لن نخرج من باب الإسلام يا توما
أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
إنه الإسلام، ذلك التشريع الرباني العظيم والذي تكمن عظمته بشموليته التامة، وتوافقه المطلق مع كل زمان ومكان وملاءمته للفطرة الإنسانية السوّية. هذا هو الوصف المختصر لديننا العظيم يا عايدة توما، وحتى أزيدك من الشعر بيتا تفهمينه، لأنه من أقوال من تقتدين بهم من فلاسفة ومفكرين الغرب، فهذا غوستاف لوبون المستشرق الفرنسي مؤلف كتاب “سيكولوجية الجماهير” يقول: (كيف لا يبقى دين الدولة في بلاد أتحد فيها الشرع المدني والشرع الديني وقام فيها المبدأ الوطني على الإيمان بالقرآن، يصعب هدم ذلك). إذن، بشهادة هذا المستشرق يا توما وشهادة الكثير من فلاسفة ومفكرين الغرب، أمثال: جوتة ونيتشه المعروفان بإلحادهما إلا أنهما اعترفا بشمولية الإسلام، وكيف أن الأندلس (إسبانيا) الدولة الغربية الوحيدة التي نجت من ظلام العصور الوسطى بفضل الحكم الإسلامي فيها، ويؤكدان أن الإسلام دين شامل لا يقبل التجزئة ولا الانشطار لأنه متكامل بذاته ليس بحاجة لأية قوانين مساعدة!! على العكس من المسيحية التي تقبل الانشطار كما جاء في الإنجيل: (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله)، بينما في شريعة الإسلام (قيصر وما لقيصر لله) لكن يبدو أن حضرتك يا توما ومن هم على شاكلتك ممن يلهثون وراء المدنية الغربية التي لا تحمل في جعبتها إلا الانحلال الأخلاقي والفساد الاقتصادي والتفكك الاجتماعي، رغم ذلك يدعون للمدنية وينادون بالديمقراطية والنظام العلماني، ظنًّا منهم أن هذا النظام سيفسح المجال أمامنا للتقدم والتطور، وسيسمح بتطبيق العدل والسلام والمساواة بين جميع أفراد المجتمع.
لكنني أقولها لكم: خابت ظنونكم لأن الحرية والإخاء التي نادت بها الثورة الفرنسية عام (1789م) والتي كانت بمثابة النواة الأولى للنظام العلماني الذي تطالبين به يا توما! هي من صميم تشريعنا الإسلامي الذي تحاربينه وتضعينه في نفس الخانة مع الدين النصراني المُحرف. وأنا هنا ومن خلال هذا المقال أود أن أبيّن للقارئ أن العلمانية التي تنادي بها السيدة توما نشأت بالغرب ولأسباب بعيدة عنا نحن المسلمون، لذلك قد أتفهم المطالبة بتطبيق النظام العلماني في الدول الغربية أو أتفهم هذا المطلب من إنسان غربي مسيحي، لأن العلمانية كانت بمثابة الحل السحري لجميع مشاكل الغرب مع الدولة أو مع ديكتاتورية رجال الدولة ورجال الدين آنذاك، وأنا هنا أتكلم عن حقبة القرون الوسطى حيث كان الملك والإقطاعيون ورجال الدين في خانة، وعامة الشعب في خانة أخرى، أتكلم عن فترة كان فيها الفساد والجهل يعمّ ويطمّ على تلك البلاد، بسبب تسلط القساوسة واحتكارهم الرأي في تسيير حياة عامة الشعب والتدخل في شؤونهم وحياتهم الخاصة، ويكفرون من يريدون ويعطون صكوك الغفران لمن يريدون كذلك، لا بل كان هنالك محاربة للعلم والعلماء وقتلهم إذا ما خالفوا رأي الرهبان والقساوسة، فقد كانت تلك الفترة فترة طغيان ديني وطغيان علمي، وطغيان أخلاقي، وطغيان اقتصادي، الطاغية المستبد هو كما ذكرت الملك ورجال الدين والإقطاعيين، أمّا أبناء الشعب فيذوقون المر والويلات جراء هذا الطغيان، فثار الشعب الفرنسي على هذا الطغيان والفساد بثورتهم الفرنسية المشهورة عام (1789م) وأزالوا رأس الفساد وأسقطوا الحكم البابوي الديني، وطالبوا بإقامة نظام علماني يتم فيه فصل الدين عن الدولة، حتى يتم تطبيق مفهوم الحرية والإخاء والمساواة وكان شعارهم المعروف (اقتلوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس).
هذا اختصار المختصر لكيفية ظهور مصطلح الدولة العلمانية التي لم ولن تخصنا بأي شيء أيها المسلم، لأنه لو دقّقنا في معنى العلمانية لوجدنا أن معناها وحسب تعريف دائرة المعارف البريطانية على أنها (إلحاد عملي).
وفي معنى العلمانية بحسب قاموس جامعة أكسفورد، فإنها تعني اللادينية أو الإلحاد!! فما هو رأيك يا سيدة توما؟!! ولزيادة التوضيح يا ست عايدة، أود أن أوضح لك وأنا متأكدة بأنك تعرفين وتؤمنين بما سأقول: أن العلمانية تقسم إلى قسمين:
العلمانية الملحدة المتطرفة التي تنكر وجود الله عز وجل ويقول من يتبنى هذه النظرية أن (لا إله والحياة مادة) وأن (الدين أفيون الشعوب) أمثال ماركس ولينين وتيتو وغيرهم. وهنالك العلمانية غير الملحدة أو المعتدلة التي لا تنكر وجود الله عز وجل وتسمح بإقامة الشعائر الدينية، لكنهم ينادون ويطالبون بعزل الدين عن الدولة وهؤلاء من يسمون أنفسهم بالديموقراطيين، بحيث تطالب هاتان الفئتان بسيادة القانون البشري العلماني، الذي يسمح أن تتحكم في تسيير حياتنا فئة من المنحلين أخلاقيا، بدعوى الحرية والديموقراطية وتسمح بالشذوذ الجنسي والانحلال الأخلاقي، هذه العلمانية وبحجة الديمقراطية والحرية تقنن سوق الربا والدعارة، والزنا، وتعاطي المخدرات.
أهذا هو النظام الذي تطالبين به يا توما!! لكن ماذا سأنتظر وأتوقع ممن تعمل في جمعيات نسوية تتلقى الدعم من صناديق صهيوأمريكية!! وماذا سأنتظر ممن يؤيدون الشواذ جنسيا ويقفون إلى جانبهم، لا بل وصوّتوا إلى جانبهم في الكنيست.
أما نحن فنقول لكم خرست ألسنتكم يا من تتجرؤون على إسلامنا وعقيدتنا وثوابتنا، ونقول لكم بأن إسلامنا لا يقبل التجزئة، إسلامنا دين الحضارة والعلم، دين المساواة والعدل، فيه صلاح الدنيا والآخرة، نؤمن به جملة وتفصيلا. أمّا أنتم فاسمعوا قول الله عز وجل: (… أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ….).
وأخيرا وليس آخرا، أختم بقول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..). اللهم نشهدك أننا رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.