أم الفحم = فلسطين
نضال محمد وتد
إذا كانت الانتخابات الإسرائيلية، وما رافقها من أوهام تأثير وتغيير لنظام الاحتلال العنصري، قد فرّقت أحزاب فلسطينيي الداخل، فقد أعادت أم الفحم التي سمّاها ناجي العلي “الاسم الحركي لفلسطين”، لما فيها من عنفوان الثورة والإباء، الجمعة، توحيد فلسطينيي الداخل في تظاهرتها الموحدة ضد شرطة الاحتلال وتواطؤ حكومة الاحتلال كلّها، وليس فقط شرطتها، مع منظمات الإجرام المنظم التي تقتل في الداخل الفلسطيني من دون حسيب أو رقيب.
عشرات آلاف الناس، تدفقوا الجمعة إلى أم الفحم، وكموج البحر، توالى المتظاهرون نزولاً من السوق القديمة إلى مدخل المدينة، موجة إثر أخرى، أو كالشلال بلا انقطاع، نساء ورجالاً، شيبًا وشبّانًا، صبايا وأطفالا بعمر الورد، يرفعون علم فلسطين ويرددون الهتافات الوطنية رافعين اسم فلسطين عاليًا ضد الظلم والعنصرية والجريمة، ومؤكدين، ما يعرفه المحتل والسلطة العنصرية، أن فلسطين هي فلسطين، وأهلها لن يسكتوا على الظلم والجريمة والقتل والعنصرية.
هي أم الفحم، البلدة التي لا مثيل لها في الداخل الفلسطيني، ترفض ويشتد عودها وعنفوان شبانها وشاباتها كلّما تفكر السلطة الإسرائيلية أنها قادرة على ترويضها، أو التخلص من عبئها، بمخططات “ترانسفير” وترحيل عنصرية، كي يتسنى لها بعدها أن تروّض من بقوا داخل حدودها.
الجمعة، في أم الفحم، كان مشهد التضامن والتلاحم، ووصل الآلاف من خارج المدينة على الرغم من محاولات الشرطة إغلاق الشوارع والطرقات المؤدية إليها. مشهد لا تخطئ العين دلالته، يحكي قصة شعب بقي على أرضه، بعد نكبته، شعب رفض أن يتحول إلى فتات طوائف وشظايا يحركها ويلعب فيها نظام عنصري فاشي، يزيد انحداره وتدهوره نحو أبرتهايد من نوع جديد: حق انتخاب للجميع، لكن لا حقوق وطنية ولا جماعية لمن ليس يهوديًا.
هي أم الفحم التي عرفها شعبنا في أيام النكبة مقاتلة شرسة ضد سلب فلسطين، ومنها خرج عشرات ومئات المناضلين، والحركات السياسية الوطنية. هي أم الفحم وحدها القادرة في ألمها وغضبها على أن تقدّم لعرب الداخل النموذج والطريق لعدم الاستكانة للإجرام المنظم وعدم الخنوع لنظام يريد مساومة أهلها على حقوقهم اليومية والمدنية، مقابل تخليهم عن هويتهم الوطنية والقومية وانتمائهم ووفائهم للوطن والشعب. أثبتت أم الفحم مرة أخرى الجمعة، أنها ليست فقط الاسم الحركي لفلسطين، بل هي فلسطين.