أخبار رئيسيةأخبار عاجلةعرب ودولي

مجلة: الانتهاكات ضد الإيغور الأشد منذ الحرب العالمية الثانية

نشرت مجلة “ذي نيو ستيسمان” البريطانية، تقريرا تناول “ما يحدث وراء سور شي جين بينغ الفولاذي العظيم”، متحدثة عن العقاب الجماعي الذي تتعرض له أقلية الإيغور المسلمة من السلطات الصينية “بشكل لا يرحم أحدا”.

وكتب جون سيمبسون، في تقرير المجلة الذي ترجمته “عربي21″، عن الإجراءات التمييزية بحق الإيغور التي فرضتها الصين، مستعرضا الانتهاكات الصراخة التي تتم، واصفا إياها بأنها “أشد سياسات العقاب الجماعي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”.

وقال سيمبسون الذي يعمل أيضا محررا للشؤون العالمية في “بي بي سي”؛ إن المسؤولين في الصين أمروا باستخدام “أدوات الدكتاتورية” ضد الإيغور بحجة محاربة الإرهاب.

وتاليا النص الكامل للتقرير:

يتعرض 12 مليونا من الإيغور الذين يقطنون مقاطعة شينجيانغ في الصين لواحدة من أشد سياسات العقاب الجماعي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في حملة صممت لتغييرهم كبشر وإعادة قولبة معتقداتهم والحد من عددهم.

في عام 2018 نقلت لجنة تابعة للأمم المتحدة عن تقارير تفيد بأن ما بين واحد إلى مليونين من الإيغور وغيرهم من الأقليات المسلمة، تم احتجازهم في معسكرات سياسية. ويتعرض عدد أكبر من ذلك بكثير للقهر وسوء المعاملة بسبب انتمائهم الديني أو العرقي أو بسبب ما يحملون من أفكار.

وهذه ليست مجرد تجاوزات يرتكبها مسؤولون محليون أخذتهم الحمية، بل هي عناصر أساسية في سياسة وضعها شخصيا الرئيس شي جين بينغ.

في بداية الأمر، أنكر المسؤولون الصينيون كل شيء –وتكرر منهم ذلك الموقف في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2020، عندما أصدر سفير الصين لدى الأمم المتحدة بيانا، زعم فيه أن “إنجازات الصين في تنمية حقوق الإنسان مشهود لها على نطاق واسع”، ثم راحوا من بعد يبررون السياسة التي كانوا قد أنكروها من قبل.

لقد كان هناك بالفعل تاريخ من الإرهاب الذي مارسه متطرفون إسلاميون وقوميون ضمن الإيغور، وثمة تقديرات تفيد بأن ما يقرب من خمسة آلاف ذهبوا للانضمام إلى تنظيم الدولة في العراق وسوريا، ما جعل الإيغور أكبر فرق من المقاتلين الأجانب ضمن صفوف داعش.

وفي عام 2009، نجم عن أعمال الشغب التي قام بها الإيغور في أورومقي، عاصمة شينجيانغ مقتل ما يقرب من مائتي شخص، معظمهم من عرقية الهان الصينية. الذين تم استهدافهم عمدا وتعرضوا للقتل على يد الرعاع.

بعد ذلك، بدأ الإرهاب ينتشر إلى ما بعد شينجيانغ، حيث قامت مجموعة من الإيغور في الأول من آذار/ مارس بمهاجمة محطة للقطارات في كانينغ، في إقليم يونان، ما أسفر عن مقتل واحد وثلاثين شخصا وجرح 141 آخرين.

وفي الشهر التالي زار شي جين بينغ، وفي سلسلة من اللقاءات السرية عقدها مع مسؤولي الحزب المحليين، أمرهم باستخدام “أدوات الدكتاتورية” من أجل محاربة الإرهاب والاختراق والانفصالية، وقال: “يجب أن نكون بقسوتهم نفسها، وألا يروا مني شفقة أو رحمة، فالحرية لن تصبح متاحة إلا عندما يتم استئصال هذا الفيروس من تفكيرهم”.

كلمات زي معروفة تماما، لأن شخصا ما داخل المراتب العليا في الحزب الشيوعي الصيني قام في عام 2019 بتسريبها إلى وسائل الإعلام الغربية، ضمن 403 صفحات ووثائق تحتوي على تهديدات الرئيس وأوامره.

من الواضح أنه ليس كل المسؤولين في الصين يرون أن القهر الجماعي هو السبيل القويم للتعامل مع الإرهاب، بل إن بعضهم لديهم الاستعداد للمجازفة وتعريض أنفسهم للخطر في سبيل تقويض سياسة الحكومة. ورغم أن شي جين بينغ يتمتع بسلطات ضخمة، ويمكن أن يظل رئيسا مدى الحياة لو أراد، إلا أنه يوجد داخل الحزب معارضة واضحة المعالم، ولربما كانت منظمة.

ورد تأكيد ما يجري في شينجيانغ من مصادر كثيرة، منها عمل المراسلين الشجعان مثل مراسل البي بي سي جون سدوويرث، أو عمل المنظمات بما في ذلك التجمع الدولي للصحفيين الاستقصائيين، أو من خلال الشهادات الصادمة التي أفاد بها الناجون، أو من الأدلة المرئية في الأفلام التي التقطتها الأقمار الصناعية أو الطائرات المسيرة، والعدد الكبير المدهش من الوثائق الرسمية المسربة.

فقد غدا مستحيلا الحفاظ على سرية وجود هذه المعسكرات الكثيرة المنتشرة في نواحي مقاطعة شينجيانغ.

بعد إنكارها في البداية وجود مثل هذه المخيمات، تقول السلطات الصينية الآن إنها جزء من برنامج إعادة التعليم المهني، الذي ينفذ على نطاق واسع بهدف تخفيف حدة الفقر، وكذلك منع الإرهاب.

تم من خلال صور الأقمار الصناعية التي دقق فيها معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي، الذي تموله جزئيا الحكومة الأسترالية، التعرف على ما لا يقل عن 380 مركز اعتقال في إقليم شينجيانغ، تتراوح ما بين مرافق ذات إجراءات أمنية مخففة، إلى ما يمكن اعتباره سجونا محصنة مجهزة بأبراج مراقبة وأسوار مرتفعة وأسلاك شائكة.

لاحظ خبراء المعهد الأسترالي بأن الكثير من المعسكرات تقع إلى جوار مناطق صناعية. لا يوجد أدنى شك في أن السجناء يستخدمون كعمالة قسرية في صناعات الملابس والنسيج والإلكترونيات واللوحات الشمسية.

وبحسب ما يقوله خبراء المعهد، فإن 83 ماركة أجنبية وصينية استفادت بزعمهم من العمالة القسرية لسجناء الإيغور، ومن بين هذه الماركات أبيل وأمازون وماركس أند سبنسر ونايك وأديداس وغيرها.

وتكررت المزاعم بأن جل إنتاج القطن في الصين يُزرع في شينجيانغ ويقوم على إنتاجه العمال المسخرون.

ويقول المسؤولون الصينيون إن هذه الاتهامات جزء من حملة من الأخبار الزائفة والدعاية الغربية، ويعمد رجال أعمال وأكاديميون من كثير من الأقطار حول العالم، ممن يعتمدون في معيشتهم على المنح والهبات الصينية، إلى إعادة نشر هذه الرسالة، ولكن عندما قام التجمع الدولي للصحفيين الاستقصائيين بتسليم البي بي سي والغارديان وغيرها من المنصات الإعلامية ملفا مسربا يحتوي على وثائق للحكومة الصينية، تم إخضاع هذه الوثائق للتدقيق من مختلف الخبراء الذين أعلنوا في النهاية أنها حقيقية.

تحدد هذه الوثائق التي تحمل توقيع زهو هايلون، الذي كان أعلى مسؤول أمني في شينجيانغ في ذلك الوقت، الظروف التي ينبغي أن يخضع لها أي شخص من الإيغور يشك في تعاطفه مع الإرهاب (وهو مصطلح فضفاض جدا).

يتوجب على نزلاء المعسكر أن يبقوا فيه عاما واحدا على الأقل قبل أن ينظر في أمرهم ويتقرر ما إذا كان يمكن إطلاق سراحهم؛ لأن الواحد منهم قد يظل رهن الاعتقال إلى الأبد. يوجد نظام نقاط بإمكان الواحد منهم أن يكسبها كلما حقق تحولا أيديولوجيا وأثبت تجاوبه والتزامه.

بعد ذلك يتم نقلهم إلى مخيم أدنى رتبة حيث يخضعون لستة شهور أخرى من التدريب على المهارات العمالية، التي كثيرا ما تعني تعلم تصنيع الماركات العالمية، وطوال ذلك الوقت لا يملكون من أمرهم شيئا، وتخضع حياتهم للسيطرة التامة.

ويبدو أن اغتصاب السجينات بات أمرا شائعا، سواء من قبل المسؤولين أو من قبل كل من لديه الاستعداد لدفع الثمن المطلوب للوصول إليهن. وتشير تقارير أخرى، على الدرجة نفسها من المصداقية، بأن السلطات المحلية تقوم قسرا بتركيب وسائل منع الحمل في النساء، في مسعى لتقليص معدلات الولادة بين الإيغور وخفض تعداد سكانهم.

في منطقة هوتان داخل شينجيانغ، التي يسود فيها الإيغور، أصدرت دائرة التعليم توجيها في عام 2017 يحظر استخدام لغة الإيغور في المدراس والجامعات. وفي السنة ذاتها حظرت مجموعة من الإجراءات الجديدة في شينجيانغ لباس النقاب وإطلاق اللحى الطويلة أكثر من اللازم، وبات مخالفة يعاقب عليها القانون رفض مشاهدة أو الاستماع إلى إذاعة وتلفزيون الدولة. وتعددت المزاعم بأن السجناء من الإيغور يجبرون من قبل سجانيهم الصينيين على أكل لحم الخنزير وشرب الخمر.

كان مردان جبار، البالغ من العمر واحدا وثلاثين عاما، عارضا ناجحا في شينجيانغ، وكان من بين من اجتاحتهم عملية الاعتقال الجماعي. في لحظة ما، وبمحض الصدفة، أعاد إليه السجانون بعضا من حاجياته التي كانت قد أخذت منه، بما في ذلك هاتفه الجوال، فاستغل جبار هذه الفرصة غير المتوقعة ليرسل إلى عائلته مقطع فيديو، صور فيه الأوضاع داخل المحبس وصور نفسه وهو مقيد بالأغلال إلى سريره.

وشمل المقطع شرحا لمشاهد رآها من الازدحام الشديد داخل المعتقل وصراخ المعتقلين الذين يتعرضون للضرب على أيادي سجانيهم، كما شرح لعائلته ما يسمى “البذلات المكونة من أربع قطع”، التي يجبر السجانون المحبوسين على ارتدائها إذا لم يبدو تعاونا، وهي: أغلال في اليدين، وأصفاد في الرجلين، وكيس أسود على الرأس. وبشجاعة منقطعة النظر، طلب جبار من عائلته نشر الفيديو وتعميمه على الناس، ففعلوا فوصلت الصور إلى سائر أرجاء المعمورة.

لم تسمع أخبار عن مردان جبار منذ شهر آذار/ مارس 2020، ويبدو أن السور الفولاذي العظيم الذي قال شي جين بينغ إنه بات مطلوبا لحراسة شينجيانغ قد أحاط به من كل جانب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى