قلق إسرائيلي من عودة القضية الفلسطينية للأجندة العالمية
بينما تواجه المؤسسة الإسرائيلية التبعات المتوقعة للحرب الأوكرانية الروسية على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والأمنية، فإن زاوية أخرى باتت تشكل مصدر قلق لها، وتتمثل في الجانب الإعلامي والدعائي، خاصة بعد أن أعادت هذه الحرب، القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث من جهة، ومن جهة أخرى فقد استغل النشطاء المؤيدون للفلسطينيين حالة التعبئة المذهلة في الغرب لأوكرانيا، بالدعوة لمساواة إسرائيل بروسيا، باعتبارهما مجرمتي حرب.
وترصد وسائل الإعلام الإسرائيلية ما تراه مقارنة يومية تقوم بها العديد من الجهات الحقوقية والدعائية في الغرب، بين ما تقوم به القوات الروسية الغازية ضد أوكرانيا، ويستحق كل الإدانة، وما قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة خلال حرب 2014، حين قتلت 530 طفلا.
وبينما يبلغ عدد سكان غزة مليوني نسمة، وسكان أوكرانيا 40 مليونا، فإن ذلك يعني أن إسرائيل قتلت 200 ضعف الخسائر البشرية في أوكرانيا.
حابيب راتيغ- غور، الكاتب في موقع زمن إسرائيل، ذكر في مقال أن “عضو الكنيست السابق جمال زحالقة نشر مؤخرا تغريدة باللغة العبرية موجهة لليهود، وعكست ملاحظاته مواقف فلسطينيي 48 من الغزو الروسي لأوكرانيا، وبالنسبة لهم، فإن إسرائيل هي روسيا المحاربة، وفلسطين هي أوكرانيا، الضحية البطولية، مما يتطلب من أوروبا أن تواجه إسرائيل بالعزم الغربي الموحد نفسه، الذي يفرض العقوبات والعزلات عليها”.
وأضاف أنه “بين عشية وضحاها، لا تخفي إسرائيل قلقها أن القانون الدولي بات يكتسب أهمية مرة أخرى، وأصبحت فكرة أنه لا يمكن الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة معيارا دوليّا يستحق الحماية، وفي ما فرضت الدول الغربية عقوبات واسعة على روسيا، بمن فيهم مسؤولوها الكبار، فإن النشطاء الدوليين ودعاة حقوق الإنسان، ينتقدون الدول الغربية على عدم فرضها عقوبات مماثلة على إسرائيل رغم انتهاكاتها للقانون الدولي، بل تقوم بدعمها على الصعيد الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي”.
ويبدي الإسرائيليون مخاوفهم من أن حرب أوكرانيا دفعت أنصار القضية الفلسطينية لانتقاد المجتمع الدولي؛ لأنه لا يفرض المقاطعات والقيود والعقوبات على إسرائيل، ولعل هذا هو السبب الوحيد الذي قد يفسر الفرق بين الرد العدواني على معاناة الأوكرانيين، والاستجابة الحالية لمعاناة الفلسطينيين، ما يعني أن العالم يمكنه التضحية بهم؛ في حين لا يمكن إدانة الاحتلال الإسرائيلي، حتى عندما يكون متورطا في سلوك إجرامي، بزعم أن أمنه أهم من حقوق من يضطهدهم.
في الوقت ذاته، باتت هذه الأفكار والمقارنات تكتسب موطئ قدم في اليسار الإسرائيلي النشط، وباعتقاده، فإن الطريقة الأكثر فاعلية للحفاظ على التشدد الغربي تجاه روسيا، أن يُظهر الفلسطينيون الفجوة بين التعامل مع روسيا والتعامل مع إسرائيل، بوصفها فجوة عنصرية، لذلك من الضروري “ضرب الحديد وهو ساخن”، ما يعني أنه لم يعد من المحتمل أن يكون العالم غير مهتم بأخذ يد أكثر صرامة تجاه إسرائيل.
مع أنه يمكن تفسير هذه الفجوة بغض النظر عن الأصل العرقي أو الدين للفلسطينيين، رغم الاعتقاد بأن أي توقف لمسيرة التسوية، فإنه سيؤدي للمزيد من جولات إراقة الدماء بين الفلسطينيين والإسرائيليين، رغم أن محادثات التسوية شكلت ذريعة لمواصلة البناء في المستوطنات، ويمكن للمرء أن يبدأ بالفعل في تحديد الفجوة الهائلة بين الحالة الأوكرانية والقضية الفلسطينية، وهي فجوة لمست قلب المشكلة الفلسطينية في السنوات الأخيرة.
ولدى القادة الغربيين الذين يميلون لدعم الضغط المتزايد على إسرائيل، مشكلة ليس من السهل التغلب عليها، لأن الحديث يدور عن فرض نظام عقوبات خانق على ما يعرفونها بـ “الدولة اليهودية”، التي تمارس على الغرب ابتزازا بدأ منذ الحرب العالمية الثانية، ولم ينته بعد.
صحيح أن حركة المقاطعة العالمية BDS تتبنى هذا الموقف المعادي لإسرائيل، لاسيما منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، لكن أنصارها حول العالم يعتقدون أن فكرة الدولة اليهودية بحد ذاتها شريرة وظالمة، ولذلك فهي تطالب المجتمع الدولي بفرض عقوبات موازية على إسرائيل، بالتزامن مع فرضها على روسيا، وإلا فإن أي تفريق بينهما يعني أن الغرب يمارس عنصرية لا تخطئها العين.