استهداف ممنهج للمنشآت الطبية في سورية
أصدرت مبادرة “الأرشيف السوري”، اليوم الثلاثاء، قاعدة بيانات موسّعة توثّق مئات الهجمات العسكرية التي طاولت منشآت طبية ومرافق صحية في سورية بين عامي 2011 و2020.
و”الأرشيف السوري” مبادرة يعمل عليها عدد من نشطاء حقوق الإنسان السوريين، وتهدف إلى صيانة الوثائق المتعلّقة بانتهاكات حقوق الإنسان، والجرائم الأخرى المُرتكبة من قبل جميع أطراف النزاع في سورية وحفظها واستدامتها، بهدف استخدامها في قضايا المناصرة والعدالة والمساءلة القانونية.
ويشير القائمون على المبادرة إلى أنهم، ومنذ رفع أول مقطع فيديو يصوّر هجوماً على مستشفى سوريّ على موقع يوتيوب في 15 أغسطس/آب 2011، قد حفظوا وثائق مرتبطة بـ410 هجمات منفصلة وموثّقة ما بين 2011 و2020 ضدّ 270 منشأة طبّية في سورية. ومعظم هذه الهجمات تبلغ حدّ جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المدعّمة بالوثائق.
هجمات متعمّدة
تشير قاعدة البيانات إلى أن “ما يزيد عن 90% من الهجمات الموثَّقة… تظهر مؤشراً واحداً على الأقل إلى هجوم متعمّد. وفي 191 من هذه الهجمات “كان وجود المنشأة الطبية وموقعها الجغرافيّ الدقيق معروفَين أو ينبغي أن يكونا معروفَين مسبقاً لأطراف النزاع”.
وبحسب الأرشيف، فقد أسفرت نصف الهجمات الموثّقة عن وقوع إصابات مؤكدة، وشملت 12 محافظة سورية من أصل 14 محافظة. ويأتي في مقدمة المنشآت الطبية المستهدفة مستشفى “كفرنبل الجراحي” (أورينت) في بلدة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، حيث وثّقت قاعدة البيانات 10 هجمات على المستشفى، متجاوزاً بذلك كل المنشآت الطبية في سورية، بين عامي 2014 و2019، كانت قوات النظام السوري أو القوات الروسية مسؤولة عن ثماني هجمات من بينها على الأقل. ووفقاً للجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة؛ فقد دُمّر المستشفى بالكامل في مايو/أيار 2019، وكان يقدّم خدمات الرعاية الصحية لأكثر من 200,000 مواطن.
وفي “ما لا يقل عن 191 من الهجمات الموثّقة، كانت الأطراف الرئيسة في النزاع، بما في ذلك مرتكب الهجوم، على درايةٍ أو ينبغي أن تكون على درايةٍ مسبقةٍ بوجود المنشأة الطبية وموقعها الجغرافي”. حيث “شاركت الأمم المتحدة مع الولايات المتحدة وروسيا وتركيا الإحداثيات الدقيقة لمنشآت طبيّة محدّدة، على افتراض أن يساعد هذا الإجراء في الحد من القصف على المنشآت الطبية”؛ ولكن العكس هو ما حصل بحسب ما توضحه قاعدة البيانات، ويورد التقرير المرافق لقاعدة البيانات أن صحيفة نيويورك تايمز نشرت “تسجيلات صوتية لمراقبة حركة الرحلات الجويّة ولطياري الطائرات الحربية الروسية، يناقشون فيه إحداثيات مستشفى “نبض الحياة” في ريف إدلب الجنوبي، ويؤكدون تنفيذ الغارة الجوية” عليه في 5 مايو/أيار 2019.
زيادة معاناة المدنيين
وقعت غالبية الهجمات في محافظتي حلب (118 هجمة) وإدلب (106 هجمات). وقد حرمت هذه الهجمات المدنيين من حق أساسي من حقوقهم، وهو حق الحصول على الرعاية الطبية، كما أسفر ما يزيد عن نصف الهجمات الموثّقة (207 من أصل 410) عن وقوع مؤكّد لضحايا. ناهيك عن أنه في بعض الحالات، كان الضحايا مصابين بالفعل ويتلقون العلاج في المستشفى عند تعرّضه للهجوم، ما تسبّب بوفاتهم متأثرين بإصاباتٍ إضافية.
كما يرصد الأرشيف 44 حالة استهداف وقع فيها هجوم موثّق ضدّ منشأة مخصّصة للنساء أو الأطفال، وأربع حالات إضافيّة ضد منشآت تقدم خدمات رعاية للصحّة العقلية، كمستشفى “ابن خلدون للأمراض العقلية” في حلب، والذي تعرّض لهجمات متكررة، أو منشآت تعالج أشخاصاً ذوي إعاقة. وعلى سبيل المثال، يذكر التقرير الهجوم على مستشفى “شفق للنساء”، وهو مركز توليد ورعاية صحيّة أوليّة، في بلدة ترمانين بإدلب، حيث أوقع الهجوم ضحايا بينهم رضّع وحوامل.
استهداف ممنهج في مناطق خفض التصعيد
في مايو/أيار 2017، وقّعت كل من روسيا وتركيا وإيران مذكرة تفاهم أُنشئت بموجبها مناطق “خفض التصعيد” في سورية، في سعي إلى الحد من العنف وإيذاء المدنيين، وقد تضمّنت مناطق في إدلب وشمالي حمص وشرقي دمشق ودرعا.
وتظهر بيانات “الأرشيف السوري” أن “غالبية الهجمات الموثقة بعد مايو/أيار 2017، 50 هجمة من أصل 85، كانت ضد منشآت طبية واقعة ضمن مناطق خفض التصعيد”. ومعظم هذه الهجمات (43 من أصل 50) قد نُفّذت من قبل القوات الروسية أو قوات النظام السوري.
أسلحة غير مشروعة
توثّق قاعدة البيانات استخدام أسلحة غير مشروعة في 32 هجوماً على الأقل ضد منشآت طبية في سورية منذ عام 2011.
حيث تمّ توثيق استخدامين “للأسلحة الكيماويّة ضد المنشآت الطبية، مستشفى الصاخور بحلب، ومستشفى اللطامنة الجراحي بحماة”، وكلاهما نُفّذ من قبل النظام السوري في عامي 2016 و2017 على التوالي.
كما يوثّق الأرشيف 25 هجوماً باستخدام براميل متفجّرة ضد منشآت طبيّة في مناطق مأهولة، وسبع هجمات باستخدام الذخائر العنقودية، وأربعاً باستخدام أسلحة حارقة، نفّذت في معظمها عبر غارات جوية. كما يوثّق الأرشيف استخداماً وحيداً لقنبلة خارقة للتحصينات ضدّ مستشفى “الصاخور” بحلب، والذي كان مبنياً تحت الأرض ومعداً لتحمّل الغارات الجوية.
فشل الآلية الإنسانية لتجنب النزاع
حُدّدت مستشفيات ومنشآت طبيّة ضمن الآلية الإنسانية لتجنب النزاع التابعة للأمم المتحدة، وذلك في محاولة لتأمين حماية لها بشكل خاص، ولكنها استُهدفت عقب ذلك، الأمر الذي يرى القائمون على مبادرة “الأرشيف السوري” أنه “يعتبر عاملاً إضافياً يفاقم الأذى الذي لحق بالمدنيين، نتيجة الإحساس الزائف بالأمان الذي تم بثّه في مَن يتلقّون العلاج”.
ويحدد الأرشيف 23 هجوماً موثقاً على منشآت طبية “يُعرف أنها أبلغت الآلية الإنسانية لتجنب النزاع للأمم المتحدة بشكل ذاتي، ناشدةً الحماية”، ومن بينها مستشفى “الرستن” بحمص، الذي تم استهدافه في 30 إبريل/نيسان 2018، وكان “معروفاً للأطراف كافة، ومن بين المنشآت التي أبلغت الآلية الإنسانية لتجنب النزاع بشكل ذاتيّ”.
ويخلص التقرير المرافق لقاعدة البيانات إلى أن قوات النظام السوري “تعمّدت استهداف المشافي والوحدات الطبية بغرض المكاسب العسكرية، من خلال حرمان الجماعات المسلحة المعارضة” ومن يُعتَبرون من مؤيّديهم، من الرعاية الطبية، وذلك على الرغم من أن الدستور السوريّ ينص في مادته 22 على أنّ “تحمي الدولة صحة المواطنين وتوفر لهم وسائل الوقاية والمعالجة والتداوي”!