاقتصادية في البلاد، حيث ظلت الأرفف خالية لعدة أسابيع في كبرى المتاجر فيما يكاد يكون من المستحيل العثور على الطحين والأرز والسميد والسكر والبيض.
وقال شاب تونسي يدعى خيري، يعمل في فرع محل “كارفور” التجاري في تونس الكبرى، لموقع “ميدل إيست آي”: “نحن نعيد تعبئة قسم الطحين عدة مرات في اليوم، ولكنها تنفد خلال بضع لحظات فقط”، ويحدث السيناريو نفسه في متجر خضار محلي؛ حيث يسأل البائع زبائنه قائلًا: “من يريد آخر علبة طحين؟”.
ومن أجل العثور على الخبز، أحد أساسيات النظام الغذائي التونسي، يجب الاستيقاظ مبكرًا؛ حيث تمتد طوابير طويلة خارج المخابز كل يوم، في حين أن الخبازين لديهم كمية قليلة جدًّا من الخبز للبيع.
وقال عمر، وهو خباز في سوق سيدي بوزيد المزدحم الذي انطلقت منه شرارة احتجاجات سنة 2011: “أحصل على نصف الكمية المعتادة من الطحين؛ وبحلول الساعة التاسعة صباحًا، يختفي كل الخبز المخبوز بالفعل”.
وقد هدد الخبازون الغاضبون في ولاية بن عروس جنوب تونس بتنفيذ إضراب في منتصف شهر آذار/ مارس، كما انتشرت مشاهد تدافع الحشود على منصات التواصل الاجتماعي. ويُظهر مقطع فيديو تم تصويره في سيدي بوزيد حشودًا تتسلق على متن شاحنة تنقل السميد؛ وتدافع الناس بحثًا عن أكياس السميد الكبيرة.
وفي ظل ندرة المواد الغذائية الأساسية، تتصاعد الأسعار بشكل مهول، فقد ارتفع سعر الخبز في المخابز غير المدعومة بنسبة 25 بالمائة في الأشهر القليلة الماضية، نتيجة للحرب الأوكرانية وتقلب أسعار القمح، كما ارتفع سعر برميل النفط بشكل صاروخي.
من جانبه، صرح حسام سعد، عضو في جمعية “أليرت” لمكافحة الاقتصاد الريعي في تونس والتي تفيد العائلات التجارية ذات العلاقات الجيدة، لموقع “ميدل إيست آي” بأن “هذا الوضع لم يأت من العدم.. ما كنا نمر به منذ شهرين، كنا نتوقع حدوثه منذ سنة”.
وضع “متفجر”
وحذرت جمعية سعد منذ عدة سنوات من المخاطر الهيكلية للنظام الغذائي التونسي، القائم على الواردات ورأسمالية المحسوبية.
وقد حذر مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط من أن الأزمة المالية في تونس إلى جانب التأثير الاقتصادي للغزو الروسي لأوكرانيا يمكن أن تجعل الوضع “كارثيًّا”.
وبحسب ليلى الرياحي، عضو في المنبر التونسي للبدائل، وهي منظمة غير حكومية قانونية، فإن “أزمة الغذاء حتمية”.
وتعتمد سلسلة الإمدادات الغذائية التونسية بشكل خطير على الواردات؛ حيث تستورد الدولة أكثر من نصف مخزونها من القمح الصلب – المستخدم في صناعة المعكرونة والسميد ومنتجات أخرى – بينما تستورد 97 بالمائة من القمح اللين الذي تحتاجه لتلبية الطلب على الخبز، وذلك وفقًا لأحدث الأرقام الصادرة عن ديوان الحبوب، والذي أكدته جمعية “أليرت”.
ومنذ كانون الأول/ ديسمبر 2019، وبسبب افتقارها إلى الاستقرار المالي، اضطرت الحكومة التونسية إلى الدفع نقدًا مقابل كل استيراد ولم يعد لها الحق في الاستيراد بالائتمان، وقد استُنْفِدَتِ الأموال حاليًا وتم احتجاز البضائع في الخارج في انتظار الدفع.
ويقول سعد: “يمكن أن تبقى السفن محتجزة في الخارج لمدة تتراوح بين خمسة وستة أسابيع في انتظار أن يتفاوض ديوان الحبوب على قرض عالي الفائدة مع أحد البنوك الخاصة، بتكلفة تتراوح من 15 ألفا إلى 20 ألف دولار في اليوم، مما يؤدي بدوره إلى زيادة سعر الواردات”.
والجدير بالذكر؛ أن جزءًا كبيرًا من المواد الغذائية القابلة للتلف تتعفن قبل تفريغها، ويأتي نصف القمح اللين الذي تستورده تونس عادة من أوكرانيا، لكن منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، أول وخامس أكبر مصدرين للقمح في العالم على التوالي، كانت الأسواق متقلبة؛ حيث ارتفع سعر البوشل (27 كيلوغراما) بنسبة 40 بالمائة تقريبًا بين منتصف شهر شباط/ فبراير ومطلع شهر آذار/مارس.
وحذرت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة من أن “الرصاص والقنابل التي تستهدف المحاصيل في أوكرانيا قد تؤدي إلى تفاقم أزمة غذاء عالمية ووصولها إلى مستويات لم يسبق لها مثيل”.
وتكافح تونس حاليًا لمواكبة ركب التطورات التي يشهدها سوق الغذاء العالمي؛ ففي 11 آذار/مارس، فشل مكتب الحبوب في إبرام صفقة لتوفير واردات شهر أيار/مايو من القمح لأنه لا يملك الموارد المالية اللازمة.
وفي هذا السياق؛ يقول سعد – الذي يتتبع الإمدادات الغذائية عبر موانئ الدولة -: “في الوقت الحالي؛ يعد الطلب العالمي مرتفعًا للغاية، ولهذا يفضل الموردون التعامل مع الجهات التي تدفع أكثر”. ويضيف سعد أن احتياطيات القمح الحالية يمكن أن تصمد حتى نهاية شهر أيار/مايو، بينما بالنسبة للسكر والشاي والأرز، “لدينا ما يكفي حتى شهر حزيران/يونيو”.
التقنين واستجابة الشرطة
منذ عدة أسابيع، ظهرت لافتات على أرفف السوبر ماركت: “2 كيلوغرام من السكر والأرز والدقيق لكل عميل”، كما بدأ الخبازون في العمل بنظام التقنين لصنع الخبر. وفي هذا الإطار، تقول الرياحي: “نحن ندخل في ظرف يحتم علينا فيها تقنين استهلاكنا وهو الأمر الذي سيستمر لفترة من الوقت”.
وتقول إنه في الوقت الحالي لا تزال المخزونات صامدة “لكن تم تطبيق التقنين لتجنب اضطرار الحكومة التونسية إلى دفع المزيد من الإعانات للتخفيف من ارتفاع الأسعار”، ولتشجيع الجمهور على تقليل استهلاكهم؛ نشرت وزارة الصحة نصائح غذائية: “السكر والملح والأطعمة المقلية مضرة بالصحة، قلل من استهلاكها لتعيش بشكل أفضل”.
وفي هذا السياق؛ أعرب سعد عن عدم اقتناعه بفعالية هذه النصائح قائلًا: “كيف يمكن أن تنجح مثل هذه النصائح، في حين أن النقص في المواد الغذائية حاد للغاية والناس يجدون صعوبة في إطعام أنفسهم؟”.
في الفترة التي سبقت شهر رمضان، حاول المتسوقون تخزين البضائع مهما كان الثمن، لكن مع النقص في المواد الغذائية الذي يلوح في الأفق، هذا بالضبط ما تحاول الحكومة التونسية تثبيطه، فقد تم نشر الحرس الوطني والشرطة وحتى الجيش أحيانًا للسيطرة على من يسميهم الرئيس قيس سعيد “المضاربين”، والوسطاء الذين يحتفظون بمخزونات المواد الغذائية لإجبار الأسعار على الارتفاع.
وحسب عضو آخر في أليرت، طلب عدم الكشف عن هويته، “لا تداهم الشرطة في الواقع، سوى الأشخاص الذين جمعوا مخزونًا ضئيلًا فقط، إنه أمر سخيف حقًّا”.
في المقابل، رحب وزير الداخلية بمصادرة 5،503 لترات من الزيت النباتي، وهي كمية زهيدة عند مقارنتها بالاستهلاك الوطني الذي يبلغ حوالي 240 ألف طن سنويًّا.
وفي شأن ذي صلة؛ يؤكد سعد: “الأشخاص الذين يحجزون المواد الخام هم، أولًا وقبل كل شيء، المشغلون الصناعيون الكبار ومصنعو الأغذية: ألق نظرة خاطفة داخل مصانع التونة والسردين، حيث ستجد جزءًا كبيرًا من الزيت المدعوم”.
من جانبها، تقول مروة، المدرسة البالغة من العمر 36 سنة: “هذه الأزمة تجردنا الآن من آخر بقايا كرامتنا. لقد توقفنا عن أكل اللحوم منذ وقت طويل، ثم قطعنا السمك. إذا أخذوا خبزنا، فلن يتبقى شيء لنا”. بالنسبة إلى الرياحي، تمثل هذه الأزمة فرصة لمراجعة سلسلة التوريد الغذائية بأكملها: “هناك حاجة ملحة لتغيير سياسة الزراعة والغذاء في البلاد”.
وحسب الرياحي؛ لا يمكن تحقيق هذا التغيير إلا من خلال تفكيك “الكارتلات الثلاثة أو الأربعة” التي تحتكر صناعة الأغذية في البلاد. وتقول: “علينا التوقف عن دعم الاستهلاك والبدء في دعم الإنتاج”.
وعلى حد تعبيرها؛ سيساعد الاستثمار في الحبوب المحلية والسماح للمزارعين التونسيين بإدارة الأرض ومراجعة سياسة المياه؛ على بناء السيادة الغذائية وتحسين جودة الاستهلاك، وتؤكد قائلة: “إذا لم نُعِدِ التفكير في كل هذه المسائل، فستبقى من ضمن القضايا الاجتماعية العالقة التي تنخر في نظامنا”.