جربوا المقاطعة فالانتخابات الخامسة في الباب
توفيق محمد
آمنت وما أزال أن انتخابات الكنيست بالنسبة لنا هي مشاركة صفرية، وأن نتيجتها لن تكون أكثر من ذلك، ولذلك عندما أناقش هذه المسألة فإنني لا أنطلق من مسألة ماذا حقق أعضاء الكنيست العرب على مدار الـ 73 عاما الماضية، هي عمر دولة إسرائيل، وماذا لم يحققوا، لأن المسألة ليست هنا بتاتا، فكلنا نعلم أن الكنيست هي المؤسسة التشريعية الإسرائيلية التي أقيمت لخدمة الدولة اليهودية، والتي تُعنى بسن القوانين التي صادرت وتصادر الحق الفلسطيني أرضا وممتلكات وكينونة، وكلنا نعلم أن هذا الملعب لا يمكن من خلاله تحصيل شيء غير الذي يقرر حكامه دفعه، أو غير الذي ينتزعه شعبنا في ساحات النضال الشعبي المتاح.
لذلك لن أناقش أعضاء الكنيست العرب الذين خرجوا علينا قبل شهر أو يزيد قليلا بـ “إنجاز” و”بشرى” تجميد قانون كمينتس، ولم تمض أيام على بشراهم وإذ بأسنان الجرافات تأكل البيوت في قلنسوة وكفر قاسم والنقب و…، ولن أناقشهم بـ “إنجاز و “بشرى” الاعتراف بقرى مسلوبة الاعتراف في النقب، وإذ بمتحدثي الحزب الحاكم الليكود ينفون ذلك ثم تأكل أسنان جرافاتهم البيوت والزرع في النقب ومن يعترض يلقى به في زنازين الاعتقال، ولن أناقشهم في إنشاء لجنة مكافحة العنف، وإذ بها لجنة افتتاح المزيد من مراكز الشرطة فيما القتل والعنف يعصف بأهلنا دون رادع أو مانع….. ولن أناقشهم …ولن …. الكثير الكثير.
لأنني أعلم محدوديتهم في كل ذلك لا ألومهم، ولا اعتب عليهم بقلة حيلتهم ولا بانعدام تحصيلهم، فلا الكنيست تتيح لهم ولا أحزابها الصهيونية أو اليهودية المتدينة ولا حتى “اليسارية”!! تساعدهم فهم خارج كل دائرة ممكنة من دوائر التأثير ناهيك عن دوائر صناعة القرار والسياسة ولا يمكن أن يكونوا هناك حتى وإن رضخوا لعروض نتنياهو : “السلام مقابل السلام” أو بلغة اليوم بعض فتات مقابل الدعم السياسي له.
أمّا الذي يزعجني ويزعج الشريحة الأكبر والأعظم لدى شعبنا الفلسطيني في الداخل فهو انحدار مستوى الفعل السياسي والخطاب السياسي و”المعركة” الانتخابية التي تديرها كل من بقايا المشتركة والعربية الموحدة، وفي الواقع فإن الانحدار بالخطاب من الخطاب الوطني إلى الخطاب المطلبي والمصلحي لم يبدأ مع عضو الكنيست منصور عباس وإن بدا هو كمن يلعب دور البطولة فيه، إنما بدأ – على الأقل- في عهد المشتركة منذ أصبح السيد أيمن عودة عضو كنيست، فهو أول من تجرأ وألقى كلمة في مؤتمر منظمة “جي ستريت” الأمريكية الصهيونية الأمريكية وهو من جنّد الأموال من الصناديق الصهيونية الأمريكية لدعم القائمة المشتركة، وهو من قاد التوصية على بيني غانتس قبل أن يركله الأخير هو وقائمته المشتركة خارج الملعب الإسرائيلي مذكرا إياه بانه وقائمته ليسوا “حلالا” لدعم حكومة صهيونية، وهو من قاد الخطاب المطلبي، وأنا أعلم أنه طولب بالكف عن هذا الخطاب لما له من تأثير انتخابي سلبي فيما لو بقي، ولم يتوقف عنه قناعة فهو والدكتور منصور في هذا الجانب ليسا بعيدين عن بعضهما البعض.
القائمتان المشاركتان في انتخابات الكنيست تسعيان لوضع الناخبين بين خياري الأسرلة ودعم الشذوذ، وهما يديران معركتهما الانتخابية على هذين المحورين، فالموحدة تناكف ما تبقى من المشتركة بموقفها من قضايا الشاذين أخلاقيا أو من تسميهم خطأ “المثليين” وبقايا المشتركة تزاود على الموحدة في مسألة خطابها المطلبي الذي بات مستعدا لدعم أي حكومة، وليس مهما من يكون على رأسها نتنياهو أو غيره مقابل تحصيل بعض القضايا المطلبية- ولن تحصل على شيء- لأن ما يمكنها تحصيله هو ليس أكثر مما تتيحه المنظومة الأمنية الإسرائيلية، كونها تتعامل مع مجتمعنا العربي وفق المنظومة الأمنية أبدا ودائما، وليس وفق منظومة المواطنة التي تعتقد بقايا المشتركة والموحدة تحقيقها بمشاركتهما في انتخابات الكنيست.
كثيرة هي مخاطر الكنيست على الذاكرة الجماعية لشعبنا، وعلى الوعي الجماعي له، لكن أخطر ما في الأمر الآن هو اللعب في الملعب الذي رسمته السياسة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو وهو ترويض العقل لقبول معادلة نتنياهو: “السلام مقابل السلام” فلئن تم تدجين عدد من الدول العربية لقبول هذه المعادلة، فإن هنا في أوساطنا من يسعى لتدجين العقل العربي في الداخل لقبول معادلة الدعم السياسي لنتنياهو أو أي رئيس حكومة إسرائيلي آخر مقابل بعض الفتات من جانب، ومن جانب آخر قبول وجود الشواذ والشاذات أخلاقيا وجنسيا في أجواء مجتمعنا الفلسطيني العربي المسلم والمسيحي المحافظ وكلا الأمرين خطير.
وعليه فإنني أقول: مخطئ من ظن أن على مجتمعنا الاختيار بين هذين الخيارين المرين المرفوضين، وإن شعبنا المحافظ الأصيل لديه خيار ثالث وهو خيار المقاطعة، وليكن هذه المرة هو الخيار الأقوى، وليجربه هذه المرة فالانتخابات الخامسة التي ربما تكون في شهر أب 2021 ليست بعيدة.