أخبار عاجلةشؤون إسرائيليةومضات

باحثون إسرائيليون يحذرون: الأزمة في أوكرانيا ستضرب الاستقرار في دول عربية مركزية

دعا باحثون إسرائيليون قبيل بدء الحرب الروسية على أوكرانيا بساعات للحذر من تبعاتها الخطيرة على الاستقرار في دول عربية مركزية.

وقال الباحثون الإسرائيليون، إلداد شافيط، وأودي ديكل، وعينات كورتس (باحثون في معهد دراسات الأمن القومي) في مقال مشترك قبيل اندلاح الحرب بساعات قليلة، إنه لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، يتحضّر النظام الدولي لإمكان شنّ روسيا معركة واسعة النطاق في أوروبا، مع الاستعداد للدخول في مواجهة مع الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة. واعتبروا أنه قبل إطلاق الطلقة الأولى، من الواضح أن دول الشرق الأوسط، وبينها إسرائيل، تهمها المحافظة على الوقوف على الحياد بقدر الممكن، والامتناع من الحاجة إلى اتخاذ موقف من النزاع في أوروبا الشرقية واختيار طرف.

ويضيف الباحثون: “فمن جهة، ورغم الإدراك أن الولايات المتحدة تقلص تدخُّلها في الشرق الأوسط، فإن عدة دول في المنطقة لا تزال ترى في العلاقات الجيدة مع الإدارة الأمريكية مدماكاً مركزياً في عقيدتها الأمنية. لكن من جهة أخرى، هي مهتمة أيضاً بالحفاظ على شبكة العلاقات مع روسيا، والتي تعمقت في الأعوام الأخيرة وتشمل اليوم علاقات عسكرية واسعة النطاق، والدفع قدماً بصفقات لشراء سلاح روسي. هذا بالإضافة إلى التدخل العميق لروسيا في الحرب في سوريا”.

تحالف إقليمي

اعتبر الباحثون أنه من السابق لأوانه التقدير بصورة كاملة، التداعيات العالمية للأزمة في أوروبا، ويجزمون أنه سيكون للتطورات العسكرية والسياسية والتسويات، التي سيجري وضعها، تأثير أيضاً في المخاطر والفرص التي ستواجهها دول الشرق الأوسط. وبرأيهم “صحيح أنه ليس باستطاعة هذه الدول منع التدهور العسكري، لكن يتوجب عليها بلورة سياسات والعمل بسرعة، في ضوئها، من أجل تقليص مخاطر محتملة”.

ويضيفون: “أيضاً إسرائيل، مثلها مثل الدول الأُخرى في المنطقة، تحرص حتى الآن على السير بين النقاط والامتناع من التعبير عن موقف إزاء التطورات. اضطرت إسرائيل إلى دعوة مواطنيها إلى مغادرة أوكرانيا كي لا تحتجزهم الحرب -إذا نشبت- وتعرّضت لإدانة من سلطات كييف، بعد أن نُشر أنها طلبت من روسيا المساعدة في إخراج المواطنين الإسرائيليين من أوكرانيا. بالنسبة إلى إسرائيل، التداعيات الأساسية للأزمة تتركز على ثلاثة مستويات: على المستوى العالمي، وعلى مستوى الساحة الإقليمية، وعلى جارتها الأقرب- الساحة الشمالية.

 

في مواجهة الساحة العالمية

وبرأي الباحثين الإسرائيليين الثلاثة، فإنه كلما طالت الأزمة وتعقدت، وخصوصاً إذا نشبت الحرب واستمرت وقتاً، من المتوقع أن يطلب الرئيس بايدن والإدارة الأمريكية، المهتمة بترسيخ وتأكيد المكانة الرائدة للولايات المتحدة في النظام الدولي، اختيار طرف بصورة علنية والدعم الصارم والمشاركة في الضغوط التي ستُمارَس على روسيا، والانصياع لمجمل العقوبات المفروضة عليها. ويرون أنه في مثل هذه الظروف، من الصعب جداً أن تكون الإدارة الأمريكية مستعدة للإصغاء، وأن تتفهم محاولات إسرائيل التوضيح والادعاء أن المصالح الإسرائيلية تفرض عليها المحافظة على قنوات مفتوحة مع موسكو. ومن المعقول أنه إزاء تحفُّظ دول الشرق الأوسط عن إظهار تعاطفها الكامل مع موقف الولايات المتحدة وخطواتها، أن تقوم الإدارة الأمربكية، لاحقاً، بتصفية حسابها مع الدول التي ستحاول الوقوف موقف المتفرج. ويقولون إن الأزمة في أوروبا الشرقية يمكن أن تؤكد للولايات المتحدة أهمية المنطقة كمزود بالطاقة بدلاً من روسيا. مرجحين أنها تتوقع رؤية خطوات في هذا الاتجاه. وبرأيهم برز سعيها لإيجاد بديل في مسألة الطاقة حيال قطر التي اعتُبرت، خلال الزيارة التي قام بها الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني إلى واشنطن مؤخراً، “حليفة مهمة غير عضو في حلف الناتو”.

ويتابعون: “توجهت الإدارة الأمريكية بطلب مشابه إلى السعودية، استُقبل حتى الآن ببرود، لكن من المعقول، لاحقاً، أن يلبّي السعوديون الطلبات الموجهة إليهم، والمتعلقة بسوق الطاقة، من أجل تحسين علاقاتهم مع الإدارة الأمريكية. أحد بدائل تزوُّد أوروبا بالغاز الروسي هو حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، المشتركة بين مصر وقبرص وإسرائيل. سيكون من الصعب على مصر وإسرائيل رفض طلب الولايات المتحدة تزويد أوروبا بالغاز والمساعدة في وقف التزود بالغاز الروسي”.

 

في الساحة الإقليمية

يحذر الباحثون الإسرائيليون من تبعات مباشرة للأزمة في شرق أوروبا على استقرار جزء من دول الشرق الأوسط في الأساس؛ بسبب اعتماد هذه الدول إلى حد كبير على التزود بالمحاصيل الزراعية عموماً، وبالقمح خصوصاً، من أوكرانيا وروسيا. على سبيل المثال، مصر هي إحدى أكبر الدول المستوردة للقمح في العالم، وهي تشتري معظم محاصيلها من روسيا وأوكرانيا. بالإضافة للجانب الاقتصادي ينوهون لارتفاع تكاليف الطاقة والنقل والمواصلات، ويدعون للأخذ بالحسبان أن هذه المشكلات، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها دول كثيرة في المنطقة الناجمة عن الزيادة الديموغرافية وحجم البطالة العالي، في الأساس وسط جيل الشباب، وتأثيرات التغيرات المناخية، كل ذلك سيجعل من الصعب جداً على هذه الدول الحؤول دون تدهور الوضع.  وطبقا لهم فإنه في مثل هذا الواقع، ستزداد احتمالات أن تواجه أنظمة المنطقة صعوداً في الاحتجاج الشعبي من جديد، وستعجز عن تلبية المطالب الشعبية. ويعتبرون أن الدول التي من المحتمل أن يتزعزع استقرارها كنتيجة غير مباشرة للأزمة بين روسيا ودول الناتو، هي الدول الأضعف في المنطقة: سوريا ولبنان وليبيا والعراق، مثلما تزداد المخاوف أيضاً على استقرار الأردن ومصر. ويتابعون: “غني عن الذكر أن عدم الاستقرار في الدول المجاورة سيزيد في التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل ومن المعقول أن هذه يمكنها أن تواجه ارتفاعاً في أسعار الطاقة وتأثيراتها في غلاء المعيشة. ولكن ثمة تحدٍّ آخر بالنسبة إلى إسرائيل يعود إلى تركيز الولايات المتحدة على أوروبا، وهو ما سيسرّع توجّه الابتعاد الأمريكي عن الشرق الأوسط والحد من دعم الولايات المتحدة العسكري لحلفائها في المنطقة.

 

إسرائيل في مواجهة الجبهة الشمالية

يرجح الباحثون الإسرائيليون أن تستغل روسيا ساحة عملها في سوريا كي تثبت للولايات المتحدة أنها تملك أدوات لجعل جبهات إضافية قابلة للانفجار، إلى جانب أوروبا الشرقية، تتحقق عملياً ونظرياً. ويقول هؤلاء الباحثون إنه في الفترة الأخيرة، تضع روسيا العراقيل في طريق المعركة التي تخوضها إسرائيل ضد التمركز الإيراني في سوريا، وضد جهود طهران في نقل السلاح إلى حزب الله في لبنان، عبر الأراضي السورية.  ويستذكرون أنه خلال كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن طائرات روسية وسورية تقوم بدوريات مشتركة في أجواء هضبة الجولان، وأن موسكو ودمشق تنويان الاستمرار في ذلك. وهذه كانت برأيهم رسالة واضحة إلى إسرائيل، مفادها أن روسيا تقدر، إذا شاءت، على إزعاج إسرائيل في صراعها ضد المحور الإيراني كما تجلى ذلك في الأراضي السورية. كما يدعون لضرورة التنبه إلى أن هذه رسالة أخرى لإسرائيل مفادها أن وقوفها إلى جانب طرف في الأزمة بين روسيا والناتو ينطوي على خطر عليها، وهي رسالة إلى واشنطن بأن موسكو تملك أدوات ضغط أخرى.

بناءً على ذلك، الرد الأمريكي على هجوم روسي على أوكرانيا، والذي يمكن أن يتجلى بفرض العزلة على روسيا وتعميق العقوبات المفروضة عليها، من المتوقع أن يكون له تداعيات سلبية على إسرائيل، وفق رؤيتهم. ويرون أنه في إطار الرد الروسي ضد حلفاء الولايات المتحدة، من المحتمل أن تقطع موسكو التنسيق العملياتي الروسي- الإسرائيلي، وأن تحاول التصدي للهجمات الإسرائيلية في سوريا بواسطة منظومة الدفاع الجوي وطائرات اعتراض روسية. وفي الوقت عينه، من المحتمل أن تمتنع روسيا من كبح إيران، وربما تشجعها على استخدام أذرعها، ليس فقط ضد القوات الأمريكية، بل أيضاً ضد إسرائيل.

 

توصيات مركزية لإسرائيل

يعتقد الباحثون الإسرائيليون الثلاثة أن اختيار دول الشرق الأوسط وبينها إسرائيل الحياد، يدل على التغيير الطارئ في مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، وعلى موازين القوى الإقليمية. ويرون أنه مع ذلك، فإن العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة التي تشكل درعاً سياسياً دبلوماسياً حيوياً لإسرائيل، والالتزامات الأمريكية العلنية بأمنها، لا يتركان خياراً أمام إسرائيل -أيضاً لو فضلت الوقوف موقف المتفرج- سوى أن تدعم موقف واشنطن بصورة كاملة ومن دون تردد.

ويتابعون محذرين: “إذا امتنعت إسرائيل عن الوقوف في معسكر الولايات المتحدة وأوروبا، فإن التوترات مع الإدارة الأمريكية ستزداد، وستنزلق أيضاً إلى المطالبة الأمريكية بتقليص شبكة العلاقات مع الصين. ناهيك بأن اسرائيل لا تقدر على رفض طلب واشنطن تطوير بديل لروسيا في تزويد أوروبا بالغاز”.

 

في هذا الإطار يشددون أنه من المهم الحرص على التشاور الدائم مع واشنطن، وأن ننقل منذ الآن رسالة واضحة وملزمة وسرية بأن إسرائيل، عند الحاجة، ستقف علناً إلى جانب الطرف الذي تقوده الولايات المتحدة، حتى على حساب علاقاتها مع روسيا.

كما ينصح الباحثون إسرائيل بالامتناع، قدر الممكن، عن الدخول في مواجهة مع الإدارة الأمريكية، حتى لو أُبرم اتفاق جديد مع إيران في المرحلة المقبلة. ويرون أنه في هذه المرحلة، يجب المحافظة على قنوات الحوار مع موسكو في ضوء الحاجة الحيوية والدائمة إلى منع حدوث احتكاك عسكري في الجبهة الشمالية، كما يجب الاستعداد لسيناريو قطع التنسيق العملياتي بين إسرائيل وروسيا، وأن يجد الجيش الإسرائيلي نفسه في مواجهة تحديات متزايدة في الساحة الشمالية. كما يرون أنه حالياً، يجب الامتناع من بيع السلاح لأوكرانيا ودول تحيط بروسيا، في الأساس السلاح المضاد للدبابات، ومواصلة الامتناع من تزويد الجيش الأوكراني ببطاريات القبة الحديدية.

وبرأيهم على إسرائيل توسيع نطاق مساعيها لترسيخ علاقاتها مع دول المنطقة، وأن تنقل إليها رسائل إيجابية، استعداداً لاحتمال نشوب اضطرابات داخلية فيها، بهدف الحؤول دون انسحابها من عملية التطبيع. ويعتبرون أن هذه ستكون رسالة أيضاً إلى الولايات المتحدة بأن إسرائيل لا تقف فقط مع الجانب الصحيح، بل تعمل على ترسيخ جبهة إقليمية تؤيد سياستها. كذلك يدعون للاستجابة إلى المحاولات التي تبذلها تركيا للتقرب مجدداً كونها دولة مهمة في الناتو وتحسين العلاقات معها سيعزز موقع إسرائيل الاستراتيجي وأرصدتها في المنطقة.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى