السحر المعاصر!!
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
في الأزمنة الماضية، كان للسحر والسحرة المكانة المرموقة عند الملوك والحكام والرؤساء، لما يتمتعون به من مقدرة على قلب الحقائق وتحريفها، وفقا لأهواء ومصلحة الحاكم. وقد ذكر لنا القرآن الكريم فرعون كمثال واضح على ذلك وكيف أنه اتخذ من السحرة بِطانة له يستشيرهم بكل أمور الدولة، ويدافعون عن حكمه الظالم الباطل من خلال سحرهم وقلبهم للحقائق وتمويهها، حتى يستطيع السيطرة والتحكم بأبناء الشعب. فكان السحرة آنذاك يمثّلون السلطة الرابعة التي لها الدور الكبير في تنفيذ سياسة الحاكم. وفي موقف آخر يظهر لنا القرآن الكريم أعداء الدين، كيف أنهم في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام استعملوا أسلوب السحر اللفظي في محاربة الإسلام، من خلال التلاعب بالكلمات والألفاظ، حيث كانوا يستعملون في حديثهم مع النبي صلوات الله عليه وسلامه عبارات ظاهرها الخير وباطنها الشر والفساد، لكن الله عز وجل كشفهم وفضحهم كذلك أمام العالمين. وكمثال على ذلك اعتماد أعداء الدين لكلمة راعنا التي كان يتداولها المسلمون بمعنى: (اهتم بنا أو استمع لنا يا محمد- صلى الله عليه وسلم) لكن أعداء الله كانوا يقصدون بها عند حديثهم مع الرسول معنى آخر وهو، الرعونة التي تعني الجبن والمجون والهوان. لذلك نهى الله عز وجل المؤمنين عن استعمال هذه الكلمة من خلال الآية الكريمة: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا أنظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم). وممّا يتضح لنا أنه في العهد النبوي انتقل الكفار من أتباع فرعون ومن يدورون في فلكه من أسلوب السحر المادي إلى أسلوب السحر الكلامي أو الإعلامي بشكل أصح، من خلال قلب المعاني وتحريفها عن السياق الصحيح، كيف لا، وهو السلاح القديم الجديد الذي يستعمله أعداء الله في سبيل الإساءة لهذا الدين وتشويهه أمام العالم، وفي قلوب المسلمين ضعاف الإيمان!! وقام أعداء الدين بتطوير هذا السلاح الذي له فعالية أقوى وأخطر من سلاح الحديد والنار على الشعوب، خاصة بعد فشل الحملات العسكرية الاستعمارية على بلاد المسلمين، لذلك أيقن أعداء الدين المتمثلين بالغرب الصليبي والصهيوأمريكية أن الحل الوحيد للقضاء على الإسلام هو القضاء على روح الإسلام في قلوب المسلمين. فقاموا وفق خطة ممنهجة بتنفيذ غزوهم الإعلامي والفكري والثقافي على أبناء الأمة المسلمة أينما تواجدوا، من خلال حرب إعلامية عبر جميع المنصات وعلى أيدي أمهر السحرة المشهورين الذين لديهم الخبرة الكبيرة في فنّ الدجل والتدليس حسب ما يتماشى مع مصلحة هذا التحالف، ضاربين بعرض الحائط المصداقية الإعلامية وتحري الحقائق وإظهارها للعامة، فأمعنوا في الكذب والافتراء على الدين وإثارة الشبهات حوله. وفي المقابل، عمل هؤلاء (السحرة) الإعلاميون على ترسيخ المفاهيم الغربية المنحلة وتشويه القيم الدينية والأخلاقية والوطنية لدى الجيل المعاصر من أبناء الأمة المسلمة، وقاموا بالتركيز على فئة الأطفال من خلال الرسوم المتحركة وتسميم عقول الأطفال من خلال تحبيبهم بشخصيات كرتونية معينة، كصاحب العين الواحدة الذي يرمز للدجال، علم المثليين الذي يرمز للشذوذ الجنسي، وبعض الرموز الشيطانية في مسلسل “سبونج بوب” الكرتوني، على سبيل الحصر لا القصر، كذلك يتعمد جنود وسحرة هذا الغزو أن يضعفوا الإيمان في قلوب الشباب وسلخهم عن معتقداتهم الدينية والعقدية من خلال الغزو الإعلامي المتمثل ببث المسلسلات والأفلام الإباحية والأغاني الساقطة والدعايات والإعلانات العارية، التي تخدش الحياء. ولن ننسى تركيز هذا الغزو على فئة النساء، لما لهذه الفئة من أهمية في بناء وتقدم الأمة فهم يعلمون جيدا من أين تُأكل الكتف!! لذلك فقد ركّزوا على قضايا المرأة، وحقوقها المهضومة في كافة المجالات ونسبوا هذا الهضم إلى الإسلام من خلال قلب الحقائق وتحريفها، وقد نجح أعداء الإسلام إلى حد كبير في سِحْر بعض الشرائح المجتمعية، وغسل أدمغتهم، وتعبئتها بأفكار غربية، وإذا عدنا إلى الوراء 20 سنة، لرأينا الفرق الشاسع والتغيير الواضح في فهم الأمور وتحليلها وتأثير الإعلام على المفاهيم والأيديولوجيات المختلفة.
لذلك فإن من أوجب الواجبات علينا، أن ندرك خطر هذا الإعلام وندرك أنه فعلا سلاح العصر المستخدم ضد الإسلام، لا سيّما وأن المسيطر الأكبر على المنصات الإعلامية هم أعداء الدين. ولكن أملنا كبير بأن من أبطل السحر القديم في الأزمان الغابرة، سيبطل السحر المعاصر بنفس السلاح، وهو سلاح القرآن الكريم والسنة النبوية.
وأخيرا، أود أن أتوجّه إلى كل صاحب ضمير ووعي ديني وفكري أن يستخدم وسائل الإعلام المتاحة له لخدمة هذا الدين والذود عن حياضه، بنشر الحقيقة الكاملة دون لبس أو نفاق. ونستخدم نفس السلاح المستخدم ضدنا في تفنيد ودحض كل التشويهات والهجمات على ديننا الحنيف، وأن نجعل من هذه المنصات الإعلامية واجهة للدعوة وإظهار الوجه الحقيقي للإسلام.