أبناء الضياع وغياب القدوة
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
لا يخفى على أحد حجم الخطر المحدق بنا كمجتمع مسلم، بعد أن اختلط الحابل بالنابل، ولم نعد نستطيع التمييز بين الخبيث والطيب، في عصر يُمجد فيه السفهاء ويُلّمع فيه الرويبضة ويُشيْطن فيه رجال الحق، بتنا نعيش حربا ممنهجة على الإنسان المسلم، حربا غير تقليدية، بل حربا إلكترونية منظمة على عقول الشباب المسلم بالذات. لأنهم عماد الأمة ومصدر نهضتها وقوتها. فقد استخدم الغرب هذه التقنيات كوسائل للحرب ضد فئة الشباب، والأطفال بالذات!!! من خلال صناعة قدوات سيئة وساقطة يقتدون بها!! من خلال مسلسلات الرسوم المتحركة للأطفال وإيجاد قدوات تتماشى معهم ومن خلال الأغاني والمسلسلات والأفلام التي تركز على العلاقة العاطفية المحرمة بين الرجل والمرأة، وتغييب العلاقة الراقية بينهما كعلاقة الأخوة في الله، أو الزمالة المحترمة أو علاقة الزواج. ومن خلال غرس قيم ومفاهيم بعيدة كل البعد عن ديننا ومجتمعنا المسلم، فأصبح الهم الأول للشاب أن يصبح مثل اللاعب الفلاني أو مثل الممثل العلاني وأصبحت الفتاة قدوتها الممثلة صاحبة الجسد المغري إلى ما غير ذلك. ولم يستطع الغرب السيطرة على عقول شبابنا إلا في ظل نضوب القدوات الإسلامية في هذا الزمان!! وليس السبب في هذا النقص بالقدوات عدم وجودها. بل السبب الرئيس محاربة هذه القدوات الإسلامية بشتى الطرق والوسائل، من خلال شيطنتها تارة، أو مطاردتها ومحاصرتها وعدم السماح لها بالظهور من على منصات السوشيال ميديا وطرح فكرتها والتعريف بمنهجها وأيديولوجيتها أو حتى سجنها بل قتلها إن لزم الأمر!! والسبب في محاربة هذه القدوات يرجع لما تتمتع به من قوة التأثير على من حولها واعتبارها مرجعية دينية، وثقافية وفكرية.
وقد تتمثل القدوة بشخص، أو مجموعة أشخاص أو ربما دولة. ونحن عندما نتفق على شخص ما على أنه قدوة يرجع ذلك إلى أن هذا الشخص توافق أقواله أفعاله ويكون نموذجا مثاليا ومثلا أعلى في سلوكه وأفعاله وتصرفاته، لا سيما أولئك الذين يعول عليهم في صلاح الأمة وفسادها. والقدوات كغيرها من الطاقات تتوفر في زمن وتقل في آخر، بل قد تصبح القدوة عملة نادرة، كما أخبرنا رسولنا القدوة الأولى: (الناس كالإبل المئة لا تكاد تجد فيها راحلة). ومما لا شك فيه أن غياب القدوات يشكل فراغا كبيرا في حياة الشباب علينا أن نملأه بالقدوات الصالحة وعلينا بداية أن نجعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا الأولى وأسوتنا ومعلمنا فهو القدوة الشاملة التي احتوت شتى مناحي الحياة.
وهنالك من بعده قدوات من الصحابة والعلماء والصالحين والفاتحين الذين يمكن أن نتخذهم قدوات ونستفيد من خبراتهم ونجاحاتهم ويكونوا لنا قدوة نستنير بنهجهم على طريق الحق. لذلك رغم كل هذا الواقع المؤلم وحالة الضياع والتخبط التي يعيشها شبابنا إلا أنه لا عذر لهم عن تحمل المسؤولية لِما وصلنا إليه لأن الحل بين أيديهم لكنه بحاجة إلى جهد من قبلهم والتزام بشريعة الله وتقوية أيمانهم وإلا جرفهم تيار الحرية المطلقة والتساهل بشرع الله.
وجدير بالإشارة إلى أن غرس محبة القدوات الحسنة أو بلغة سلفنا الصالح “بالصالحين” في نفوس الناشئة من قبل الوالدين مطلب ضروري حتى لا يفقد هذا الناشئ سواء كان ذكرا أم أنثى البوصلة في غمرة الحياة وتزاحم تلميع الشخصيات المزيفة كما اسلفت من خلال الإعلام بأشكاله المختلفة، ذلك أن الطفل أو الغلام تكون ثقته عالية جدا بتوجيه والديه.
ولا يغيب عن بالنا أن غياب القدوات الحسنة يشكل فراغا كبيرا في حياة الشباب، إن لم تملئه القدوات الصالحة ستملأه القدوات السيئة وهم كثر في زماننا هذا وبإمكاننا رؤيتهم في كل مكان، في جوالاتهم، عبر الإنترنت في غرفهم، ومن خلال رفاق السوء، ودعاة الباطل الذين نراهم على كل قناة وفي كل مقابلة وهنا مكمن الخطر لأن اتخاذهم قدوة يعني الميل القلبي لهذه الفئة الساقطة والابتعاد عن البوصلة كما ذكرت آنفا، فعلينا أن نستعيض عن هذه القدوات السيئة بقدوات حسنة من تاريخنا وحضارتنا الإسلامية العريقة ومن شخصياتنا الإسلامية الفذة.