أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الأسرة الآمنة طريقنا نحو مجتمع آمن

أميّة سليمان جبارين (أم البراء)

مع تفشي وباء العنف في المجتمع بشكل ملحوظ، ومع تداعياته السيئة على كل فرد فينا، سواء أصابنا هذا الوباء بصورة خاصة أم لا، إلا أن توغل هذا الوباء في المجتمع بات يؤرق مضجع كل عاقل وكل غيور على مجتمعه، وبات البحث عن أسباب وتداعيات هذا المرض المستشري مطلب كل فرد من افراد المجتمع، وكما يقال إذا أردت أن تحل أية مشكلة فعليك الرجوع إلى الأساس، ونحن كما نعلم أن الأسرة هي اللبنة الأولى والأساس في بناء المجتمع، فإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع، وإذا أمنت الأسرة أمن المجتمع، لأن الأسرة صورة مصغرة عن المجتمع، فبقدر ثقافة الأسر بقدر ما تتشكل ثقافة المجتمع، وكما هو معروف بأن ركيزة الأسرة، الأب والأم، فإذا ما نجحا في تسيير سفينة الأسرة بأمن وأمان، فهما بذلك يسيران بالمجتمع بأكمله إلى الأمن والأمان، لأن الأمن والأمان مطلب أساسي لحياة مطمئنة لكل الناس، فحياة لا أمن وأمان فيها يسودها الخوف والقلق وعدم الاستقرار، لأنه وكما يقولون “فاقد الشيء لا يعطيه”. ومن هنا نخلص لنتيجة أنه كلما ارتفعت نسبة العنف في الأسرة ارتفعت نسبة العنف بالمجتمع، لذلك علينا كما ذكرت آنفا قبل أن نبحث عن أسباب العنف في المجتمع والحلول لهذه الظاهرة، علينا البحث أولا عن أسباب العنف في الأسرة والعمل على حلها، وقبل أن نبدأ بالبحث عن الأسباب والحلول علينا أولا أن نعرف معنى مصطلح العنف وأنواعه: فهو يعني سلوك متعمد بالضرر والأذى اتجاه الآخرين ويندرج تحت هذا الضرر عدة أنواع منها:

  1. العنف الجسدي: ضرب، شد، صفع، ركل، أو استخدام أدوات حادة ويعاني الشخص نتيجة هذا العنف من إصابات بليغة وقد تصل إلى حد الموت.
  2. العنف النفسي: وهو استخدام الألفاظ والإيماءات التي تضم السخرية والاستحقار، الذل، الإهانة، التقليل من قيمة الشخص، الاستبداد، والاستغلال العاطفي.
  3. العنف الجنسي: وهو الاعتداء والتحرش الجنسي التي تحدث في بعض البيوت وهو كذلك يستخدم ضد الجنسين.

4 .الحرمان والإهمال: حيث يقوم أحد الوالدين أو كلاهما بإهمال الأطفال أو أن يهمل الزوج زوجته والعكس كذلك.

  1. العنف الاقتصادي: حيث يمارس الأقوى فيه سيطرته واستبداده على الجانب الضعيف من أفراد الأسرة والتحكم بالموارد الاقتصادية المتمثلة بالمصروف أو منع الآخر من العمل لإذلاله. ومما لا شك فيه أن العنف النفسي بما يندرج تحته من عنف لفظي وإهانة يُعتبر من أسوأ وأصعب أنواع العنف لأنه يترك أثرا طويل الأمد في نفسية المُعَنف من اهتزاز شخصيته وفقدانه ثقته بنفسه وبالآخرين الذين كانوا يشكلون بالنسبة له مصدر الأمان، وقد يدخل المُعَنف في حالة اكتئاب قوي تؤدي به إلى الانتحار، وعند البحث عن أسباب هذا العنف الأسري نجد أن هنالك عدة أسباب تؤدي إلى أن يصبح الشخص عنيف منها:
  2. أن الشخص العنيف قد عايش أو تعّرّض لعنف في طفولته أو شبابه من قبل والديه أو جهة أخرى، كالمعلم، أصدقائه، لذلك نجد أن المنحرفين والمجرمين عادة قد عاشوا في بيئة متناحرة بين الوالدين قلما يجدوا الأب بجانبهم ولا شعروا بحنان وعطف والدتهم وافتقدوا إلى التوجيه الصحيح من قبل الوالدين، لا بل نشأوا على موروث أسري بأن العنف يعتبر الوسيلة الأنجع للتربية والتوجيه ومعاملة الزوجات، فهنالك للأسف أناس يعتقدون أن الزوجة بحاجة بين الفينة والأخرى إلى الضرب (قتلة) حتى تبقى تخاف زوجها وتطيعه.
  3. أسباب اقتصادية: وقد لاحظ العالم أجمع كيف أن نسبة العنف في الأسر قد ارتفعت بشكل ملحوظ إبان ذروة جائحة كورونا حيث تدهور الوضع الاقتصادي لدى الجميع، مما هيأ الظروف للمشاحنات بين الزوجين بشكل خاص واستعمال العنف بشتى أنواعه بينهما.
  4. غياب الوازع الديني وعدم الاقتداء بهدي نبينا العظيم في كيفية التعامل مع الزوجات والأبناء والأمهات والأخوات وعدم الانصياع لأوامره عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حين قال: ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم. ويذكر أن الرسول الهادي صلوات ربي وسلامه عليه قام خطيبا في أصحابه فقال لهم: لقد طاف بآل محمد اليوم نساء كثير كلهن يشتكين من أزواجهن، ثم قال: والله ما أولئك بخياركم وإن صلوا وصاموا وحجوا وقرأوا القرآن، وقال: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. وجميعنا نعلم علم اليقين كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع زوجاته رضوان الله عليهن، بالرفق واللين والحلم ويراعي ظروفهن، بينما نجد اليوم بعض الرجال يستقوي على زوجته ويسيء أدبه معها، لا بل يتعدى عليها ويضربها ويهينها ويسُبها أمام أبنائها وفي المقابل تجده ضحوكا مع الناس عبوسا مع أهله كريما مع الناس بخيلا مع أهله حليما مع الناس سريع الغضب مع أهله لطيفا مع الناس سيء الأخلاق مع أهله، مما يولد بيئة غير آمنة لحياة أسرية مشروخة، لا نرجو منها أية مساهمة في بناء مجتمع آمن لأن العنف لا يؤثر فقط على الفرد المُعَنف بل يؤثر على المجتمع ككل، ولو بحثنا في العوامل المؤدية لهذا العنف الأسري لوجدنا أن هنالك عدة عوامل منها:
  5. عوامل بيولوجية: عامل وراثي، طبيعة شخصية الفرد، لذلك على الأهل قبل الموافقة على الزواج أن يبحثوا جيدا في تاريخ عوائل الزوج المستقبلي لابنتهم، والعكس كذلك، لأن العنف لا يقتصر على الزوج، بل هنالك زوجات عنيفات كذلك، لكن نسبتهن ضئيلة فلا نكاد نشعر بها، أضف إلى ذلك أن الزوج ربما يخجل من البوح أن زوجته عنيفة أو تمارس عليه نوعا من أنواع العنف الأسري، بعكس المرأة التي تبوح في معظم الأحيان عن معاناتها من عنف زوجها أو أخيها أو حتى ابنها.
  6. اضطرابات نفسية وسلوكية وعاطفية.
  7. تعاطي الكحول والمخدرات.
  8. قلة الوعي الاجتماعي بشأن حقوق أفراد الأسرة ودورها في التنشئة الاجتماعية.
  9. الموروث الاجتماعي الذي يميز بين الرجل والمرأة ويسمح للرجل فعل أشياء على الرغم من أنها تنافي الدين والعادات، وحتى نخرج من دائرة العنف الأسري علينا أن نعمل وفق إستراتيجيات ممنهجة نسير وفقها في التعامل بين أفراد الأسرة، من خلال معرفة حدود كل فرد في التعامل مع الآخر، وأن ننشئ الأبناء منذ الصغر على مفاهيم حق الاختيار والقرار وتحمل المسؤولية وتحمل النتائج، وعلى الأهل أن يهتموا بتربية أولادهم الدينية والمعنوية كما يهتمون بتربيتهم المادية وذلك من خلال زيادة الأوقات التي نقضيها مع الأبناء ومشاركتهم في بعض الأمور وتقوية الروابط العاطفية والشعورية.

وأخيرا وليس آخرا، التركيز على مفهوم الحوار وجعله أساس التعامل في حياتنا الأسرية، وأنه ليس بالضرورة أن يكون الطرف الآخر نسخة طبق الأصل عني أو عنك بل هناك اختلاف في الشخصيات والعقليات وأسلوب التفكير، وهذا الشيء يعتبر إيجابيا في الحياة الأسرية وليس سلبيا، لأنه يزيد من طرق حل المشاكل إن وجدت ويزيد من صور بلورة الأمور ووضعها في مكانها الصحيح، وعلينا دائما وأبدا أن نستحضر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلكم راعِ وكلكم مسؤول عن رعيته”، فليأخذ كل فرد منا مسؤوليته نحو العيش بأمان وإنشاء أسرة آمنة حتى نرتقي إلى مجتمع آمن مطمئن سخاء رخاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى