أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات
رسالة وبيان من رمضان إلى أهل التقوى والإيمان
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
ها هي دورتي الفلكية قد اكتملت، وأذن الله عز وجل لي أن أهلّ عليكم وأبارك عالمكم، وأبثّ بأنواري وفضائلي عليكم، وأحمد الله الذي خصني وميزني عن الشهور، وجعل ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر إحدى لياليَّ المباركة، وأحمد الله الذي يسّر لي زيارتكم على مدار قرن ونصف القرن، لأكون نِعْم الضيف عند خير مضيفين.
أيها الأحباب من أبناء أمتنا الإسلامية، إنني ها هنا ومن خلال هذا المقال، أود أن أبعث لكم برسائل وجيزة تكون بمثابة نقاط عمل أو أهداف، تضعونها نصب أعينكم لتحقيقها، والفوز بثوابها، وأقول لكم إن الفرصة ما زالت سانحة أمامكم لتغيير مسار حياتكم واغتنام فرصة وجودي بين ظهرانيكم، والاستفادة من بركاتي وفضائلي عليكم. فأسمعوا وعوا يا عباد الله:
- رسالتي الأولى إلى كل فرد قام بتزيين بيته وتحضير ما لذّ وطاب من مأكل ومشرب، لا بل قام بتنظيف بيته وتجديده وترتيبه لاستقبال زوار رمضان من الأهل والأصحاب، وإقامة العزائم والولائم الرمضانية، أما كان أولى وأنفع أن تقوم بالاستعداد الروحي والمعنوي لاستقبال رمضان، وتجديد النية على التوبة وعدم المعصية، وتجدد إيمانك بتنفيذ خطة تعبدية تشمل الصلاة وقراءة القرآن والزكاة والصدقة وجبر الخواطر، وما إلى ذلك من فنّ العبادة والتقرب إلى الله في شهر العبادة والقرآن. ما المانع أن نعتبر أنفسنا في هذا الشهر في دورة تدريبية، ننتقل فيها من مستوى إلى آخر وفق قدرتنا التحصيلية!! أي ننتقل من مستوى العصيان لأوامر الله إلى مستوى الطاعة المطلقة، وننتقل من درجة الرحمة إلى درجة المغفرة، وثَم إلى درجة العتق من النار إن نجحنا في اجتياز هذه الدورة. ولمعلوماتكم فإن اجتياز هذه الدورة والتفوق فيها لا يحتاج منكم إلا إلى الإخلاص والهمّة القوية. فأين أنتم يا أصحاب الهمم.
- رسالتي الثانية، تعامل مع شهر رمضان وكأنه رمضانك الأخير. إن المتابع لأحداث العالم يوقن أن ما بقي من عمر الدنيا أقل مما ذهب، فجميعنا مؤمن أن نهاية العالم قد اقتربت لتواتر وتسارع الأحداث ولتحقيق اغلب علامات الساعة!!! هذا على مستوى الدنيا ككل، فما بالك أيها الإنسان، وأنت لا تعلم أن نهايتك قد تكون بين طرفة عين وأخرى، ففي كل ثانية من حياتك من المحتمل أن تكون نهايتك. فكما قال رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، وهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء)، وكذلك قول أبي بكر الصديق: (كل أمرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله). وكان أبو هريرة رضي الله عنه إذا رأى أحدا يحمل جنازة يقول لها: (امضوا فإنا على الأثر). فما بالنا اليوم نتعامل مع الأشياء وكأننا مخلدون فتجد الواحد فينا يتهاون في العبادة والصيام والقيام بحجة أن ما فاته في رمضان الحالي يستطيع تعويضه في رمضان المقبل، وكأنه ضمن حياته!!! لذلك عليك أيها المؤمن أن تتعامل مع كل رمضان وكأنه رمضانك الأخير، وكأنه سباقك الأخير مع الموت واعمل على أن تخرج من هذا السباق فائزًا منتصرًا، لأن الموت يأتيك بغتة، فأنظر حولك كم من الأحباب والأصحاب كانوا معنا في رمضان الماضي والآن أين هم؟!! إنهم في القبور ولا يستطيعون العودة للحياة حنى يستزيدوا من الحسنات لأنه بعد الموت تستحيل العودة مرة أخرى للحياة لقوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)، إذن العودة من الموت مستحيلة، فتعامل مع شهر رمضان كأنه فرصة نجاتك الأخيرة فقم بتعويض ما فاتك خلال عمرك الطويل أو القصير، وقم بتثقيل موازين حسناتك لتكون على أتم الاستعداد للقاء الملك الجبار.
- كما ذكرت آنفا، أنه لم يبق من عمر الدنيا إلا القليل، وأن من علامات الساعة كما أخبرنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم، قطع الأرحام، ومن الملاحظ أن قطيعة الرحم باتت ظاهرة مستفحلة في مجتمعنا، وأن قصص قطيعة الأخ مع إخوانه، أو قطيعة الإخوة مع الأخوات، أو قطيعة الأبناء مع والديهم، باتت بالنسبة لنا قصص عادية لكثرتها وازديادها بشكل كبير في الآونة الأخيرة، حتى أننا نجد من القاطعين لأرحامهم من لا تفوته صلاة جماعة، أو من يصوم كل إثنين وخميس، أو تجده من المتصدقين، لكنه قاطع لرحمه! لماذا؟! لأسباب مادية، ميراث، أو لسوء فهم حصل بينهما، أو لغيرة وحسد، أو…… أسباب كثيرة افتعلناها بأيدينا أدت لقطيعة بين الأرحام، لكن ألا تعلم أيها القاطع لرحمك أن أعمالك وحسناتك لا ترفع إلى الله ولا ينظر فيها حتى تصل رحمك!؟ وهل تعلم أيها القاطع، أنه لا يدخل الجنة قاطع وأن الله عز وجل يصل من وصل رحمه ويقطع من قطعه، وهل تعلم أن أفضل الأعمال بعد الإيمان صلة الرحم، ألم تسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن يوسع الله له في رزقه ومن أراد أن ينسأ الله له في أثره فليصل رحمه) لهذا علينا أن نعلم أولادنا أن العم أب والعمة قلب حانٍ وأن الخال عز والخالة أم والأخ سند والأخت ضلع من صدري والجد والجدة قطعة من الجسد، ولا تنسوا أننا سنكون في يوم من الأيام ذكرى والموت لا يستأذن أحد فأجعلوا ذكراكم جميلة خفيفة على القلب.
- تحويل العادات إلى عبادات: هنالك الكثير من العادات التي أصبحت مصاحبة لشهر رمضان، بل أصبحت من طقوسه المميزة، وأول هذه العادات، هي ما يُعرف عندنا ب (طبخة رمضان) ولو رجعنا إلى بداية هذه العادة قبل عشرات السنين لوجدنا أنها كانت عبارة عن مكونات طبخة تُبعث للأخت أو العمة، أو الخالة-الرحم الذي يتوجب علينا صلته-وكانت البساطة عنوان هذه الطبخة والحب والعطاء والتواصل يغلفانها. لكن مع تقدم الأيام تطورت هذه الطبخة الرمضانية وتحوّلت من مجرد طبخة غير مكلفة إلى هدايا باهظة الثمن وربما تفوق طاقتنا المادية بكثير. في سبيل التفاخر والتباهي أمام الناس وبذلك انحرف الهدف السامي من هذه العادة عن الطريق، وفقد هدفه في التكافل الاجتماعي والتعاضد، وبدل أن تصبح طبخة رمضان عادة حسنة تعلمنا معاني التعاون والتكافل، أصبحت حملا كبيرا على كاهل رب الأسرة. كذلك من العادات الرمضانية التي انحرفت عن مسارها الصحيح عادة الولائم الرمضانية التي نسمع عنها، حيث يتم إقامة الولائم في رمضان ودعوة الأهل والأصحاب إليها، صحيح أن الظاهر من هذه العادة هو الخير، لكن لو تمعنّا بدقة فيما يحدث بهذه الولائم من بذخ وإسراف وهدر للأموال وتحميل الناس فوق طاقتها سواء للضيف أو للمضيف، خاصة إذا أقيمت هذه الوليمة في مطعم على أغلب وجه، لعدنا بلا نقاش وجدال، إلى الوليمة البسيطة في البيت. تلك الوليمة التي تشبع القلوب حبا وحنانا قبل أن تشبع البطون طعاما وشرابا ولضربنا عصفورين بحجر واحد. إذن هذه عادات رمضانية حسنة لكن بإرادتنا حرفناها عن مسارها الصحيح، فما علينا إلا أن نعيد حساباتنا ونعمل على تهذيب هذه العادات وتحويلها إلى قربات وعبادات، خاصة في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة بسبب جائحة الكورونا التي تجتاح العالم وتداهمه دون استثناء، فجميعنا تحت مرمى سهام هذا الوباء. لذلك علينا كمسلمين أن نتعظ مما يحدث ونستخلص العبر وننظر إلى هذا الوباء كأنه نكزةٌ من الله لنا حتى نعود إلى الطريق الصحيح والتمسك ببوصلة الإسلام والسير حسبها دون إفراط أو تفريط.
- أمّا رسالتي الخامسة فهي إلى أولئك المنهزمين أمام جوع رمضان وعطشه، فتنهار عزائمهم سريعا ولا يستطيعون صبر سويعات أمام حرمان دنيوي من المأكل والمشرب، إلى أولئك أقول: إن من لم يستطع النصر على نفسه في معركة صغيرة-مجاهدة النفس، والصبر على الصيام-فلن يستطيع إحراز النصر الكبير لأمته. ومن أعلن استسلامه في معركة نفسية تدوم لساعات فلن يستطيع الصبر والتحمل في معارك الرجولة!
- أمّا رسالتي الأخيرة فهي إلى جمهور الصائمين طواعية وعبودية لله، الذين يرون أن رمضان فترة روحية لتجديد الإيمان وشحذ الهمم، والتعبئة النفسية والخلقية التي يحتاج إليها كل فرد في المجتمع بل كل الأمة، لأن رمضان وبرغم أيامه الجائعة العطشى إلا أنه يمنحنا قوة وحرية ونصرا نستمده من أجدادنا وأسلافنا الأبطال الذين سطروا أروع قصص البطولة والانتصارات في هذا الشهر الفضيل، لأنهم انتصروا بداية على شهواتهم وأهوائهم فأصبحوا أحرارا أقوياء أصحاب حق يدخلون المعركة منتصرين لأنهم تخلقوا بأخلاق الصائمين من عفة وسمو وتضحية وتحمل للشدائد وخضوع لله واستعلاء على كل ما سواه، فما أحوجنا لمثل همتهم وصبرهم وقوة عزيمتهم وتحملهم للشدائد، لأنهم بتلك العزيمة فازوا على أنفسهم وعلى أعدائهم بنفس الوقت فسطّروا أروع قصص البطولة وقوة الإيمان. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.