حجر الرحى
يوسف فوزي كنانه
لكل مجتمع ثقافة ولكل امة تراث، فالتراث يحكي تاريخ الأمم، وليس هناك من أمة لا تفتخر بتاريخها، أو تحتفظ به على الأقل لتورثه أو لتنقله للأجيال اللاحقة التي بدورها تتبناه وتحتضنه ولتستنتج العبر منه، فمن لا تاريخ له لا مستقبل له، والشجرة التي ليس لها جذور تحت الأرض لا تنبت الأزهار أو الثمار أو الاغصان الصاعدة إلى الأعلى.
فبدون التراث والتاريخ لا يمكن الحديث عن وجود أمة لها هويتها وشخصيتها وجذورها على وجه المعمورة.
فكما عرف ابن خلدون في مقدمته تعريف الحضارة: “…. والحضارة إنما هي تفنن في الترف وإحكام الصنائع المستعملة في وجوهه ومذاهبه عن المطابخ والملابس والمباني والفرش والابنية وسائر عوائد المنزل وأحواله…”.
ففي هذا نقتبس كلمات غايتها اظهار أحد مركبات التراث والحضارة الفلسطينية والتي بدورها كانت وما زالت تشكل واحدة من مركبات الهوية الفلسطينية وارتباطها بالمكان والسكان.
إنها الجاروشة او حجر الرحى، التي هي آلة بدائية مصنوعة من الحجر البازلتي الخشن الثقيل، فيرتبط تاريخ ظهور الرحى بتاريخ صناعة الخبز، فالقمح والشعير والذرة كان لا بد من طحنها لصناعة الخبز. لذا عرف الانسان الطحن منذ فجر التاريخ، فبدأ في دقه بمدقات حجرية تضرب بقوة في تجويف يسمى الجرن ثم تطورت هذه العملية فاستخدمت الرحى التي لا تزال موجودة. فهي مكونة من حجرين مستديرين علوي وسفلي ويكون السفلي منها ثابتا بينما يتحرك الحجر العلوي حول محور خشبي أو معدني تكون له قاعدته مثبتة في أسفل الحجر السفلي، وعندما تدور حجر الرحى في عكس دوران عقارب الساعة، فإنها تمر فوق حبات القمح أو الشعير أو البرغل أو العدس والفريكة والحمص وكافة أنواع الحبوب، التي توضع في فتحة دائرية صغيرة وسط الحجر العلوي. فتكسر تلك الحبات شيئا فشيئا كلما دار عليها حجر الرحى حتى تصبح دقيقا ناعما.
فإذا أمعنا النظر بحجر الرحى أو الجاروشة الفلسطينية المكونة من حجر البازلت الذي يكثر في منطقة طبريا والجليل الشرقي الأعلى والجولان، لا يتعدى قطر كل منها 50 سم توضعان فوق بعضهما البعض، وتمتاز القطعة العلوية بوجود مقبض خشبي موضوع ضمن فتحة صغيرة في منتصف الحجر بقطر 10 سم يتم خلالها وضع المادة المراد طحنها، ويوجد ضمنها قطعة خشبية بارتفاع بسيط تكون موجودة تكون موجودة بالقطعة السفلية وهي تشكل محور الحركة وتمنع الحجر العلوي من الخروج والسقوط اثناء عملية الطحن.