ميثاق السلم الأهلي في بيوتنا
الشيخ رائد صلاح
هي الأسرة وهي البداية، فإذا كانت هذه البداية سليمة كانت مسيرتنا سليمة، وإذا كانت هذه البداية متعثّرة كانت مسيرتنا متعثرة، وإذا قامت هذه البداية على قيم السّلم والسّلام والمودّة والرحمة، قامت مسيرتنا على قيم السّلم والسّلام والمودّة والرّحمة، وإذا قامت هذه البداية على قيم المشاحنة والتفكك والتنافر والتلاسن، قامت مسيرتنا على قيم المشاحنة والتفكك والتنافر والتلاسن، ولذلك هي الأساس الذي إذا استقام استقامت مسيرتنا وإذا اعوجّ اعوجّت مسيرتنا، ولأن الأسرة التي تضمُّ الزوج والزوجة والأولاد تحمل هذه الأهمية، فيسرُّ الإدارة العامة للجان إفشاء السلام أن تتقدم بهذا الميثاق بهذا العنوان:
ميثاق السلم الأهلي في بيوتنا
1- الأسرة رباط مقدس وميثاق غليظ يجمع بين الزوج والزوجة والأولاد شرعًا وعُرفًا وعقلًا، ومن أوجب الواجبات الحفاظ عليها.
2- الأسرة نواة إنسانية لمسيرة مجتمعنا، ولذلك يجب أن تقوم على القيم الإنسانية الرفيعة التي تحفظ كرامة الأب وكرامة الأم وكرامة الأولاد كوحدة واحدة لا تنفصل.
3- ليعلم الزوج أن زوجته هي ستر له وهو ستر لها، ولتعلم الزوجة أن زوجها ستر لها وهي ستر له، وبهذا التكامل يكونان سترًا لأولادهما وسكنا آمنا لهم.
4- ليعلم الزوج والزوجة أن خير رباط يجب أن يجمع بينهما هو رباط المودة والرحمة، وهو الرباط الكفيل بإسعادهما وإسعاد الأولاد بغض النظر عن سعة أو ضيق أسباب الرفاه المادية في أسرتهم.
5- ليعلم الزوج والزوجة أن الأسرة ليست ملكًا شخصيًا لأحدهما، بل هي قارب نجاة لهما ولأولادهما، فمن أحدث منهما خرقًا في هذا القارب غرق وأغرق سائر الأسرة.
6- ليعلم الزوج أن زوجته كريمة عند الله تعالى، فإن أكرمها كان كريمًا وإن أهانها كان لئيمًا.
7- ليعلم الزوج أن خير الناس أنفعهم للناس، وأن خير أنفع الناس من كان خيّرا لأهله.
8- لتعلم الزوجة أنها ملكة في بيتها، وطوبى لها إذا نظر إليها زوجها أسرّته، وإذا غاب عنها حفظته في أولاده وماله وعرضه.
9- لتعلم الزوجة أن الاقتصاد في النفقة هو نصف العيش، فطوبى لها إن لم ترهق زوجها بكثرة الطلبات التي قد تكسر ظهره، وقد تدفعه إلى ما لا تحمد عقباه فيعود ذلك عليها وعليه وعلى الأولاد بالخسران المبين.
10- لتعلم الزوجة أن الفرح والسرور والسكينة والطمأنينة لا تشترى بالمال، بل هي ثمرة لشجرة أسرتها، فلتحرص أن تكون شجرة أسرتها طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
11- لتعلم الزوجة أن الذي يجمعها بزوجها وأولادها ليست شركة تجارية، ولا جمعية خيرية، ولا نزوة عاطفية، بل الذي يجمع بينهم هو أرقى رباط إنساني في الوجود، فلتعض على هذا الرباط بنواجذها، ولتتمسك به ما دامت في هذه الدنيا.
12- ليعلم الزوج والزوجة أن الرباط الأمثل بينهما هو الحب قبل رباط الشهوة الجنسية، أو مائدة الطعام، أو سقف البيت الواحد، فما أجمل أن يقول لها: إني أحبك، وما أجمل أن تقول له: إني أحبك. فإن غاب الحب بينهما فلا يجوز أن تغيب بينهما المشاعر الزوجية الحيّة القائمة على اعتبار أن كلا منهما لباس للآخر وشريك له في رعاية البيت وتربية الأولاد.
13- ليعلم الزوج والزوجة أنه لا يوجد حياة زوجية مثالية خالية من أي خلاف وإن صغر، ولذلك سيقع الخلاف بينهما، وقد يتكرر، ولا بد من تجاوزه بالحوار الصافي الشفاف القائم على تقديم مصلحة البيت والأولاد على مصلحة أي منهما.
14- ليعلم الزوج والزوجة أن واجبهما اتجاه الأولاد لا يقف عند حد توفير الطعام واللباس والألعاب والرحلات لهم، بل لا بد من بذل غاية الجهد في تربية الأولاد، ومواصلة إسنادهم في مسيرتهم التعليمية.
15- ليعلم الزوج والزوجة أن تربية الأولاد لا تتحقق في فراغ، ولا في أجواء مُعكرة، ولا في بيت يعصف فيه الصدام الدائم بين الزوجين، بل لا بد من أجواء الحب والمودة وإلا فأجواء الرحمة والسكينة، والتحلي بالمسؤولية الصادقة والأمينة لصناعة أفضل مستقبل للأولاد.
16- الأولاد فلذات الأكباد ولا بد من ربطهم مع ثوابتنا وقيمنا وتاريخنا وحضارتنا، ولا بد من ربطهم مع لغتنا العربية، ومع المناسبات الدينية والوطنية التي تمرّ علينا، ومع أرضنا ومقدساتنا، ومع القدس والمسجد الأقصى المباركين، ومع امتدادنا الإسلامي العروبي الفلسطيني، ومع رسالة الرحمة ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف التي نحملها لكل أهل الأرض.
17- التلقين في التربية نافع للأولاد في مرحلة الطفولة، ثم لا بدّ من تبني لغة الحوار والتوجيه في تربية الأولاد، ولا بد من الاستماع إلى آرائهم وتنمية قدراتهم ورعاية مواهبهم.
18- ليس الزوج معصومًا بلا أخطاء، وليست الزوجة كذلك، ولذلك لا يجوز أن يُطلب من الأولاد أن يكونوا معصومين، وهذا يعني أنه لا بد من تفهم أخطائهم وعونهم على تجاوزها، وعونهم على دوام مصارحة الأبوين بأخطائهم مهما كانت أخطاء هؤلاء الأولاد.
19- البيت ليس هو محضن التربية الوحيد للأولاد، فهناك المدرسة وهناك المجتمع، وهناك الأصدقاء، وهناك دور العبادة، وهناك المراكز الثقافية والنوادي الرياضية وهناك وسائل الإعلام، ما يعني أن المطلوب من الزوجين الاجتهاد بصناعة تكامل بين كل هذه المحاضن وبين محضن البيت التربوي، وذلك يتم بواسطة رقابة راشدة للأولاد وحسن توجيههم.
20- لن نصل في يوم من الأيام إلى منزلة البيت المثالي والزواج المثالي، لذلك قد تقع خلافات بين الزوجين، وقد تقع خلافات بين الزوجين أو أحدهما من جهة، وبين الأولاد أو أحد الأولاد من جهة ثانية، وقد تقع خلافات بين الأولاد وقد يجنح أحد الأولاد في سلوكه، والمطلوب في كل ذلك من الزوجين التحلي بالصبر الجميل والأدب الجميل وسعة الصدر للإحاطة بكل هذه الخلافات، ودوام احتضان البيت والأسرة بالمودّة والرحمة ودوام طلب العون من الله تعالى.