مترجم: تدريس الدين الإسلامي في إسبانيا.. كيف يؤثر ذلك في الإسلاموفوبيا هناك؟
نشر موقع «يورو إسلام»، وهو شبكة تضم مجموعة من الباحثين والعلماء الذين يُعِدُّون أبحاثًا مقارنة حول الإسلام والمسلمين في الغرب، تقريرًا حول خطوة غير مسبوقة اتخذتها المدارس العامة في كاتالونيا، الواقعة في أقصى شمال شرق شبه الجزيرة الإيبيرية، بإدراج مادة الدين الإسلامي منهجًا اختياريًّا خلال العام الدراسي 2020-2021.
على الرغم من وجود حوالي 90440 طالبًا مسلمًا في كاتالونيا – التي أعلنت استقلالها من جانب واحد عن إسبانيا في عام 2017- وهو رقم قياسي على مستوى الأقاليم الإسبانية، فإن هؤلاء الطلاب لم يتسن لهم من قبل دراسة الدين الإسلامي في المدارس العامة. وعلى الرغم من مطالبة نحو ألفي طالب بدراسة الدين الإسلامي في المدارس العامة، لم يتسن لهم حتى الآن دراسة الإسلام سوى في المساجد أو في الجمعيات الإسلامية أو في المراكز الخاصة، وفقًا لاتحاد الجاليات الإسلامية في إسبانيا (UCIDE).
بعد شكاوى متكررة ما فتئت المنظمات الإسلامية ترفعها طيلة سنوات، نشرت الحكومة الكتالونية قرارًا في سبتمبر (أيلول) 2020 يقضي بتنفيذ خطة تجريبية لتدريس مادة الدين الإسلامي مادةً اختيارية في المدارس العامة. وخلال العام الدراسي 2020-2021، أدرجت ست مدارس عامة، في أجزاء مختلفة من الإقليم، مادة الدين الإسلامي ضمن خطتها الدراسية، وركزت على السنوات الأولى من المرحلتين الابتدائية والثانوية، في إطار خطة تطمح إلى التوسع في تقديم دورات أخرى في المستقبل. وقد التحق حوالي 90 طالبًا بهذه الصفوف في نسختها الأولى.
وفقًا للإجراءات المعمول بها، تقترح المفوضية الإسلامية في كاتالونيا أسماء المدربين المؤهلين لتدريس المنهج، على أن تتولى وزارة التعليم مسؤولية الاختيار النهائي والتوظيف الرسمي. وفق هذا المسار، عُيِّنَ ثلاثة مدرسين هذا العام لتدريس مادة الدين الإسلامي في كاتالونيا.
يلفت التقرير إلى فائدة هذه الفصول التي تعلم الطلاب القيم الإسلامية، على اعتبار أنها غالبًا ما تتوافق مع القيم التي تحض عليها الأديان الأخرى. صحيح أن معظم الطلاب الذين التحقوا بهذه الدورات الاختيارية كانوا من المسلمين، لكن بعض الأطفال من الأديان الأخرى- وحتى اللاأدريين- التحقوا أيضًا بهذه الفصول، وهو توجه حظي بقبول ممثلي الجاليات الإسلامية في إسبانيا.
ووفقًا لمراجعة أجرتها وزارة التعليم الكاتالونية ونشرت في شهر يونيو (حزيران) 2021، حصلت الخطة التجريبية على تقييم إيجابي، ليس فقط من الحكومة، ولكن أيضًا من المدارس والمعلمين المسؤولين عن هذه الفصول. لذلك، ستستمر الخطة التجريبية، بل ستتوسع خلال العام الدراسي 2021-2022، بإضافة مدارس عامة إلى البرنامج.
مبادرات مماثلة في جميع أنحاء إسبانيا
وفقًا لقانون عام 1992، الذي أقر اتفاقيات التعاون بين الدولة الإسبانية والمفوضية الإسلامية الإسبانية، يحق للمسلمين الحصول على التعليم الديني الإسلامي في المدارس العامة، وكذلك في المدارس ذات التمويل المختلط، العامة منها والخاصة.
