“لا يحترم خصوصية المستخدمين”.. لماذا يحصد واتساب كل هذه الانتقادات الآن؟
أطل تطبيق المراسلات الفورية الأشهر عالميًا، واتساب، على مستخدميه، مؤخرًا، بحزمةٍ جديدة من بنود سياسة الاستخدام والخصوصية، التي رآها كثيرٌ من المستخدمين والخبراء انتهاكًا وابتزازًا لملايين المستخدمين الذين تعودوا على استخدام التطبيق، وباتوا يعتبرونه تطبيقًا معياريًا لا يمكن الاستغناء عنه، فما قصة هذه التحديثات؟ ولماذا قرر البعض أن يبحث بعدها عن بدائل أخرى لأداء نفس الوظيفة؟
من واتساب إلى فيسبوك
ما ينبغي لنا معرفته لفهم خطوة واتساب المثيرة للجدل، هو أنه رغم استحواذ فيسبوك على الشركة منذ نحو ستة أعوام، فإن كلتا الشركتين ما زالتا منفصلتين تقنيًا، وأن قواعد البيانات الخاصة بالتطبيقين ليست واحدةً بالكامل.
لكن فيسبوك تسعى منذ عام 2016، إلى دمج قواعد البيانات الخاصة بالشركتين معًا. بخلاف الإجراء القانوني المنتظر بخصوص موافقة المستخدمين على هذا الإجراء، فإن أحد أبرز الدواعي التقنية لهذه الخطوة هي أن مستخدمي التطبيقين ليسوا نفس الأشخاص، بالمعنى الحرفي للجملة، لأن هناك مستخدمين لواتساب لا يمتلكون حسابات على فيسبوك، ولأن ما يجري في واتساب مختلف عما يحدث في فيسبوك بسبب الطبيعة الخاصة لكل منصة، التي تعيد تشكيل هوية المستخدم وسلوكه بناءً على طريقة هندسة التطبيق، وقد دمج فيسبوك بالفعل، في ضوء هذه المعطيات، قبل ذلك، قواعد بياناته بتطبيقي إنستغرام وماسنجر اللذين استحوذ عليهما سابقًا.
ما تخطط واتساب لتمريره إلى فيسبوك، بموجب السياسات الجديدة، هي، بالضبط، كل البيانات والصلاحيات التي تمتلكها واتساب عن المستخدم، سواءً كانت هذه الصلاحيات خاصة بالهاتف مثل مستوى البطارية واللغة والمنطقة الزمنية أم بطبيعة الاتصال مثل شبكة الهاتف المحمول ومشغل الخدمة وعنوان الهوية، بالإضافة إلى المعلومات الأساسية التي تخص آلية عمل تطبيقات الاتصال الفورية مثل رقم الهاتف وإصدار التطبيق، وأمور أخرى خطيرة مثل معلومات المتصفح، حال استخدامك واتساب عبر متصفح.
ستذهب هذه البيانات شديدة الخصوصية إلى شركة فيسبوك، الأم، حتى لو كان مالك حساب واتساب لا يمتلك حسابًا اجتماعيًا على فيسبوك، بما في ذلك الاطلاع على الأشخاص الذين يراسلهم وعدد مرات التواصل معهم، خاصة الحسابات ذات الأغراض التجارية في واتساب.
ومن المفترض أن يقرر المستخدم موقفه من هذه السياسات الجديدة، في موعد أقصاه الـ8 من فبراير/شباط المقبل، قبولًا بتمرير هذه البيانات، أو رفضًا، وهو ما سيرتب عليه تعطيل حسابه في الموقع، دون تخلص واتساب من بيانات المستخدم، إلا إذا حذف المشغل حسابه نهائيًا من إعدادات التطبيق.
كيف تبرر الشركة؟
كما هو متوقع، تقول شركة واتساب إن المجال مفتوح أمام المستخدم للقبول بهذه الإجراءات الجديدة أو رفضها، إذا شعر أنها لا تناسب مستوى الخصوصية الذي يطمح إليه، وإن الشركة لم تمرر هذه البيانات إلى فيسبوك خلسةً كما ثبت في فضائح قانونية وأخلاقية سابقة، تورطت في بعضها واتساب نفسها، أي أن هناك تغييرًا في طريقة تمرير البيانات: الإعلان وترك حرية الاختيار للمستخدم.
بحسب واتساب أيضًا، فإن الغرض من تمرير هذه البيانات ليس اختراق الخصوصية، خاصة أن الطرف الثالث الذي ستمرر إليه هذه البيانات ليس طرفًا ثالثًا بالمعنى المعروف لهذه الكلمة، وإنما هي شركة فيسبوك التي أنفقت مليارات الدولارات لشراء التطبيق أولًا، وتطويره وتشغيله في وقت لاحق.
رغم اطلاع فيسبوك على كل بيانات المستخدم المملوكة لواتساب، وهو ما يعني مليارات العمليات من تحليل هذه البيانات، فإن واتساب تقول إن هناك خطوطًا حمراء أمام طريقة معالجة فيسبوك لهذه البيانات، أولها أن الشركة الزرقاء لن تطلع على نص الرسائل، خاصة في ظل وجود نظام تشفير سري يحكم عملية تداول الرسائل في واتساب، وأن فيسبوك لن تمرر هذه البيانات لأطراف خارجية، بما يعني أنها ستظل محكومة داخل نظام مغلق رأسه فيسبوك.
ما تتطلع إليه فيسبوك، بحسب واتساب، هو تحسين الخدمة في كلتا الشركتين وفهم سلوك المستخدمين في التطبيقين بشكل أفضل، بما يسهم في تطوير الأداء، خاصة في فيسبوك، ومنح المستخدمين خصائص أكثر ترابطًا وشمولًا، عبر اقتراح مزيد من الاختيارات الدقيقة الخاصة بالأصدقاء والدردشات، ودمج منصات المحادثة والدفع المتفرعة عن التطبيقين مثل خدمة “بورتال” في فيسبوك.
طموحات خطيرة
أهم ما يميز طموحات شركة فيسبوك، بحسب وجهة نظر الخبراء، هو الدأب الشديد في تنفيذها والاستحواذية وإثارة الجدل وعدم الاكتراث بمصالح المستخدمين، ولننح جانبًا الآن، فضيحة “كامبريدج أنالتيكا” والعملة الكونية المشفرة “ليبرا”، والجهود الحاليّة لتحجيم الشركة في الأروقة الغربية، تخوفًا من هذه الطموحات.
منذ عدة أعوام، طرحت شركة فيسبوك في أحد المؤتمرات الخاصة بتطوير الأنشطة الاجتماعية رؤيةً لمعالجة الأفكار التي تسبح في الدماغ البشري، وتحويلها إلى أوامر عصبية تتلقاها الحواسيب دون أن ينفذ المستخدم الأمر يدويًا بالشكل التقليدي. فكرة مثيرة وممكنة، لكن ماذا عن جوانبها الأخلاقية، وتأثيرها على الإنسان وهويته ونشاطه؟
استعار فيسبوك هذه الفكرة من الحقل الطبي، الذي سعى رواده لدعم مرضى الشلل وتسهيل حياتهم، عبر جراحات زرع أقطاب كهربائية في أدمغة المرضى، تمرر من خلالها الأوامر التي تدور في عقل المريض في صورة توجيه للذكاء الاصطناعي أو نص مكتوب للبشر المحيطين به، وفي سبيل تنفيذ هذه الفكرة المستعارة، قطع فيسبوك أشواطًا لتطبيقها، لكن دون جراحة، عبر سماعات رأس يمكن ارتداؤها والتحكم في أوامرها من خلال الأفكار فقط.
كشفت مساعي فيسبوك، التي كان بعضها سريًا، عبر رصد عدة صفقات، مثل الاستحواذ على شركة كبرى تعمل في مجال علاقة اللغة والدماغ بالحاسوب، بمبلغ مليار دولار أمريكي، ومغادرة الباحثة المسؤولة عن المشروع الشركة وخروجها إلى الإعلام، وصولًا إلى تسريب أحد المواقع الإخبارية المعروفة في الخارج مقطعًا صوتيًا يناقش فيه كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة، مايك شروبر، آخر مستجدات المشروع.
تليغرام ينتقد
لاقى النهج الذي تتبناه فيسبوك في الاستحواذ وعدم الاكتراث بمصالح المستخدمين، وخاصة فيما يتعلق بواتساب مؤخرًا، هجومًا لاذعًا من عدد من الكيانات والأفراد، لكن إحدى أهم تلك الرسائل كانت من منافس فيسبوك في مجال المراسلات الفورية: “تيلغرام”.
نقل مدير تيلغرام بافيل دوروڤ إلى فيسبوك إزعاج كثير من المستخدمين من سلوكه، قائلًا: “هناك ملايين المستخدمين لديهم غضب من الخطوة الجديدة، حيال بيع واتساب بياناتهم لصالح إعلانات فيسبوك، لكن إلى أين اتجهوا؟ اتجهوا إلى تليغرام”، مشيرًا إلى أن فيسبوك لديه قسمًا كاملًا لتحليل سبب نجاح تطبيقه، لكنه قرر الإفصاح لهم عن السر وتوفير النفقات وهو “فقط، احترموا المستخدمين”، على حد قوله.
وبحسب دوروڤ، فإن فيسبوك يدفع ملايين الدولارات لتسويق الشائعات عن شركته (تيليغرام) وعرقلة نجاحها، في منصات الإنترنت مثل ويكيبيديا، لصالح واتساب، أهم تلك الأكاذيب هي أن الكود الخاص بتطبيق تليغرام ليس مفتوحًا، وأن تطبيق شركته روسي المنشأ، وأن المحادثات التي تتم بين المستخدمين ليست مشفرة بالكامل.
وبأسلوب المقارنة، أوضح أن كود تليغرام مفتوح المصدر منذ عام 2013 وجرى توثيق الكود ومراجعته من خبراء الأمن الإلكتروني آلاف المرات عكس واتساب التي تمارس تعتيمًا على الكود الخاص بتطبيقها، وفيما يخص الادعاء بكون تليغرام منصةً تابعةً لروسيا، تساءل المدير: كيف يكون ذلك حقيقيًا، والتطبيق محظور منذ 2018 في روسيا، والشركة لا تمتلك أي مقرات أو خوادم هناك، كما حظر أيضًا في إيران، بينما يعمل واتساب في هذه الدول الاستبدادية بأريحية؟
وعن عدم تشفير الرسائل، أكد أن التطبيق مشفر بالكامل منذ أول يوم، وأن المحادثات السرية ترفع إلى خوادم سحابية مؤمنة، بينما لم تكن واتساب تحتفظ بأي تشفير، وحينما أعلنوه، كان بتمويل من الحكومة الأمريكية ويجري انتهاكه عبر وسائل عديدة مثل النسخ الاحتياطي.
هذه السياسات الإيجابية التي تنتهجها الشركة المؤسسة لتطبيق تليغرام ساهمت في إنجاح المشروع دون الحاجة إلى تسويقه بالشكل التقليدي، بينما تضطر فيسبوك إلى إنفاق 10 مليارات دولار سنويًا على التسويق، تذهب حصة منهم لتشويه الخصوم، مثل تليغرام، والمحصلة النهائية أن رصيد التطبيق من المستخدمين ارتقى إلى نصف مليار حساب، وذلك فقط، بسبب أنهم يعتقدون أن المستخدم ذكي كفاية لتمييز ما يتلاءم معه، بحسب نص كلام دوروڤ.
سيجنال أهم البدائل
بعيدًا عن تليغرام قليلًا، فقد نالت تغريدة رائد الأعمال الأمريكي وأغنى رجل في العالم بالوقت الحاليّ إيلون ماسك، تعليقًا على الجدل الدائر عن تبادل بيانات المستخدمين بين واتساب وفيسبوك تفاعلًا ضخمًا، حيث طلب ماسك من متابعيه في التغريدة أن يتوجهوا إلى تطبيق “سيجنال” للمراسلات الفورية بدلًا من واتساب.
ووفقًا للخبراء، فإن أهم ما يميز هذا التطبيق الذي أسسه موكسي مارلن سبايك عام 2014، أنه مفتوح المصدر وقائم على تبرعات المستخدمين والمطورين والنشطاء الطامحين للخصوصية، فلا يهدف إلى الربح ولا يحتوي على إعلانات، والشركة المشغلة “Signal Messenger” غير مدرجة في البورصات.
يوفر سيجنال أيضًا للمستخدمين حزمةً واسعةً من الإجراءات الحمائية، على غرار تشفير المحادثات (End-to-End Encryption) وتشفير البيانات الخاصة بالمستخدم (Metadata) بحيث لا يطلع عليها أي طرف ثالث، ولا يخزن البيانات في أي سحابة تخزين، ولا يطلب أي أذونات أكثر من رقم الهاتف، ويحظر إمكانية تصوير الشاشة أو تتبع توقعات لوحة المفاتيح، مع إتاحة إرسال رسائل موقوتة، تدمر ذاتيًا عقب إرسالها، ولا يحتفظ بها في ذاكرة أي من الطرفين.
اللافت في تغريدة ماسك أن عددًا ضخمًا من المتابعين تعاملوا معها من منظور اقتصادي، لا أنها مجرد نصيحة سايبرانية، فسارعوا إلى شراء عدد ضخم من الأسهم في إحدى الشركات التي تحمل اسمًا مشابهًا لنفس التطبيق (Signal Advance)، ما أدى إلى ارتفاع سعر السهم بمقدار 1100%، لذلك سارعت الشركة إلى توضيح أن الشركة المستثمر بها لا تمت لها بصلة، وأن الأمر لا يعدو كونه تشابهًا في الاسم.
بالمحصلة، فإنه يمكن للمستخدم المهتم بحماية خصوصيته ولكنه لا يجد بدًا من استخدام شبكات التواصل وتطبيقات التراسل، أن يشتت جهود جمع بياناته فلا يجعلها جميًعا تحت رحمة شركة واحد، فإن كان ولا بد من استخدام فيسبوك، فيمكن استخدام أحد بدائل واتساب العديدة.