أخبار عاجلةدين ودنياومضات

كيف نردّ على شبهات المستشرقين حول ميراث المرأة في الشريعة الإسلامية؟

الفقه والواقع المعاصر

أ. د. مشهور فوّاز محاجنه- رئيس المجلس الإسلامي للإفتاء

ادّعى المستشرقون ومن تأثر بنهجهم بأنّ الإسلام قد ظلم المرأة وبخسها حقها وفضّل الذّكر عليها لمّا أن أعطى الأنثى في الميراث نصف حصة الذّكر؛ فهذا يدلّ على أنّ الإسلام ينظر إلى المرأة نظرة دونية مقارنة بالرّجل.

وبداية قبل الرّد على هذه الدّعوى وتفنيدها، لا بدّ بداية من التأكيد على ما يلي:

أ. لقد جاء الإسلام على واقعٍ المرأة فيه لا تستحق الحياة وغير معترف بإنسانيتها فضلاً عن حق التّملك والتّعبير عن الرأي والمشاركة في ميادين الحياة!!

ب. في ظلّ تلك الثقافات والعادات المتجذرة والمتأصلة وإذ بالإسلام يأتي بنصوص قطعية واضحة يثبت فيها للمرأة حقوقها على المستويات كافة وفي جميع مجالات الحياة، حيث اعتبرت تلك التّعاليم الرّبانية بمثابة ثورة ونهضة عقدية وفكرية واجتماعية وسياسية واقتصادية!!

والآن نعود مرة أخرى للردّ على من يدّعي ويزعم بأنّ الإسلام قد بخس المرأة بإعطائها نصف ما للرّجل في الميراث، فلهؤلاء ومن يردّد مقولتهم، نقول:

أ. هل العدل دائما يكون في المساواة؟ بالطبع لا!! وللتوضيح نضرب مثالًا: إنّك إذا أعطيت ابنك البالغ من العمر خمس سنوات (ديناراً) على سبيل المثال، وأعطيت ابنك البالغ من العمر 17 عامًا (دينارًا) أيضًا، تكون بذلك قد سويت بينهما، ولكن لا تكون قد عدلت بينهما!! لأنّ الولد البالغ من العمر 17 عاماً بحاجة لمزيد نفقة ومصاريف ونحو ذلك!! ثمّ بالنّسبة لحكمة المفاضلة بين الذّكور والاناث في الميراث فإنّها تتجلى بهذا المثال: تعال لنفترض أنّ شخصًا توفي وترك ابنًا وبنتًا وترك 150000 دينار، فإنّه في هذه الحالة بحسب القاعدة “للذكر مثل حظّ الأنثيين” فإنّ للذكر 100000 دينار وللأنثى 50000 دينار. هذا الذّكر سيتزوج ويدفع مهرًا وذهبًا يقدّر بـ (25.000) دينار على سبيل المثال، وهكذا يبقى معه 75000 دينار.  في المقابل فإنّ هذه الأنثى ستتزوج وتأخذ مهرًا وذهبًا يقدّر بـ (25.000) دينار أيضًا. وهكذا أصبح مع الذّكر (75000 دينار) ومع الأنثى (75000 دينار). ولكن المعادلة لم تنته بعد، فإنّ هذا الذّي ورث مع أخته ملزمٌ بالإنفاق على نفسه وزوجه وأبنائه وبناته بينما الأنثى غير ملزمة بالإنفاق ولو على نفسها وفي حال عدم زواجها وليس لديها مال ولا أب ولا ابن فإنّ أخاها ملزم بالإنفاق عليها!!

ولو رجعنا إلى الحضارات التي قبل الإسلام، نجد ما يلي:

– معظم الحضارات القديمة- هندية أو صينية أو مصرية أو فارسية أو يونانية أو عربية جاهلية وغيرها كانت تخصّ الرّجال الأقوياء الذّين يُقاتلون ويدافعون عن الأرض ويحمون أهل العشيرة من الأعداء. ولهذا منعوا المرأة من الميراث بدعوى أنّها لا تشارك في الدّفاع عن العشيرة أو القبيلة هذا من جانب ومن جانب آخر حتى لا ينتقل الإرث إلى بيت زوجها.

بل وصل الظّلم في الجاهلية كما يروي ابن عباس: “إذا مات الرّجل كان أولياؤه أحقَّ بامرأته، إن شاء بعضُهُم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها”.

أمّا بالنسبة لميراث المرأة في الدّيانة المسيحية، فإنّه من المعلوم أنّ الكنيسة لم تضع للميراث نظامًا محددًا للمواريث، ولكن بموجب الشّريعة اليهودية: إذا ترك الأب المتوفى أولادًا (بنين وبنات) كانت التركة من حق البنين وحدهم.

بينما في الشّريعة الإسلامية، فإنّ البنت لا تُمنَع من الميراث بسبب وجود ابن للمتوفى في حال من الأحوال وإنّما في هذه الحالة تأخذ نصف ما أخذه الابن من نقود وعقارات وعلاوة على ذلك فإنّ هذا الابن ملزم بنفقة أخته التّي ورثت معه إن كانت بحاجة- ما دامت على قيد الحياة- وليس لديها زوج ولا ابن- وليس لسنّ البلوغ فحسب.

وبموجب الشريعة اليهودية: الأم لا ترث من ابنها ولا من بنتها ولكن إن ماتت هي يكون ميراثها لابنها إن كان لها ابن وإلاّ كان الميراث لابنتها، فإن لم يكن لها ابن ولا بنت فميراثها يكون لأبيها إن كان، وإلا فلأب أبيها إن كان موجوداً، وإلا فلجد أبيها.

بينما في الشّريعة الإسلامية، فإنّ الأم ترث من ابنها وكذا ابنتها ولا تمنع من الميراث بحال من الأحوال، كما أنّ البنت ترث مع الابن من تركة الأم للذكر مثل حظ الأنثيين ولا يعتبر وجود الابن مانعاً من ميراثها من تركة الأم كما جاء في الشريعة اليهودية، بل إنّه في الشريعة الإسلامية في حال عدم وجود أم فإنّ أم الأم تقوم مقامها وكذا أم الأب.

والعجيب أنّه بموجب الشّريعة اليهودية: للرجال حق فيما تكتسبه زوجته من كدّها، وفي ثمرة مالها، وإذا توفيت ورثها، وإنّ كل ما تملكه الزوجة يؤول بوفاتها ميراثاً شرعياً الى زوجها وحده لا يشاركه فيه أحد من أقاربها ولا أولادها سواء كانوا منه أم من رجل آخر.

أما الزوجة فلا ميراث لها من تركة زوجها إذا توفي قبلها، حتى إذا اشترطت أن ترثه وكان له ورثة بطل الشرط، ولو حصل قبل الزواج، ولكن للزوجة الأرملة الحق في أن تعيش من تركة زوجها المتوفى ولو كان قد أوصى بغير ذلك.

بينما في الشّريعة الإسلامية، فإنّ الزّوجة تأخذ الرّبع ممّا ترك الزّوج إن لم يكن له ابن ولا بنت ولا ابن ابن ولا بنت ابن فإن كان لزوجها ابن أو بنت أو ابن ابن او بنت ابن فإنّ للزوجة الثُّمن.

كما أنّ الإسلام حفظ للمرأة حقها في الميراث بصفتها أم وبصفتها جدة (أم أم/ أم أب) وبصفتها بنت وبصفتها بنت ابن وبنت ابن ابن وإن نزل، وبصفتها زوجة وبصفتها أخت شقيقة وأخت من جهة الأب وأخت من جهة الأم ولم يترك هذا الأمر لعاطفة الأخ على أخته أو شفقة الأب على ابنته ولم يتركه لقرار الورثة أنفسهم بل جعل ذلك نصيباً مفروضاً بنصّ قرآني لا يقبل التأويلّ!!

ثمّ بعد ذلك يُتهم الإسلام بمحاباة الذّكر وتفضيله على الأنثى! بل جاء في الحديث: “سَوُّوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ فَلَوْ كُنْتُ مُفَضِّلاً أَحَدًا لَفَضَّلْتُ النِّسَاءَ”. رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في السنن.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى