عشرات آلاف النازحين بلا مأوى شمال غربي سورية
بات عشرات آلاف النازحين من مناطق سيطرت عليها قوات النظام أخيراً أسرى معاناة إنسانية، وأكدت مصادر في المعارضة السورية أنها “تكاد تصل حدود المأساة، في ظل تقاعس المنظمات الأممية الإنسانية عن أداء دورها حيالهم، واكتفت الأمم المتحدة بالتعبير عن القلق، فيما يهيم النازحون على وجوهم في ظروف مناخية صعبة، وندرة في الخيم”. ورسم ناشطون ومسؤولون محليون صورة قاتمة في محافظة إدلب، مع نزوح معظم الهاربين من الموت في مواجهة قوات النظام، مشيرين إلى أن “المنطقة تشهد حركة نزوح ربما تعدّ الكبرى في تاريخ الصراع على سورية”، موضحين أن “الحركة مرشحة للازدياد، في ظل تقدم قوات النظام التي تقوم بعمليات انتقام بحق المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها”.
وبدأت حركة نزوح كثيف من ريف حماة الشمالي الشرقي، وريفي إدلب الجنوبي والشرقي، إضافة إلى ريف حلب الجنوبي، باتجاه مناطق في ريف حلب الغربي، وأخرى في محافظة إدلب شمال غربي سورية، مع تقدم قوات النظام ومليشيات إيرانية تساندها، وذلك خوفاً من عمليات انتقام واسعة النطاق لهذه القوات في كل المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وأعادت هذه الحركة إلى الأذهان مشاهد النزوح الكبير للسوريين خلال الأعوام الماضية، خصوصاً في أواخر عام 2015 ومطلع عام 2016، مع نزوح عشرات آلاف السوريين بعد بدء التدخل العسكري المباشر من قبل الطيران الروسي إلى جانب قوات النظام. وسيطرت قوات النظام خلال الأسبوع الماضي على عشرات القرى في ريف حماة الشمالي الشرقي وقرى أخرى تابعة لريفي إدلب الجنوبي وإدلب الشرقي. ما اضطر أهلها للنزوح بشكل كامل.
كذلك نزح أهالي قرى باتت مهددة على وقع تقدّم قوات النظام في ريف إدلب الشرقي للوصول إلى بلدة سنجار ومطار أبو الظهور العسكري. وذكرت مصادر في الحكومة السورية المؤقتة لـ”العربي الجديد” أنه “حتى الخامس من الشهر الحالي نزح أهالي 242 نقطة في ريف حماة الشرقي، وريف إدلب الجنوبي”، مقدّرة عدد العائلات بنحو 22612 عائلة، عدد أفرادها يربو على 113299 شخصاً، من بينهم 22744 رجلاً، و28293 امرأة، و62095 طفلاً.
وأكد ناشطون أن “عدد النازحين منذ بداية العام الحالي في تلك المناطق أكبر من ذلك بكثير”، مشيرين إلى أن “حركة النزوح لا تزال متواصلة”، متوقعين زيادتها خلال الأيام القليلة المقبلة “مع استئناف العملية العسكرية المتوقفة بسبب الأحوال الجوية”.
وكشفوا أن “معظم النازحين يعيشون في خيم نصبوها بأنفسهم، بسبب عدم قدرة المخيمات القديمة على استقبال وافدين جدد”، وأوضحوا أن “النازحين يعيشون ضمن ظروف مأساوية بسبب الظروف الجوية القاسية، وبسبب عدم وجود أي اهتمام بهم من قبل المنظمات الإنسانية الدولية، وأيضاً لعدم قدرة المنظمات المحلية على تقديم الدعم الكفيل بالتخفيف من معاناة عشرات آلاف النازحين دفعة واحدة”.
من جانبه، أكد ممثل المجالس المحلية التابعة للمعارضة في ريف حماة الشرقي، ريان الأحمد، لـ”العربي الجديد”، أن “عدد النازحين من ريف حماة الشرقي، وريفي إدلب الجنوبي والشرقي، وريف حلب الجنوبي يتعدّى الـ 250 ألف نسمة”، لافتاً إلى أن “مدناً وبلدات نزح أهلها بشكل كامل، منها التح والقرفة وسنجار”. وكشف أن “90 ألف نسمة نزحوا من قرى ريف حماة الشرقي”، مضيفاً أن “النازحين يعيشون في ظروف مأساوية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معانٍ، بسبب فصل الشتاء”.
وكشف أن “الناس لم تكن مجهزة للنزوح، ومن ثم لم يكن لديها معدات هذا النزوح، وخاصة الخيم. ليس هناك أمكنة يستطيع النازحون الذين استطاعوا تأمين خيام نصبها فيها”. ووصف الأحمد الدعم المقدم من المنظمات الإنسانية بـ “الخجول”، مطالباً بـ”تحرك فوري من المنظمات الدولية لمواجهة أكبر موجة نزوح حدثت في سورية”. وذكر أن “النازحين بأمس الحاجة لخيم تقيهم برد الشتاء، إضافة إلى تجهيز أماكن تكون صالحة لإقامة مخيمات تؤوي عشرات النازحين”، موضحاً أن “عدداً كبيراً من النازحين هائمون على وجوهم”.
من جانبها، اكتفت الأمم المتحدة بـ “إبداء القلق” حيال عمليات النزوح الكبير لعشرات آلاف السوريين جراء القصف الجوي المتواصل، وتقدم قوات النظام. وأعلن نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، في مقر المنظمة الدولية بنيويورك، مساء الجمعة، أن “الأمم المتحدة ما تزال تتلقى تقارير مزعجة عن القتال المستمر والغارات الجوية على السكان المدنيين في شمال غربي سورية”. وأضاف “نودّ أن نذكر جميع الأطراف بالتزامها بحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات، وفقاً لما يقتضيه القانون الإنساني الدولي، وقانون حقوق الإنسان”. وأردف قائلاً: “نشعر بالقلق من جراء تداعيات القتال على المدنيين شمالي سورية. ففي الثالث من يناير/ كانون الثاني الحالي، أفادت التقارير بأن غارات جوية أصابت قرية تل الطوقان، في ريف إدلب، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص”. ولفت حق إلى أن “الغارات الجوية أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص في بلدة معرة النعمان، يوم الأربعاء الماضي، ما أدى إلى توقف مستشفى الأمومة والأطفال عن العمل. وكانت هذه هي المرة الثالثة في أقل من أسبوع التي تتعرض فيها المستشفى للغارات الجوية”.