الخيانة الزوجية
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
في مقالة سابقة، تطرقت إلى ارتفاع نسبة الطلاق في مجتمعنا بشكل ملحوظ، وفي استطلاع بحثي للمحكمة الشرعية أظهر أن أخطر الأسباب المؤدية للطلاق هي الخيانات الزوجية! نعم، هذه الظاهرة المتزايدة التي باتت تقوض استقرار الأسرة واستمرارها، لما تحوي هذه الخيانة من آلام نفسية وأزمات أسرية تعصف بمجتمعنا.
ولو حاولنا تعريف مصطلح “الخيانة”، لوجدنا أن هذا المصطلح فضفاض ومرن يحتمل الكثير من المعاني، فالخيانة مفهوم عام ممكن أن تكون خيانة مالية أو خيانة فكرية أو خيانة عسكرية أو غير ذلك من أشكال الخيانة، لكنني سأفصّل في هذا المقال مفهوم الخيانة الزوجية وتدرجاتها، فقد تبدأ الخيانة من النظرة حتى الزنا- والعياذ بالله- وهو الدرجة الأخيرة من درجات الخيانة، خيانة العِرض والشرف. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يملك الإنسان حرية التصرف أو التفريط بعرضه؟! الجواب: من المؤكد لا، لأن الله سبحانه وتعالى أعطانا هذا الِعرض أمانة يجب علينا المحافظة عليها وحراستها وعدم التفريط فيها، وقد أوضح لنا ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حين أخبرنا قائلا: (من مات دون عِرضه فهو شهيد) لذلك عندما استغاثت امرأة مسلمة وصرخت وا إسلاماه، جُيّشت لها الجيوش وفُتحت لأجلها دول. إذن، فالأصل في شرعنا الحنيف حماية الأعراض والذود عنها، لكن ما نشهده في واقعنا اليوم، يجرنا جرًا للتهاون في حماية أعراضنا، لا بل يجعلنا نقع في خيانة أعراض بعضنا البعض مع ما يحيط بنا من انحلال أخلاقي من خلال العري والسفور الذي نعيشه، والغزو الإعلامي الانحلالي من خلال الأفلام الإباحية والأغاني الماجنة والمسلسلات الساقطة، فبتنا نعيش وسط تحدٍ كبير في كيفية الحفاظ على أنفسنا وأسرنا فجميع الأجواء المحيطة بنا تدفع بضعفاء النفوس إلى الخيانة الزوجية.
وللتوضيح هنا، أقول إن الأبحاث للصحة النفسية تشير إلى أن من أدمن على النظر إلى المحرمات من النساء أو من الرجال، حتما سيؤدي هذا الإدمان إلى عدم اقتناع الزوج بزوجته، والعكس صحيح، لِما ثبت في خياله أو عقله الباطن من صورة نمطية عن المرأة المثالية!! خاصة في ظل توحيد مقاييس الجمال فأصبح للجمال شكل واحد عالميا وليس كما كان في السابق لكل بلد أو دولة مقاييسها الخاصة. إذن أعود وأؤكد أن غض البصر من كِلا الطرفين هو العلاج الشافي والوافي لمشكلة الخيانة الزوجية ولا ننسى أن النظرة الأولى لك والثانية عليك. ولو بحثنا في أسباب الخيانة الزوجية لوجدنا أن هنالك عدة أسباب منها تختص بخيانة الزوج وأخرى تختص بخيانة الزوجة. أمّا التي تختص بالزوج فتتمثل في: غياب الوازع الديني (سبب مشترك للزوج والزوجة)، الخيانة من باب المغامرة، الصحبة السيئة، تحقيق رجولة وهذه عند المراهقين أو مراهقة الخمسين لدى البالغين، الملل من كل شيء، إدمان جنسي، الخوف من التعدد.
أمّا الأسباب المؤدية لخيانة الزوجة: انتقاما بسبب خيانة الزوج، الحرمان العاطفي، انهزام نفسي ومشاكل زوجية وهروب من الواقع، احتياج مادي، عدم انسجام الزوجة مع زوجها وبنفس الوقت لا تريد الطلاق حتى لا يقال عنها مطلقة. وهنالك سبب مهم جدا هو الذي يفتح كل الأبواب المؤدية للخيانة، إنه الاختلاط غير الشرعي الذي بات ميسورا وممكنا في كل وقت وحين من خلال الصداقات على مواقع التواصل، حيث يبدأ الأمر بالتدريج فيبدأ الحديث عابرا وطبيعيا، ويتطور تدريجيا حتى يصل لكلمات الإطراء والغزل والحب، ومن لم يملك نفسه ويسمح لها بالانحدار أكثر وأكثر قد يقع في الخيانة الكبرى والعياذ بالله وهي الزنا. لذلك قبل أن تقع المصيبة وأنت تبرر لنفسك التجاوزات الشرعية في علاقاتك الفيسبوكية أو الوجاهية اسأل نفسك وبضمير حي: هل لديك القوة أو المقدرة أن يضطلع الناس على ما تتحدث به بالخفاء مع الطرف الآخر؟!!! هل لديك جواب مقنع لله عز وجل عن سبب تصرفاتك هذه؟!!!
لذلك، علينا أن نربي أنفسنا على الخوف من الله أولا وأخيرا، وأن نضع الحدود لعلاقاتنا، خاصة تلك العلاقات بين الرجال والنساء وألا تكون تلك العلاقات إلا للضرورة القصوى وضمن نطاق الشرع، وأن نحيي مفهوم الحياء والعفة في تربيتنا لأبنائنا وتوعيتهم بالآثار السلبية للخيانة والزنا. حفظنا الله وإياكم من كل سوء وأذى.