وعلى الرغم من أن الموافقة على مناهج هذه الفصول الدراسية، والاتفاق على تعيين المدربين، يرجع إلى عام 1996، حلَّ عام 2020 ولم يكن سوى 12 مجتمعًا مستقلًّا فقط في إسبانيا (من أصل 19) قد أدرج مثل هذه الدورات الاختيارية، ومعظمها في المدارس الابتدائية، وأدرجتها ثلاثة مجتمعات فقط في المرحلة الثانوية. يُرجِع التقرير هذا العدد المنخفض، في بعض الجوانب، إلى تعذُّر تدريس المادة الاختيارية إلا إذا تقدم 10 طلاب على الأقل بطلبٍ للمدرسة، مما يعني أن بعض الأماكن لم يكن بها عدد كافٍ من الطلاب الراغبين في التسجيل.
تخطط بعض الأقاليم الأخرى لإدراج مادة التربية الإسلامية في المدارس قريبًا. لتحقيق هذا الهدف، وقعت جزر البليار في عام 2019 اتفاقية مع المفوضية الإسلامية الإسبانية، لولا أن تأجل التطبيق؛ بسبب جائحة كوفيد-19. وتهدف الخطة إلى إدراج مثل هذه الدورة التعليمية في مدرستين أو ثلاث مدارس خلال العام الدراسي 2021-2022.
لكن حتى عندما يُدرَج التعليم الديني الإسلامي في مناهج المدارس العامة، فإن الأقاليم التي تتمتع بحكم ذاتي لا تكاد تدعم هذا التوجه ماليًّا. وقد اشتكى بعض المدرسين من نُدرة المعلمين، وهم غالبًا ما يضطرون إلى السفر لمسافات طويلة، والتدريس في مواقع مختلفة، حتى يتسنى لهم تقديم هذه الخدمة إلى أبناء المنطقة بأكملها.
على الرغم من وجود حوالي 326360 طالبًا مسلمًا في إسبانيا، كان هناك 80 أستاذًا فقط في عام 2020 يُدَرِّسون مادة الدين الإسلامي في المدارس العامة، وفقًا لاتحاد الجاليات الإسلامية في إسبانيا. بيدَ أن عدد الأساتذة الذين يُدَرِّسون هذه المادة تضاعف تقريبًا في السنوات الخمس الماضية؛ إذ كان عددهم 46 فقط في عام 2015.
بالإضافة إلى ذلك، يُدَرِّس معظم هؤلاء المعلمين في المناطق الجنوبية؛ حيث عُيِّنَ 23 منهم في الأندلس، و14 في سبتة، و10 في مليلية. صحيح أن أعدادًا كبيرة من الطلاب المسلمين في هذه المناطق يمكن أن يلتحقوا بهذه الصفوف- 49560 في الأندلس، و7350 في سبتة، و9150 في مليلة- بيدَ أن المناطق الأخرى التي تضم عددًا مماثلًا أو أكثر من الطلاب المسلمين لديها عدد أقل بكثير من المدرسين.
على سبيل المثال، يوجد في كاتالونيا أربعة مدرسين لتعليم لحوالي 90440 طالبًا مسلمًا، ويوجد في مدريد ثلاثة معلمين لتعليم 46170 طالبًا، ويوجد في فالنسيا ثلاثة مدرسين لتعليم 33570 طالبًا، ويوجد في أراجون خمسة مدرسين لتعليم 10350 طالبًا، ويوجد في قشتالة لا مانتشا معلمين للتدريس لـ1070 طالبًا، ويوجد في إقليم الباسك خمسة مدرسين لتعليم 9680 طالبً.
ويوجد في جزر الكناري مدرس واحد لتعليم 9180 طالبًا، وفي قشتالة وليون ستة مدرسين لتعليم 6220 طالبًا، وفي لا ريوخا خمسة مدرسين لتعليم 3300 طالب، وفي إكستريمادورا ثلاثة مدرسين لتعليم 3010 طلاب. لا غروَ والحال هكذا أن يُحرَم 90% من الطلاب المسلمين في إسبانيا من الحصول على التعليم الديني الإسلامي في المدارس العامة، بحسب اتحاد الجاليات الإسلامية في إسبانيا.
إصلاحات تربوية.. وصعود حركات كراهية الأجانب
أدى تنفيذ الخطة التجريبية في كاتالونيا إلى إعادة فتح النقاش الوطني حول مشروعية إدخال التعليم الديني إلى المدارس العامة. منذ عام 1978، أصبحت إسبانيا دولة غير دينية، لكنها تسمح في الوقت نفسه للمنظمات الدينية بإبرام اتفاقية تعاون مع الدولة، من أجل تقديم التعليم الديني في المدارس، من بين أمور أخرى. في هذا السياق القانوني، عقدت الدولة الإسبانية شراكة قوية مع الكنيسة الكاثوليكية، التي ظلت لعقود تتمتع بامتيازات أكثر من المؤسسات الدينية الأخرى.
ومع ذلك، ينخفض عدد الطلاب المسجلين في هذه الفصول باطراد، لا سيما في المدارس العامة. إذ تراجع معدل التسجيل في فصول الدين الكاثوليكي إلى أدنى مستوى له خلال العام الدراسي 2020-2021؛ إذ كان أقل من نصف الطلاب (48.8%) في المدارس العامة مسجلين في دورات الدين الكاثوليكي، وفقًا لمؤتمر الأسقفية الإسبانية (SEC)، على الرغم من أن العدد أكبر بكثير في المدارس الخاصة (75%) والمدارس المختلطة الحكومية والخاصة (90%).
حاولت حكومة الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني (PSOE) مرارًا تقليل عدد فصول الدين في المدارس العامة. ومن هذه الجهود، قانون التعليم الجديد الصادر في ديسمبر (كانون الأول) 2020 (المعروف اختصارًا باسم LOMLOE)، الذي يقضي بعدم احتساب فصول الدين ضمن درجات الطلاب، وعدم تدريسها في المدرسة الثانوية. وبينما يسلط بعض أعضاء الحكومة الكاتالونية الضوء على أن الطلاب المسلمين، مثل طلاب الديانات الأخرى، لهم الحق في تلقي التعليم الديني في المدارس العامة، فإنهم يعلنون أيضًا تفضيلهم استبدال التعليم الديني في المدارس بدورة حول ثقافة الأديان.
من ناحية أخرى، قوبل قرار إدراج التعليم الديني الإسلامي في المدارس بانتقادات حادة من بعض الحركات اليمينية والمعادية للأجانب. إذ أطلق حزب فوكس اليميني المتطرف، الموجود في الكونجرس الإسباني وبرلمان كاتالونيا، حملة لوقف ما وصفه بالأسلمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل الانتخابات الكاتالونية في 14 فبراير (شباط) 2021.
وجزءًا من هذه الحملة، بث الحزب مقطع فيديو، من بين رسائل أخرى معادية للأجانب، يربط بين الإسلام والإرهاب، ويخلط بين الأخبار المتعلقة بالسكان المسلمين في كتالونيا – من بينها إطلاق الخطة التجريبية للتعليم الديني الإسلامي- والهجمات الإرهابية في 17 أغسطس (آب) 2017 في برشلونة.
على الفور، قدمت الاتحادات الإسلامية الرئيسية الثلاثة في كاتالونيا- اتحاد الجاليات الإسلامية في كاتالونيا (UCIDCAT)، والمجلس الإسلامي الفيدرالي في كاتالونيا، والاتحاد الإسلامي الكتالوني- المعترف بها ممثلًا للجالية المسلمة لدى الحكومة الكاتالونية، شكوى للمحكمة على اعتبار أن حملة حزب فوكس تحرض على كراهية الإسلام والمسلمين وتضر بالحرية الدينية.
وأكدت الاتحادات الثلاثة أن نشر هذا الفيديو أثناء الحملة الانتخابية يهدف إلى بث الخوف في أوساط الرأي العام؛ بهدف اجتذاب أكبر عدد ممكن من الأصوات، ووصم المسلمين في كاتالونيا. وفتح مكتب المدعي العام في برشلونة تحقيقًا بشأن حملة فوكس في شهر فبراير، لكن القرار لم يصدر بعد.
يُرَجِّح التقرير في الختام أن يستمر النقاش الاجتماعي-السياسي حول شرعية تدريس الدين في المدارس الإسبانية العامة خلال السنوات القادمة، لكنه يشدد في الوقت ذاته على المنطق القائل بأن تدريس الدين، سواء في المدارس أو خارجها، إذا كان مشروعًا لمجتمع ديني ما، فيجب أن يكون مكفولًا للآخرين كذلك.