أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الداخل الفلسطيني في سياق التحولات الجارية في المجــــــتمع الإسرائـــــــيلي

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

بيان..

يُلاحظ المراقب للساحة السياسية والفكرية في المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني في الداخل، ثمّة تعرجات تشي أننا أمام جمع من التحولات والتغيّرات يشهدها المجتمعان، وشرعت هذه المتغيرات في دمج قيم جديدة تدخل كمركب في هوية كل مجموعة، فالسيولة التي نعيش في عديد المرافق الحيوية الحياتية ومنها على سبيل المثال لا الحصر السيولة المعلوماتية الجارية عبر أدوات التواصل الاجتماعي والتي كان لها دور هام في الأحداث الأخيرة التي عصفت بالبلاد (هبة الكرامة، معركة سيف القدس، حماية الأسوار)، وما يدور في ذلك العالم، يشكل أساسا جديدا لهويات جديدة تبدأ من الفرد والمجموعة وتنتهي بالمجتمع، وقد كشفت هبة الكرامة للشارع العربي في الداخل الفلسطيني، عن “الانوية التوراتية” (التي لم يَكُنْ يُعرف الكثير عنها لعموم الناس) ودورها الطليعي في دبِّ الحياة في المجتمع الإسرائيلي عبر ثلاثيات الدين والسياسة والايديولوجيا، وقد أوكلت لهذه المجموعات مهمة تغيير هوية المكان في المدن الساحلية من خلال نشرها في تلكم المدن ودمجها بكافة مقومات الوجود والحياة وفرض الأمر الواقع، محمية من الدولة وأجهزتها للتغلغل في المدن الساحلية الفلسطينية يافا واللد والرملة وحيفا وعكا باعتبارها حواضر فلسطينية وإن تهودت برسم القوة، إذ ما زالت تؤكد وجودها الفلسطيني بشريا وماديا وجماليا وحضاريا. تماما كما اكتشف الشارع الإسرائيلي ومن يقف خلفه من مختلف الأجهزة أنّ الشباب الفلسطيني الذي تعرض لحملات تشويه ممنهج ومنظم منذ الانتفاضة الثانية ورديفتها هبة القدس والاقصى عام 2000 وما تبع ذلك من تحولات وتغييرات داخل المجتمعات الفلسطينية تجلت في المواجهات التي اجتاحت البلاد من جنوبه الى شماله متجاوزة الساسة والأحزاب وما يسمى مؤسسات المجتمع المدني.

لعل وصول نفتالي بينيت إلى رئاسة الحكومة رغم أن حزبه لم يحصل الا على ستة مقاعد، بيان ثان للقوة الهائلة التي بات يتمتع بها التيار الديني الصهيوني في الحاضر اليهودي من جهة، ودوره الهام في مد هذا الوجود بالحياة من جهة أخرى، إذ المدنية برسمها الحلولي ليست التي تمنح المجتمعات معنى الوجود وإن تمتعت المجتمعات تلك بكامل أنواع الرفاهية، ولذلك منحت الصهيونية الدينية مبكرا الحركة الصهيونية معنى وجودها على هذه الأرض من خلال سرديتها الدينية، وبالتالي يتحول التيار الديني-الصهيوني الى لاعب مركزي في السياسة الإسرائيلية وفي تنصيب ايليت شاكيد شريكة بينيت في العمل السياسي وزيرة للداخلية أحد أهم الوزارات السيادية في الدولة، المتواصلة مباشرة مع الداخل الفلسطيني ليس على مستوى السلطات المحلية بل وعلى مستويات أخرى ذات صلة، كقضايا الأرض والمسطحات والمسكن، تأكيد آخر على دور التيار الديني الصهيوني الذي بات يعلن صباح مساء ضرورات تخليص الأرض وتطهيرها من المغتصبين العرب، وما مسيرة الأعلام وما تداعى عنها من تحركات محلية وإقليمية ودولية إلا بعضا من بيان ما أشرت إليه حول التحولات الجارية في المجتمع الإسرائيلي.

التحولات الجارية في المجتمع الإسرائيلي حملت طابعا مدنيا وآخر إجرائيا، أي تدبيري، يحمل في جنباته شيئا من السياسة وآخر من الحكم، وثالث يجمع بينهما في سياق جدل العلاقة بين السياسة والحكم والأخلاق، وما يترتب على ذلك من مؤثرات خارجية كالدين (مثلا) أو المُثُلْ (أي القيم) أو الأفكار والمبادئ بما فيها من تضمينات لفلسفات غربية وافدة تضمنتها الصهيونية الدينية بتنوعاتها المختلفة، ومثال ذلك الدور الهام والكبير الذي يقوم به فوورم كاهيليت (يعرف المنتدى نفسه كالتالي: يسعى منتدى كوهيلت للسياسة إلى تأمين مستقبل إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، ولتعزيز الديمقراطية التمثيلية، ولتوسيع الحرية الفردية ومبادئ السوق الحرة في إسرائيل) في توجيه إسرائيل القرن الحالي وقد كان لهذا المنتدى دور كبير في توقيع “اتفاقيات ابراهام” بين إسرائيل ودول خليجية.

التحولات الجارية في المجتمع الإسرائيلي ستفرض نفسها على الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم، بما في ذلك أولئك الذين في الشتات، وهذه التحولات والمتغيرات ستطال الكثير من جوانب الحياة مما يستدعي اطلاعا مستمرا على هذه التحولات وضرورات تفكيكها والعمل على استثمارها لصالح تثبيت الوجود وتمكينه.

التحولات الجارية في المجتمعين

طبيعة الانسان أنه يتغير سواء بتقدم السن وما يمليه العُمر من تجارب أو من خلال الثقافة وتطورها الدائم أو من خلال المعايشات وتتبعها والسير معها، عزما ونفلا، وكما أن الأفراد يتغيرون، كذلك المجتمعات تتغير وتتعرض كما الأفراد للعديد من التحديات والمعطيات والجواذب (جمع جاذب) ولطالما ذهب علماء الانسانيات وأهل التاريخ إلى أن المغلوب مولع بتقليد الغالب وهذا ما ذهب إليه من قبلهم العلامة ابن خلدون، وخطَّ لذلك فلسفاته، بيدَّ أن هناك من خالفهم في أنّ من تمتع بالقوة الفكرية وتحصن بثقافة وأدلجها وذوتها معتبرا الغالب المغتصب غازيا وظالما لا يتأثر به، بل هي مدافعات، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، مما ذهب إليه ابن باديس في معرض رفضه للتفرنس والحلولية الفرنجية، وهذا الذي أراه الى هذه اللحظات مع الكثير من الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.

التحولات الجارية في مجتمعنا الفلسطيني وكذلك الإسرائيلي، لا تخطئه عين الرقيب، بل تجد شواهده في كافة شؤون الحياة وإذا كان الإسرائيلي يتعرض لتغيير مستمر في جوانب عدة ليس أقلها استبطان حداثة ذات طابع إسرائيلي متأثرة بالقطع من المدرسة الغربية عموما والأمريكية خصوصا مجلببة إياها بمسوحات من اللاهوت اليهودي، وهو ما يفسر لنا جانبا هاما من مسائل الهجرة غير المعلنة إسرائيليا الى الغرب، فإن التحولات الجارية في مجتمعاتنا/ مجتمعنا في الداخل الفلسطيني (نحن نعيش في مجتمعات ذات خصوصيات مختلفة ثمة مراهنة عليها انها ستذوب خلال العقود القادمة) لا تقل إثارة عن المجتمع الإسرائيلي، وهي تعود الى مجموعة من الأسباب ذات الطابع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي، ولأننا نعيش مع مجتمع متغلب ومؤدلج صهيونيا ومؤدلج دينيا وتحكمه مواقف مُسبَّقة تتعلق بوجودنا ومن حضارتنا دلت عليها الاحداث الأخيرة، وما التصريحات التي صدرت من عديد الإعلاميين والسياسيين والمثقفين اليهود فضلا عن ما تعرضت له مجتمعاتنا من فاشية سلطوية ومجتمعية من الدهماء وغيرها، إلا بيان لذلك، وعليه فإنّ الحديث عن تأثير المؤسسة الإسرائيلية والافراد والمجتمع الإسرائيلي وارد في سياق المدافعات (المدافعة، سنة جارية بين الخلق تبدأ بحركة ذاتية ترفض الوصاية والإملاءات والاحالات وتتعزز بعد التسليم لتلكم الوصايات خاصة إن كانت قادمة من نظام احلالي أو احتلالي وتنتهي برفضه وتنحيته وإزالته، ولذلك فهذه عملية طويلة مضنية لكنها جارية لا تتوقف) الجارية وقد تنزلق هذه المدافعات إلى حد التأثر بل والاستبطان على مستوى شرائح وافراد لا على الجمعي، وقد يكون هذا التأثير سلبيا بمعنى التبعية وقد يكون إيجابيا بمعنى ردود الأفعال المُرجعة الى الهويات التأسيسية بقيمها الروحية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية-الجمعية، ولعلي هنا أشير إلى النويات الاستيطانية كأحد الأمثلة لمعاني العودة للأصول التأسيسية للهوية العربية الفلسطينية للفرد والمجتمع، إذ من نافلة القول الحديث عن دور النويات التوراتية المؤدلجة والمبرمجة وممارساتها في المدن الساحلية، كما من نافلة القول الحديث عن شباب التلال وتدفيع الثمن وغيرها من المنظمات الشبابية اليهودية (مجموعات دينية متزمتة متصهينة) فأفعال هذه المجموعات على قدر ما يُعتقد إسرائيليا أنها تخدم المشروع الصهيوني في مسائل الوجود، على قدر ما تُحدث ردة فعل نفسية واجتماعية بين الكل الفلسطيني يدفعهم للعودة مجددا نحو الذات. في ذات السياق، سياق المدافعات يلاحظ أنه داخل المجتمع الفلسطيني تحدث تحولات وتغييرات لأسباب كثيرة، منها ما يتعلق بسيروراته وبصيروراته (تعني السيرورة فلسفيا التقدم التراكمي الذي لا يبنى عليه بينما الصيرورة تعني التحول النوعي وهذا التحول يُمكن ان يُؤَسسُ عليه) ومن مثل ذلك التعليم مع ضرورات الملاحظات على جوهر وماهيات هذا التعليم، وماذا يخدم ولماذا وما هي علاقاته مع الهويات الفردية المتشكلة من جهة والهوية الجمعية التي تتشكل ببطء شديد من جهة أخرى، ففي هذه السياق يُطرح على سبيل المثال لا الحصر مواضيع الصيدلة والطب والتمريض ودور هذه المواضيع في تأسيس وتخليق الهويات الخاصة والجمعية ومقاربات هذا الذي أذهب إليه في سنة وباء الكورونا والدور الذي كان لهذا الفريق.

مجتمعنا في الداخل الفلسطيني مرَّ ولا يزال في تحولات وتغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية، وتحولات في منسوب التدين والتديين، وهذه التغييرات يلاحظها كل من يقارب قراءات موضوعية للمجتمع في الداخل الفلسطيني، وتتجلى هذه التحولات والتغييرات بالأجيال الشابة التي شكّلت ولا تزال العصب الحي لهذا الشعب في كل أماكن تواجده.

على ضوء ما ذكرت، نحن بحاجة إلى التفكير العميق والمخلص والمتجرد من الهويات الحزبية الضيقة في قراءات لمستقبل هذا الداخل، على ضوء تغول اليمين واليمينية ليس في السياسة الإسرائيلية، بل وفي حيوات المجتمع الإسرائيلي، فسواء كان المجتمع علمانيا أم محافظا أم متدينا أم متشددا، فمواقفه السياسية والأيديولوجية في مقارباتها اتجاهنا كفلسطينيين يعيشون على أرضهم وفي وطنهم، يمينية تصل في أحايين كثيرة في الممارسات حد الفاشية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى