الهزيمة النفسية داءُ عضال!!
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
صحيح أن الاستعمار العسكري لبلاد المسلمين داءٌ قد انتهى، لكنه ترك خلفه داء أشد على أبناء الأمة الإسلامية، حيث استفحل هذا الداء العضال لدى بعض أبناء أمتنا وأصاب الكثير منهم بمقتل. وقد نجح الاستعمار الصليبي بتنفيذ مآربه في بلاد المسلمين من خلال من تأثروا بهذا المرض وأصيبوا به، لأنه أقوى وأشد شراسة من الاستعمار العسكري، لأنه يحتل العقول ويستوطن القلوب فيسبب الانكسار وسلب الإرادة، إنه داء الهزيمة النفسية، الذي لا يفرق بين صغير وكبير وبين رجل وامرأة وبين متعلم وجاهل، إنها الهزيمة النفسية التي تصيب في أغلب الأحيان تلك الفئة من الناس الذين يشعرون بالدونية أمام الغرب وزخرف حضارته، يشعرون بالانبهار أمام بريق التحرر والتحضر الزائف، يشعرون بالضعف والهوان أمام قوة وجبروت جيوش الغرب أو الجيوش التي لا تقهر كما يدعي البعض!!! فنجد هذه الفئة المهزومة داخليا، نجدها دائما من المثبطين للغير، الذين ينشرون طاقاتهم السلبية بين أفراد المجتمع، لذلك تتمثل خطورة هذا المرض (الهزيمة النفسية) بأنه مرض متعد ينتشر وينتقل من الآباء إلى الأبناء إلى الأحفاد، فينشأ جيل ولربما أجيال مهزومة نفسيا.
من أهم ملامح هذا المرض، أن المصاب به يكون منكسر الإرادة أمام أي حدث يواجهه سواء على الصعيد الشخصي أو المجتمعي، فتجده دائم التثبيط لغيره لقوله بعدم الفائدة من التحرك وأننا لا نملك أسباب النصر أو التغيير وأن عدونا أقوى ولديه جميع الوسائل المتاحة، ودائما ما يبحث عن شماعة يعلق عليها خطأه ويلقي باللوم على الآخرين، لذلك فإن المهزوم نفسيا غالبا ما تكون نظرته للأمور نظرة سطحية وضيقة، لأنه لم يراجع التاريخ ويتعلم الدروس والعبر منه، بأننا أمة مهما اشتدت عليها النكبات والويلات، لا بد لها من انفراج وتبديل للحال. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسوة حسنة كيف به ووسط الظروف العاتية يعد سراقة بسواري كسرى وهو في أصعب الظروف، حيث كان مطاردا من قبل قريش ودمه مهدورا يريدون قتله، إلا أنه كان على يقين وثقة تامة بالله وبتدبيره للأمور وأن النصر حليف هذا الدين مهما اشتدت الظروف وتوالت الويلات والنكبات.
وهذا القائد نور الدين زنكي أمر ببناء منبر المسجد الأقصى، وكان لا يزال يرزح تحت نير الاحتلال الصليبي، لكن نور الدين لم يستسلم ويقعد مع القاعدين ويترك المسجد الأقصى أسيرا بين يدي الصليبيين فأمر ببناء المنبر الذي كان يمثل الأمل بالنصر القريب لنور الدين زنكي، حتى لو لم يكن هو صانع النصر والتحرير لكنه ساهم بصناعته، ولم يصنف في خانة المثبطين أو المتخاذلين.
وأهم الأسباب التي تؤدي إلى الهزيمة النفسية:
- ابتعادنا عن ربنا سبحانه وتعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) فتراه يعيش ضنكا في النفس، ضنكا في الرزق، ضنكا في الراحة.
- الخوف من الفشل: مجرد أن تبدأ بمشروع وأنت تتوقع الفشل سترى بأنك حتما ستفشل.
- السلبية: تلك الطاقة التي يصدرها وينشرها المنهزم نفسيا على من حوله سواء كانوا أفرادا أو جماعات، فكما ذكرت آنفا أن هذا المرض متعد إلى الآخرين.
- غياب القدوة: من أهم أسباب الهزيمة في زماننا الحاضر حيث أصبحت قدوات شبابنا إما المغنون، أو الممثلون، أو لاعبو الكرة، لأننا نرى هؤلاء من يتصدر الواجهة على السوشيال ميديا في ظل تغييب الدعاة، والعلماء والمفكرين والاقتصاديين من أبناء الأمة.
- الخوف من الأعداء: ويتمثل ذلك بمصطلح الجيش الذي لا يقهر!! فعلى سبيل المثال لو أخذنا التتار على الرغم من أن عددهم كان قليلا أمام أعداد المسلمين إلا أنهم في تلك الحقبة استطاعوا أن يهزموا المسلمين نفسيا- بداية بدعاياتهم القوية بأنهم شاربي دماء، وعديمي الرحمة – حتى وصل الأمر بالمسلم أن يوقفه التتري ويطلب منه عدم الحراك حتى يذهب ويأتي بسيفه ليقتله، وهذا ما كان فعلا دون أن يحاول المسلم التصدي للتتري ولو بكلمة!! والسبب في ذلك ما وصل إليه المسلم في تلك الفترة من هزيمة نفسية وضعف. وقس على ذلك أخي القارئ ما يحدث اليوم مع أبناء أمتنا المسلمة وما وصلوا إليه من هزيمة نفسية وخوف وضعف وهوان، لذلك كل ما علينا فعله في الدرجة الأولى كي نتخلص من هذا الوباء، العودة لله عز وجل والوثوق به والإيمان أنه المدبر للكون، وأن بيده مقاليد كل شيء، فما علينا إلا إصلاح أنفسنا والباقي على الله وأن لا يكون الخوف من الفشل في أي شيء سببا في عدم التحرك وتغيير الأمور، لذلك على كل واحد منا العمل على تطوير نفسه في مجال شغله، وعلمه، وفكره، ومهاراته وأن يتميز بشخصيته المسلمة ويفتخر بعقيدته وثوابته، ولا نصبح (كالفراش يتهافت على النار) كما يفعل البعض منا بسبب هزيمتهم أخذوا يقلدون الغرب- الذي يعتبرونه الأمة الغالبة والحضارة المتقدمة- في مأكله ومشربه بل حتى في أعياده العقدية والوثنية كعيد الميلاد وعيد الحب لا بل وقد وصل الأمر في تقليدهم بإلحادهم وانحطاطهم الأخلاقي من خلال دعم الشواذ جنسيا وتقبلهم في المجتمع ومساندتهم، فأصبح أصحاب المعصية يتفاخرون ويجاهرون بمعصيتهم وأصحاب الطاعة يستحيون بطاعتهم ويخفونها. فتوبوا إلى الله واسألوه الهداية والصلاح يا معشر المسلمين.