مجزرة منسية وجرح لا يندمل.. 39 عاماً على مذبحة نيلي ضد مسلمي الهند
في أبشع واقعة قتل شهدتها الولايات الهندية منذ الحرب العالمية الثانية، تحل ذكرى مرور 39 عاماً على مذبحة نيلي بولاية آسام الهندية التي تشير تقديرات إلى أن آلاف المسلمين قُتلوا على إثرها بسبب العنف الطائفي.
تكررت أعمال العنف والمذابح في مناسبات عديدة منذ استقلال الهند عن التاج البريطاني، بشكل رئيسي بسبب القومية الهندوسية واستغلالها في تأجيج التطرف، واستغلال مسألة “الأجانب” أو المهاجرين القادمين من بنغلاديش.
لكن اندلعت أكثر الاحتجاجات عنفاً في هذا الصدد في 18 فبراير/شباط من العام 1983، وبلغت ذروتها في حمام دم مروِّع عُرف باسم مذبحة نيلي، التي قُتل فيها ما يتراوح بين 2000 إلى 5000 مسلم في 6 ساعات تقريباً، على يد حشود من القوميين وبتآمر من الشرطة الهندية التي لم تتدخل أو ساعدت القوميين.
مَن الضحية ومَن الجاني في مذبحة نيلي؟
يعيش في إقليم آسام الهندي غالبية من المهاجرين المسلمين القادمين من دولة بنغلاديش. وكانت الجالية البنغالية المسلمة والبنغال بشكل عام الهدف الأساسي لحركة آسام المناهضة للأجانب في الفترة من (1979-1985).
حدثت الإبادة الجماعية بمذبحة نيلي في خضم هذا التحريض على مستوى الولاية، والذي كان له طابع جماعي شعبي ضد “المهاجرين الأجانب” ذوي الغالبية المسلمة.
وكان قادة الحركة القومية المتطرفة، الذين عملوا تحت اسم مشترك يُدعى اتحاد طلاب آسام (AASU) للتحريض على وجود البنغاليين في البلاد.
وقبل انتخابات حُكام الولايات عام 1983 في آسام، عارضت حكومة البرلمان في العاصمة حذف أسماء هؤلاء “الأجانب” من القوائم الانتخابية وناشدت بتمثيلهم لمناطقهم؛ ورداً على ذلك، تحدى اتحاد الطلاب إدراج “الأجانب”.
ونظم الاتحاد الهندوسي المتطرف جنباً إلى جنب مع اتحاد طلاب مدينة جواهاتي واتحاد طلاب مقاطعة كامروب بولاية آسام الهندية، التحريض المناهض للانتخابات على نطاق واسع في آسام، بحسب موقع QuartZ.
التأجيج القومي يتحول إلى عنف عنصري
سرعان ما تحولت الفتنة ودعوات الرفض لـ”الأجانب” والمسلمين إلى عنف في ولاية آسام، فقد أُحرقت عدة جسور وتم قطع الطرق لمنع الوصول إلى صناديق الاقتراع، كما اختُطف أفراد عائلات المرشحين الذين تقدموا بطلبات للترشيحات.
وتشير التقارير الواردة من لجنة تيواري التي أجرت تحقيقاً رسمياً في أعمال الشغب في ذلك الوقت وفقاً لموقع The Print الصحفي، إلى أنه بين يناير/كانون الثاني 1983 ومارس/آذار 1983، وقع 545 هجوماً على الطرق والجسور ، وتم تسجيل أكثر من 100 حادثة اختطاف.
وقالت اللجنة إنه تم الإبلاغ عن 290 حادثة إطلاق نار من قبل الشرطة في ولاية آسام.
ومع انتشار التحريض الذي تزعمه متطرفون هندوس، أصبح شعب الخلونجية (وهم السكان الأصليون للولاية، بما في ذلك أيضاً الطبقة الهندوسية الأسامية) منخرطين بشكل متزايد في نقل الخطب اللاذعة المعادية للمهاجرين.
مما يضفي مزيداً من الشرعية على الخوف الذي تم ترويجه كذلك من خلال الاجتماعات والمنشورات المنتظمة وعمليات العنف على نطاق أصغر نسبياً.
في ظل هذه الظروف، كان الخلونجيات متحمسين بما يكفي للاعتقاد بأن المهاجر هو العدو الأكبر- بل هو تهديد وجودي- لمجتمعهم وثقافتهم.
من المحتمل أن تكون مجازر شبيهة بمذبحة نيلي قد حدثت في العديد من الأماكن في ذلك الوقت. وبالفعل تم توثيق مذابح في عدة مناطق أخرى، مثل تشولكوا شابوري وسيلاباتار.
ومع ذلك، قد يُنظر إلى مذبحة نيلي، نظراً لحجمها الهائل، على أنها نموذج تمثيلي للإشارة إلى سلسلة العنف ضد الأقليات التي ارتكبها متطرفو آسام.
تركيبة ولاية آسام العرقية المتنوعة
الحقيقة أن نسبة كبيرة من الأساميين الحديثين في البلاد هم من الناحية الفنية مهاجرون وأجانب. إذ تضم تلال الولاية ووديان النهرين الرئيسيين في الولاية، براهمابوترا وباراك، حوالي 80 مجموعة عرقية.
وجاء ملوك آهوم الذين حكموا ولاية أسام منذ القرن الثالث عشر من بورما. وقد صد الجنرال لاشيت بارفوكان هجمات المغول المتكررة في القرن الثامن عشر وأبقى على حكم المنطقة.
ولكن في عام 1817، تم غزو مملكة آهوم نفسها من قبل البورميين. سيطرت شركة الهند الشرقية، التي جاءت لمساعدة المملكة وقادت البورميين إلى حدودهم، على سهول آسام من خلال معاهدة “ياندا بوو” لعام 1826، بحسب موقع معرفة للتاريخ والمعلومات.
وغدت هذه الولاية جزءاً من الهند البريطانية بين عامي 1826ـ1842. واستقلت مع مجموع الولايات الهندية من السيطرة البريطانية عام 1947. أما عاصمة الولاية منذ عام 1972 فهي مدينة ديسبور القريبة من مدينة غواهاتي.
وعلى مدى السنوات الـ120 التالية، شجع البريطانيون موجات الهجرة من قبل مجموعات عرقية أخرى مثل النيباليين والبنغاليين، مما أصبح فيما بعد باكستان الشرقية.
ويمثل المسلمون في آسام قرابة 30.9% من إجمالي عدد سكان الولاية، حيث تعتبر ثاني الولايات الهندية من حيث عدد المسلمين بعد جامو وكشمير، ويبلغ عدد المسلمين بها حوالي ثمانية ملايين ونصف المليون نسمة.
ويضم شمال شرق الهند الذي يشترك في حدوده مع الصين وميانمار وبنغلاديش وبوتان أكثر من 200 مجموعة عرقية وقبلية، وهو الموقع الذي يعاني من حركات انفصالية منذ استقلال الهند عن بريطانيا عام 1947.
ويسود شعور هناك بمعاداة الوافدين خصوصاً المسلمين منهم بين أبناء القبائل التي تسكن ولاية آسام أيضاً، وهي قبائل يدين أغلبية أبنائها بالديانة الهندوسية، وبعضهم تحول إلى المسيحية خلال القرون الثلاثة الماضية.
يوم المجزرة
في ذروة الاحتجاجات والعنف، تدهورت العلاقات بين المجتمعات المسلمة والهندوسية، مما أدى إلى مذبحة نيلي.
بدأ الأمر بطريقة منهجية في قرية بوربوري في صباح يوم 18 فبراير/شباط 1983. حيث حوصرت قرية نيلي و13 قرية أخرى بحشد مسلحين بالبنادق والمناجل.
وفي حمام الدم الذي أعقب ذلك، تم الإبلاغ عن مقتل أكثر من 1800 شخص بينما بلغ عدد القتلى غير الرسمي 5000 بحسب مقال بموقع India Today.
وفي إفادة للصحفي الهندي هيميندرا نارايان، الذي غطى المجزرة، قال: “بطريقة منهجية، أُحرقت منازل المستوطنات الإسلامية في ديمالجاون، كما أن مجموعة التلال الخضراء الخلابة بأكملها كانت مغطاة بسحابة سوداء كثيفة من الدخان، وكأن الظلام قد حل في الظهيرة”.
الخطة كانت معروفة قبل أيام من وقوع المجزرة!
في 15 فبراير/شباط من العام نفسه، أي قبل ثلاثة أيام من المجزرة، أرسل ظاهر الدين أحمد، الضابط المسؤول عن مركز شرطة ناوجونج، وهو الإقليم الذي وقعت فيه الأحداث، برقية إلى الكتيبة الخامسة لشرطة آسام المتمركزة في ماريجاون، يحذر فيها من احتمال وقوع أعمال عنف في نيلي.
وذكرت البرقية:
“وردت معلومات عن حوالي ألف أسامي من قرى نيلي المجاورة بأسلحة فتاكة تم تجميعهم في نيلي بقرع الطبول. الأقليات في حالة ذعر وتتخوف من هجوم في أي لحظة. يجب العمل الفوري للحفاظ على السلام”.
وعلى الرغم من أنه تم رفع إجمالي 688 قضية تتعلق بالمذبحة، إلا أن الشرطة قدمت أوراق اتهام في 310 قضايا فقط تم إغلاقها في النهاية، ولم تتم معاقبة أي متورط في الوقائع.
في أكتوبر/تشرين الأول 1997، قال رئيس وزراء ولاية آسام آنذاك، برافولا كومار ماهانتا، لـ India Today، “انتهى الأمر بمجرد أن قامت حكومة الكونغرس في ذلك الوقت بدفع التعويضات لأهالي القرية”.
وقالت رئيسة الوزراء آنذاك إنديرا غاندي، التي زارت نيلي بعد المذبحة: ” اللوم يقع بشكل أساسي على الطلاب والمحرضين؛ لقد خلقوا مناخاً من العنف من خلال رفض المحادثات مع الحكومة فيما يتعلق بالانتخابات”.
في ذلك العام، فازت حكومة البرلمان في انتخابات ولاية آسام بأغلبية ساحقة بحصولها على 91 مقعداً من أصل 109 مقاعد، ما شكل عدم تمثيل جذري لتركيبة الولاية.
وبعد عامين من مذبحة نيلي، في عام 1985، تم التوقيع على اتفاقية آسام – التي حددت الموعد النهائي لتحديد “هوية الأجانب” في 24 مارس/آذار 1971، أي اليوم السابق لبدء حرب تحرير بنغلاديش التي تسببت لاحقاً في نزوح الملايين.
بمعنى أنه من هاجر إلى الهند بعد التاريخ المذكور لا يُعد مواطناً ويتم اعتباره أجنبياً بإقامات وحقوق محدودة، وغياب تمثيلهم رسمياً في البلاد.
مجزرة منسية وجرح لا يندمل
قد يتم إغلاق قضية مذبحة نيلي بتاريخها الملطخ بالدماء ونسيانها بالنسبة للأغلبية في الهند، لكن هذه الجروح لم تلتئم أو حتى يتم علاجها.
بل يتم إحداث جروح جديدة بانتظام، وفي بعض الأحيان، يتم توجيه اعتداءات جديدة على نفس الجرح، إذ تعاني ولاية آسام حتى اليوم من وقائع إجرامية عديدة ضد المهاجرين، ويعاني المسلمون فيها من اضطهاد واستهداف ممنهج.
إذ يحشد رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي وحزبه الحاكم “بهاراتيا جاناتا” قاعدتهما القومية الهندوسية جزئياً من خلال الدفع بمبادرات تضع أكثر من 200 مليون مسلم بالبلاد نصب الاستهداف.
وتقوم سياسة مودي على تشتيت انتباه الهنود بعيداً عن مشاكل الهند الحقيقية مثل الفقر والتعليم والصحة والبطالة، إلى إضرام العداء بين الهندوس والمسلمين، وجعل المسلمين بمثابة عدو للهند.
وتمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي الهندية اليوم بمقاطع فيديو لأشخاص نصَّبوا أنفسهم حماة للهندوسية يطالبون بإعدام المسلمين دون محاكمة، وهو عمل شائع لدرجة أنه لم يعد يصنع أخباراً بعد الآن.
ونادراً ما يتم حجز أتباع التفوق الهندوسي البارزين بسبب خطاب الكراهية. ويتعرض المسلمون بشكل روتيني لهجمات عشوائية؛ لقيامهم بنقل الماشية أو التورط في علاقات مع هندوسيات.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، أقرّت الهند قانون الهجرة الذي يُسرِّع منح المواطنة للمهاجرين غير الشرعيين من البلدان المجاورة طالما كانوا هندوساً أو أتباع أحد الأديان الخمسة الأخرى في الهند، باستثناء المسلمين. وفرض قادة الأحزاب في عدد من الولايات الهندية قوانين لحظر تحويل الديانة من خلال الزواج، باستخدام مصطلح “جهاد الحب”، الذي لا يدع مجالاً للشك في من تستهدف هذه الإجراءات.