مقالاتومضات

أطفالٌ رجال

سوسن محمد مصاروه
بيوتنا وأولادنا رأسمالنا، هم سرّ سعادتنا ونشاطنا وهمّتنا، ومحلّ طمأنينة أنفسنا، الاهتمام بهم وتحصينهم ومتابعتهم واجب، بل هو أوجب الواجب، وإهمالهم يجلب لنا العنت والمشقة وسوء العاقبة، كلنا رعاةٌ مسؤولون (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ…).
للدعوة إلى الله نوافذ وأبواب ومنابرَ كثيرة، وللتربية قواعد وسلوك ومبادئ معتمدة.
قال تعالى بحقّ موسى: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) طـه39.
فهل نلقي شِباك المحبة على أبنائنا لنصنعهم على عيوننا ليكونوا كما يريد الله!؟
لقد علّمنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم كل شيء في أمور ديننا، من خلال فعله وقوله وإقراره، هو قدوتنا ومُعلمنا وقائدنا في كل أمورنا، لا للغرب ولا للشرق نتبع وإنما هو القرآن والسنة ما إن تمسكنا بهما فلا نضلّ ولا نشقى.
اعتمد النبيّ صلى الله عليه وسلم على أساليبَ كثيرة ومتنوعة في تربيته لأطفال الصحابة وإعدادهم إعدادًا ملائمًا، يمكن أن نلخصها بما يلي:
1. الإعداد العقائدي والذي فهمناه من كلام ابن عباس، لما كانَ رديفَ النبيّ فقال له: (يا غلام إني أعلمك كلمات، احفَظ الله يحفظك، احفَظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله وإذا استعنتَ فاستعِنْ بالله، واعلم أنّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفّت الصحف). رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجب أن تستقر العقيدة في قلوب الأبناء منذ صغرهم حتى إذا ما تربوا نشأوا على ثبات منهجي وفكري متميز راسخ. هذا الأساس يعني أن تُغرس فيهم عُرى الإيمان بربهم وصفاته وأسمائه ومعنى العبودية والإيمان بالنبوات والكتب السماوية واليوم الآخر والقدر والغيب، يحيط بالحياة من كل أطرافها، حتى لا يتركهم نهبًا للأهواء تتلقفهم الأفكار وتتصيدهم فتبعدهم عن الهَدي المستقيم. فأين مسؤوليتنا في التربية؟
2. الإعداد التعبدي: كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، يُربُّون الأطفال على دخول المساجد، وأداء الصلوات في أوقاتها، والعفو عن لعبهم وعثراتهم، ولم يصح أنه عليه الصلاة والسلام، كان يمنع الأطفال دخول المساجد. كما كانت الصحابيات يأمرن أولادهن بالصيام بعض اليوم في سنّ الرابعة والخامسة حتى يتعودوا على الصيام. واليوم نقرأ حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم: (علموا أبناءكم الصلاة لسبعٍ…) نضع العراقيل أمامنا ونتهمهم بالصِغر وعدم الفهم للأحكام والطرد من المساجد. فأين مسؤوليتنا في التربية؟
3. الإعداد العلمي والعقلي: كانوا يرضعون القرآن الكريم والسنة النبوية مع حليب أمهاتهم، قرأنا عن أطفالٍ رحلوا في طلب العلم، يتواضعون لمعلميهم، وينقادون لأساتذتهم، حُبًا وكرامة للعلم لأن التعليم هو المفتاح الأكبر للفهم وبناء السلوك الأمثل، ونوعية العلم الذي يتلقاه يُشكل ميوله وقناعاته تجاه ما حوله. حرص صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم العلم النافع لأن “العلماء ورثة الأنبياء”، وعلمهم أن يتعوذوا بالله من العلم الذي لا ينفع حيث يرتجي المرء من علمه علوًا في الأرض أو تكبرًا على الناس فيقول في دعائه الذي يعلمه لهم: “اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع”. فأين مسؤوليتنا في التربية؟
4. الإعداد اللغوي: العلوم الأدبية، من بلاغة وأدب وشعر ونثر؛ وذلك حتى يستقيم اللسان وتظهر الفصاحة. ونحن نرى اليوم أولادنا بل نحن، نتكلم بضع كلمات عربية تتخللها العبرية أو الانجليزية أو الفرنسية، لا يعرفون الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر ولا الجملة الاسمية من الفعلية، ضياع في اللغة العربية، وكل هذا بسبب بُعدنا عن كتاب الله. فأين مسؤوليتنا في التربية؟
5.الإعداد الجسدي (القوة): “المؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف”؛ وذلك لأن قوته قوة لدينه، وكسر لشوكة عدوه. وقد فطر الله الأطفال على حبِّ اللعب والمسارعة إليه، ولكن الأهل تركوا هذه المهمة لوسائل الإعلام المنحرفة لتخرِّب عقول أطفالهم، وتشغلهم بما لا يسمن ولا يغني من جوع، من ألعابِ إلكترونية مفعمة بالعنف والضرب والقتل حتى أفلام الكرتون لم تسلم من مشاهد مثيرة وإغراءات. أما المسلمون السابقون فقد استغلوا حب الأطفال للمرح واللعب بما يخدم دينهم ويقوِّي بنيانهم، حيث حرصوا على تدريب الأطفال على الفروسية والقتال بالسيوف والمصارعة والسباق. فأين مسؤوليتنا في التربية؟
6. الإعداد النفسي: حرص الصحابة على تنقية قلوب الأطفال من أمراض القلوب وآفات النفوس؛ كالنفاق والكبر والغرور والعجب والحقد والحسد والتعلق بالدنيا وحب الجاه والسلطان، وتحليتها بالإيمان والتوكل عليه، والخوف منه، واللجوء إليه، والتعلق به، والاستعاذة به، والتفويض إليه، والجراءة في الحق، والشجاعة، والحياء. فأين مسؤوليتنا في التربية؟
7. الإعداد الخُلُقي: كان صلى الله عليه وسلم، وصحابته يغرسون في قلوب الأطفال أصول الأخلاق الحميدة؛ كالشجاعة، والصبر، والصدق، والأمانة، والرحمة، والشفقة، والعفو عند المقدرة، والإحساس بالغير، والكرم، واحترام الكبير، وتقبيل يد العالِم والوالدين، وتقدير أهل الصلاح، وإجلال أهل العلم، وتعظيم حملة القرآن، وإنزال الناس منازلهم، والإعراض عن الجاهلين، ومصاحبة المتقين، وعدم مخالطة السفهاء. فأين مسؤوليتنا في التربية؟
8. الإعداد الدعوي: أيكفي أن يكون ولدي صوّامًا قوامًا، صاحب خُلُق عظيم، وآداب سامية، وشجاعة نادرة، وبطولة فريدة، وقلب نقيّ، واعتقاد صحيح؟!
بل لا بُدَّ من ثمرة هذه التربية، وهي الدعوة إلى الله تعالى. ولا أقصد الموعظة والخطبة، هناك وسائل يمكن للطفل أن يفعلها يكون فيها قدوة لغيره، يدعو زملاءه للمسجد، لسماع موعظة، يهدي كتابًا، استعمال أدوات التواصل الاجتماعي بكل مسمياتها لدعوة أبناء جيله لطاعة الله. فأين مسؤوليتنا في التربية؟
هذه التربية النبوية أوجدت ثلة من الأطفال صاروا رجالًا قادوا جيوشًا فتحوا بلادًا كأسامة ابن زيد
هذه التربية التي أوجدت علماء شباب كابن العباس فتى الكهول، هذه التربية جعلت معوذ ومعاذ يبحثان عن أبي جهل” عَاهَدْتُ الَّله إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ.. فانقضّا عليه وقتلاه رغم عظيم جسده وقوة سلاحه.
هذه التربية أوجدت فتاة تقول لأمها وأين ربّ عمر، لما أمرتها بخلط الحليب بالماء!!
هذه الأساسات لا بدّ منها ليكون الجيل الذي لا يخاف إلا من الله ولا يلتزم إلا بشريعة الله، لا يحيد عن هذا الدّرب مهما تقاذفته أمواج الفتن والأهواء.
نُريد ثباتًا في العقيدة والعبادة والخُلق وقوة في الشخصية تدافع وتنافح عن دينها وثوابتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى