هذا حقي بقرار رباني
أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
لطالما كانت قضية حق المرأة في الميراث، مثار جدل ونقاش بين أوساط ضعاف الإيمان تارة الذين يريدون أن يستأثروا بأملاكهم على أبنائهم الذكور، لحجج واهية سأذكرها فيما بعد، وبين الحاقدين على الإسلام من النسويات والنسويين وغيرهم الذين يَدَّعون ظلم الإسلام للمرأة في قضية الميراث والانتقاص من حقها بناء على الآية الكريمة: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) لذلك سأبين في هذا المقال تفنيدات هذين الاتجاهين.
ما يميز قضية الميراث بكل ما فيه من تقسيمات متشعبة تحتسب وفق درجة القرابة من الورثة، قد جاءت مفصّلة بآيات بيّنات محكمات في سورة النساء هي آيات المواريث، ويعود ذلك لأن الله عز وجل يعلم علم اليقين مدى ضعف النفس البشرية أمام الأموال، فأوضح لنا الحقوق بالتفصيل في هذه الآيات، حتى لا يتلاعب بها أي كان، ومن أراد التلاعب أو التنصل من تطبيق هذه الأحكام فجزاؤه جهنم خالدا فيها والعياذ بالله، لِما ورد في قوله تعالى آخر آيات التوريث: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ). وفي حديث شريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اقْتَطَعَ حَقَّ امرئٍ مسلم بيمينه، فقد أَوْجَبَ اللهُ له النارَ، وحَرَّمَ عليه الجنةَ) فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ فقال: (وإنْ قَضِيبًا من أَرَاكٍ). فمن خلال هذه الآية الكريمة وهذا الحديث الشريف، يتضح للجميع كبر عقوبة من يتعد حدود الله وأحكامه ومن يأكل حقوق الآخرين. فويل لك يا آكل حق ابنتك وحق أختك في الميراث الذي منحه الله لهن.
لكن المصيبة والطامة الكبرى، أننا نجد في زماننا هذا أن أغلب من يحرمون الإناث من الميراث ليسوا جُهّالا ولا أميين، لكنهم من روّاد المساجد وحجاج بيت الله- يعرفون ويحرفون- ويحضرني في هذا المقام قصة الخنساء مع أخيها صخر، حيث كانت تذهب إليه وتقول له: لقد افتقرت يا أخي فيأتي صخر ويقسم غنمه إلى نصفين ويعطيها النصف حيث كان زوج الخنساء مقامرا وقد فعل صخر هذا الموقف مع اخته عدة مرات، حتى اعترضت زوجته في إحدى المرات، فأجابها صخر ألا يكفي أنها تحمي عِرضي وتحافظ عليه؟! فإذا كان رجال الجاهلية بهذه المروءة والكرم والشهامة فما بالكم يا رجال الإسلام، ألا تأخذكم الحمية والنخوة وتنصاعوا لأوامر الله وتؤدوا الأمانات إلى أصحابها.
فكم نسمع عن أخوات أو بنات لم تسامح في حقها بل وتدعو على حارمها حقها من الميراث، وكم سمعنا عن أناس ماتوا وحرموا بناتهم وأخواتهم حقوقهن، وألقوا بأنفسهم طواعية بنار جهنم لأنهم رضوا أن يأكلوا السحت في دنياهم، وكما قال رسولنا عليه أفضل الصلاة واتم التسليم: (أيما جسد نبت من السحت فالنار أولى به). أمّا على الصعيد الثاني، حيث هناك فئة من الحاقدين على الإسلام كما ذكرت تتهم التشريع الإسلامي بعدم المساواة وعد الإنصاف مع المرأة مستندين إلى الآية الكريمة: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) وجعلوا هذه الآية الكريمة لجهلهم بالتشريع الإسلامي وكأنها أساس القسمة في الميراث، مع العلم أن هناك عدة أوجه لتقسيم الميراث قد بيّنتها آيات المواريث في سورة النساء لمن أراد الاستزادة والمراجعة، ولكن إلى أولئك الجهلة أقول: إن الله في هذه القسمة قد ضمن العدل بين الذكر والأنثى، فلا يعقل أن يأخذ الذكر الذي عليه تجهيز البيت وعلية القوامة في المصروف على المرأة سواء كانت أما أو أختا أو زوجة، أن يأخذ مثله مثل الأنثى التي يمكنها الاحتفاظ بحقها لنفسها دون أي وجوب على أن تصرف منه على معيشتها أو معيشة زوجها، فتبقى حصتها من الميراث كما هي.
وإلى أولئك الحاقدين أقول هل تعلمون أن المرأة ترث نصف الرجل في الفقه الإسلامي كله في أربع حالات فقط، وفي سبع حالات ترث المرأة مثل الرجل تماما وفي عشر حالات ترث المرأة أكثر من الرجل، وفيما يقرب من عشرين حالة ترث المرأة ولا يرث الرجل، مما نستدل من خلاله أن الله جعل الميراث مقياسا على الأنثى.
أتوجه بقلب يعتصره الألم إلى أولئك المتشددين الذين يحرمون بناتهم وأخواتهم من حقهن في الميراث، أن عودوا إلى الله وطبقوا شريعته وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا. وإلى الأبناء أقول، حتى لو لم يعط الأب أخواتك حقهن في الميراث، فكن أنت من يطبق شرع الله ويرد الحقوق إلى أصحابها، ولتكن دعوة الأخت لك لا عليك، لتكن دعوتها سببا في توسيع رزقك وإطالة عمرك بدلا من أن تكون دعوتها عليك سببا في مرضك وفقرك.