الطابور الخامس خنجر مسموم في خاصرة الأمة
أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
قد أستوعب هجومًا عسكريًا على وطن ما من قبل أعدائه، وقد أتفهم حقد العدو وكراهيته لأبناء ذلك الوطن، وقد أستسيغ جرائم العدو في سبيل تحقيق أهدافه وأطماعه في ذلك الوطن!! لكن الذي لا أستوعبه وأتقبله وأستسيغه، هو وجود فئة من أبناء الوطن باعت نفسها رخيصة للعدو في سبيل تحقيق مصالحها وأهدافها الشخصية، ورضيت أن تكون خنجرا مسموما يُغرس في خاصرة الوطن وقلبه، رضيت أن تكون معول هدم يعيث فسادًا وخرابًا في بنيان المجتمع الوطني، رضيت أن تكون طابورا خامسا للعدو في وطنها، من خلال زرع الفتن، وترويج الشائعات، وإشاعة الفوضى داخل مجتمعها!!! والسبب في ذلك أطماعا شخصية بحتة، أو كراهية وحقدا أسودًا، أو شعورا بالدونية والإنهزامية أمام أعداء الوطن.
وحتى نضع الأمور في نصابها الصحيح، علينا أولا أن نعرف أصل مصطلح “الطابور الخامس” الذي يعود إلى سنوات 1936-1939 إبّان الحرب الأهلية في إسبانيا، بين معسكر الجمهوريين ومعسكر القوميين حيث كان قائد جيش الانقلابيين القوميين يدعى (إميليو مولا) الذي فجر قنبلة من نوع آخر آنذاك بإعلانه عن وجود طابور خامس، إضافة للطوابير الأربعة التي ستهاجم العاصمة مدريد، بيْد أن هذا الطابور الخامس سيهاجم مدريد من الداخل وينخر في جسد الجمهوريين بزرع الفساد والفتن التي ستهيئ أرضا خصبة للفوز بالمعركة العسكرية وهذا ما حدث تماما حيث انتصر القوميون في تلك الحرب الأهلية على الجمهوريين! وللتوضيح، فإن الملتحقين بهذا الطابور هم من أبناء الوطن لكنهم يعملون كجواسيس لأعداء الوطن وينقلون لهم المعلومات العسكرية والسياسية، كما ينفذون للأعداء خططا ومؤامرات لضرب استقرار الوطن. وهكذا انتشر مصطلح الطابور الخامس في كل دول العالم وخاصة في الحرب العالمية الثانية، ورأينا فاعلية ونجاعة هذا الطابور في استسلام فرنسا لألمانيا النازية عام 1945، واتسع هذا الطابور ليشمل في الحرب الباردة بين أمريكا والإتحاد السوفياتي ليشمل مروّجي الإشاعات من الطرفين من سياسيين وعسكريين وصحفيين وإعلاميين الذين يسعون من خلال إشاعاتهم إلى إسقاط الأنظمة.
لذلك أصبحت تهمة الطابور الخامس أو (جاسوس) تهمة جاهزة للإطاحة بالمعارضين خاصة في الدول الخاضعة للحكم الاستبدادي كأغلب الدول العربية، حيث ألبست تلك الحكومات المستبدة صفة الطابور الخامس لكل معارض لها أو يمكن أن يهدد كرسي الحكم! ولنا في عسكر مصر خير مثال، وهنا وفي هذا المقام، لا بد لي أن أعرج على جنود الطابور الخامس في وطننا ومجتمعنا الفلسطيني الذين ارتضوا أن يكونوا جنودا في الخفاء ويحققون مآرب السلطات الاسرائيلية في امتلاك ما لا يملك ولا تستحق من بيوتٍ وأراض في القدس خاصة، وفي أرجاء وطننا الحبيب عامة، من خلال سمسرة الأراضي، إلا أن هؤلاء الجواسيس العملاء الذين يستولون على عقارات مقدسية ويسلمونها للمستوطنين قد خانوا الله ورسوله وخانوا الوطن وأبناءه، لأنهم خدعوا أبناء وطنهم وخانوهم في سبيل مصالح شخصية ومصالح دنيوية زائلة وإن ما نسمع عنه ونراه من بيع للعقارات المقدسية عبر عملاء من بني جلدتنا وبدعم إماراتي مثبت، لهو خير دليل على وجود طابور خامس يطعن بخاصرة الوطن. وبذلك يتأكد لنا أن الطابور الخامس ممكن أن يكون على هيئة حكومات ضد شعب كما تفعل حكومة الإمارات وتغرس خناجرها المسمومة، بتمويلها بيع الأراضي والبيوت في القدس خاصة، وهي بذلك رضيت أن تكون طابورا خامسا على الأمة الإسلامية جمعاء لأننا نعلم علم اليقين أن القدس والمسجد الأقصى، أرض وقفية لجميع المسلمين ولا تملك الإمارات بمالها أن تشتري أو تبيع في هذا الوقف الإسلامي.
ومع احتدام المعركة أخذ المنتسبون لهذا الطابور الخامس بالتطوير من أساليبهم في ضرب الوطن من خلال شبكات الإسقاط، والسوق السوداء، وتجارة الحشيش والمخدرات، وفوضى السلاح. نعم، فكل أولئك يندرجون تحت مسمى “الطابور الخامس” لأنهم بأفعالهم المشينة هذه ينفذون أجندة العدو في إثارة الفوضى والبلبلة بين أبناء الشعب، وبذلك يسهلون مهمة الأعداء في السيطرة على البلاد وأهلها، لذلك على كل حرٍ شريف من أبناء هذا الوطن مقاطعة أي إنسان يثبت عليه انتماؤه وانتسابه للطابور الخامس، الذي يعمل وفق أجندة للأعداء، أجندة استسلامية يتم من خلالها تسخير الشعب والأرض والموارد والمقدرات الوطنية لصالح جهات خارجية طامعة.
إذن مما يتضح لنا أن من يرتضي لنفسه أن يكون ضمن ما يسمى الطابور الخامس نجده قد باع دينه ووطنه، ومقدساته، في سبيل عرض من الدنيا، والعياذ بالله. ولكن التاريخ يثبت لنا أنه مهما حاول هؤلاء الخونة شق وحدة الوطن، والنيل من الشرفاء فيه إلا أن الغلبة في النهاية من نصيب الشعوب، لأن الشعوب هي صوت الحق الذي سيحاكم أولئك الخونة.