“مهرجان الأقصى في خطر” ودوره في رفع الوعي (1)
ساهر غزاوي
مقدمة
في هذه السلسلة من المقالات، نتناول الحديث عن دور مهرجان “الأقصى في خطر” الذي درجت على تنظيمه الحركة الإسلامية (المحظورة إسرائيليا من 2015) على مدار عشرين عامًا، وتأثيراته في رفع الوعي تجاه قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك، ذلك المهرجان الذي كان ينظم في شهر أيلول/ سبتمبر من كل عام في ملعب السلام في مدينة أم الفحم، وقد ارتبط بمسيرة نضال الشعب الفلسطيني وأصبح على مرّ السنين، منبرًا للدفاع عن القدس والمسجد الأقصى وفضح كل المخططات الإسرائيلية التي تستهدفهما.
ساهم المهرجان في لمّ الشمل الفلسطيني بمختلف أطيافه السياسية والدينية نصرة للمدينة المقدسة. وسرعان ما تحول المهرجان، الذي كان يحتشد فيه سنويًا عشرات الآلاف، إلى أهم المهرجانات عالميًا، حيث كان منبرًا ساهم في شحذ الهمم ووضع القدس وقضاياها الحارقة على الخريطة الدولية، وسنويًا كان يوقظ الغافلين حيال ما تتعرض له المقدسات من مخاطر وما تحاك من مؤامرات تهويدية ومشاريع استيطانية ضد المسجد الأقصى. واكتسب المهرجان شهرة وحضورًا، ليس فقط على مستوى الداخل الفلسطيني، وإنما أصبح حدثًا عالميًا يترقبه الفلسطينيون والعرب والمسلمون عبر الفضائيات، التي راحت تنقله في كل سنة نقلًا مباشرًا.
عقب اكتشاف الحفريات الإسرائيلية أسفل المسجد الأقصى، والّتي شكلت خطرًا حقيقيًّا على بُنيةِ المسجد وأساساته، وفي نفس الوقت، افتتاح الاحتلال الإسرائيلي نفقًا أسفل المدرسة العمرية المطلة على المسجد الأقصى، أدى إلى تصاعد حدَّة الغضب الفلسطينية، أطلقت الحركة الإسلامية عام 1996 مهرجان “الأقصى في خطر” في نسخته الأولى في 11/10/1996. وكانت دورة المهرجان الأخيرة في نسخته الـ 20 في 11/9/2015 وغاب بعدها بعدما قررت السلطات الإسرائيلية في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2015، حظر الحركة الإسلامية وإخراجها عن القانون.
القدس والأقصى في منظور الحركة الإسلامية
لا يمكن الحديث عن مهرجان “الأقصى في خطر” وتأثيراته في رفع الوعي تجاه قضية القدس والمسجد الأقصى بمعزل عن الحديث عن منهج الحركة الإسلامية النظري والعملي في القدس والمسجد الأقصى، فالحركة الإسلامية انطلقت في أدبياتها في تحديد دورها في قضية القدس والمسجد الأقصى من قناعة راسخة وواضحة كما بيّنها الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا، في أحد مقالاته: إن هذه القضية هي قضية الحركة الإسلامية، وإنها من أهم ثوابتها، التي لا مجال للتفريط فيها أو التفاوض عليها أو تقسيمها، ولا مجال للوقوف من هذه القضية موقف المتفرج عليها أو الخاذل لها أو المتاجر بها أو الغافل عنها أو المتنكر لها أو المتردد في نصرتها، فهي قضية قرآنية، وهي قضية إسلامية عربية فلسطينية، وهي حق تاريخي وحضاري إسلامي عربي فلسطيني، ولأنها كذلك فهي قضية الحركة الإسلامية، ولذلك فإن الحركة الإسلامية لا تقوم بنصرة هذه القضية من باب التضامن معها أو العطف عليها لمرات متقطعة بين الحين والآخر، بل تقوم بنصرتها من باب الواجب الدائم الملقى على عاتقها وعلى عاتق أبنائها وبناتها وأنصارها وكل المتواصلين معها، طاعة لله واقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم، وحبًا لهذه القضية وانتماء إليها وحرصًا عليها، وتضحية من أجلها ويقينًا بانتصارها الأبدي على كل احتلال، بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك من باب ضريبة انتماء الحركة الإسلامية إلى الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني. وتحمل الحركة الإسلامية هَمَّ هذه القضية وتوحد بين جهودها وجهود الأهالي في الداخل الفلسطيني والقدس وكل الغيورين من الأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني ثم الحاضر الإنساني على هذه القضية. (إضاءات على بعض مفاهيم ومواقف الحركة الإسلامية، 2016، ص 46).
ووفقا لهذا المنظور، فقد شهدت المعسكرات التربوية في الحركة الإسلامية منذ فترة مبكرة من تاريخ عملها الطلابي والعام ارتباطًا بالمسجد الأقصى حيث تقاطر الطلاب على المسجد، مصلين ومرابطين (رباط). ارتفعت أهمية المسجد الأقصى في وجدان الحركة الإسلامية مع ارتفاع منسوب العمل السياسي لديها، إذ أن الحركة الإسلامية شرعت تهتم بالمسجد الأقصى مع اهتمامها بالأوقاف والمقدسات، وفور تشكيل الهيئة العليا للسلطات المحلية في البلاد وشملت أم الفحم، كفر قاسم، جلجولية، كفر برا، رهط، بدأ الاهتمام بموضوع الأوقاف والمقدسات يأخذ حيزًا واضحًا من جلسات هذه اللجنة. وانطلقت الحركة الإسلامية في تعاطيها مع الأوقاف والمقدسات والمسجد الأقصى على أن فلسطين أرض مقدسة بالكامل، وبموجب مقدساتها تصبح هذه الأرض وقفية بالكامل. وامتدت العلاقة مع المسجد الأقصى وقضايا الأوقاف والمقدسات بصورة عملية لتترجم في معسكرات عمل وقفية شملت العديد من المقابر الإسلامية، إمّا تنظيفًا أو ترميمًا أو تجميلًا، وكذلك بعض المساجد والتكايا في مختلف البلدان.
في عام 1994 نظمت الحركة الإسلامية مهرجان “القدس أولًا” في قرية كفر كنا، حيث لامست الحركة هموم القدس والمسجد الأقصى عن قرب، ثم كان المهرجان الثاني في كفر قاسم عام 1995. ومنذ عام 1996 وحتى 2015، عقدت الحركة الإسلامية مهرجانها السنوي الذي أصبح حضوره عالميًا، وكذلك تأثيره في رفع سقف الاهتمام في قضية القدس والأقصى من الداخل إلى المستوى العالمي. (مركز الدراسات المعاصرة. المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني، دراسة واقع الأقلية العربية في الداخل الفلسطيني، 2006، ص 168، 169).
(يتبع…)