أبجديات الصراع على القدس والأقصى!!
أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
بات جليًا وواضحًا للعيان حجم المؤامرات التي تحاك على القدس والمسجد الأقصى من قبل سلطات الاحتلال، في ظل الصمت العالمي والتخاذل الإسلامي!! وبالذات بعد توقيع ما يسمى بـ “صفقة القرن” وما تبعها من خيانة وتطبيع عربي مع المؤسسة الإسرائيلية.
عادت وارتفعت الأصوات الإسرائيلية المطالبة ببناء الهيكل الثالث المزعوم!!! واشتدت هجمات قطعان المستوطنين على المسجد الأقصى بشكل يومي وفي كل الأوقات، تحت أعين جنود الاحتلال الذين يضيّقون على المرابطين والمرابطات ويتم إبعادهم لأشهر عن المسجد الأقصى!!!
في ظل كل هذا، تستمر المؤسسة الاحتلالية الإسرائيلية بالعمل حسب أجندتها للتجهيز لبناء الهيكل الثالث المزعوم تحت أعين حكام العالم جميعا!! ومن ذا الذي يستطيع أن ينبس ببنت شفة؟!! كيف ذلك، وهم يستعطفون العالم أجمع بحجة أحقيتهم في المسجد الأقصى وبيت المقدس وأرض الميعاد!!! لذلك علينا كمسلمين أن نفهم قواعد اللعبة وأبجديات الصراع، حتى نستطيع كشف ادّعاءاتهم الباطلة!! وإنني هنا ومن خلال هذا المقال أود أن أبيّن للجيل الناشئ أبجديات الصراع على القدس والمسجد الأقصى، وأوضح لهم الحقائق بالأرقام التي لا تقبل التبديل، وندحض نظرية أن بيت المقدس مدينة يهودية بامتياز!!
بداية، لو رجعنا بالتاريخ إلى الوراء لعلمنا أنه:
1. أول من استوطن مدينة بيت المقدس كان اليبوسيون وهم فرع من الكنعانيين العرب، وذلك سنة 3500 قبل الميلاد، وكان ملكهم يُدعى (سالم اليبوسي) وقد بنى هذا الملك قلعة يبوس من الجهة الجنوبية الشرقية، وبنى مدينته من الجهة الشرقية للمسجد الأقصى، مما يثبت لنا وجود المسجد الأقصى آنذاك، وأنه بنى مدينته حول مساحة المسجد الأقصى لعلمهم بقدسيته، لذلك ابتعد اليبوسيون عنه وبنوا مدينتهم حوله.
2. عندما أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام الخروج من مدينة (أور) العراقية، والتوجه إلى الأرض المباركة استوطن إبراهيم عليه السلام في منطقة الخليل فسميت باسمه (خليل الرحمن).
3. حينما أمر الله تعالى موسى عليه السلام الخروج ببني إسرائيل من مصر إلى الأرض المقدسة كان معه قرابة (120) ألفا من أسباط بني إسرائيل، لكنهم وكما نعلم أنهم عصوا أوامر الله وعصوا شريعته وعبدوا العجل، فكتب الله عليهم التيه الضياع في صحراء سيناء، ومات موسى وأخوه هارون ولم يدخلوا الأرض المقدسة، وإنّما الذي دخلها كان يوشع عليه السلام فتى موسى وهو نبي الله وذلك سنة 1220 ق.م.
4. حتى هذه الفترة كان العرب هم من يحكمون بيت المقدس، ولم يكن لبني إسرائيل أي مُلكٍ عليها، لكن بعد وفاة ملكي صادق الموحد العابد، حكم بيت المقدس بعض العرب الوثنيين عندها استحقوا العذاب والهزيمة على يدي داوود عليه السلام مع مجموعة من مؤمني بني إسرائيل، وانتصر جيش بني إسرائيل بقيادة داوود وهزموا جيش جالوت العربي الوثني، وبذلك أُنشئت أول دولة لبني إسرائيل في بيت المقدس زمن داوود عليه السلام وذاك سنة 1000 ق.م.
5. أكمل سليمان عليه السلام مسيرة والده داوود ببناء دولة بني إسرائيل التي استمرت قرابة (80) سنة، وفي هذه الفترة بنى سليمان عليه السلام مسجد بيت المقدس ورممه وجدده لأنه بالأصل موجود، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (حين سئل أي المسجدين بني أولا قال المسجد الحرام ثم المسجد الأقصى بعده بأربعين سنة) ومن هنا بدأت إشكالية اليهود الذين يدّعون أن سليمان عليه السلام قد بنى هيكلهم المزعوم الأول!!!
6. بعد وفاة سليمان وانقسام دولة بني إسرائيل إلى قسمين (يهودا في بيت المقدس) و(السامرة في نابلس) انتهت دولة بني إسرائيل، وانتشر الفسق والفجور والعصيان لأوامر الله في المملكتين، فأرسل الله لهم عبادا ذوي بأس شديد (عام 70م) بقيادة نبوخذ نصر الذي سباهم إلى بابل مدة طويلة من الزمن (70سنة)حتى جاء كورش الفارسي وحررهم وخيرهم البقاء في العراق أو العودة لبيت المقدس وفي هذه الفترة كان الرومان يستولون على بيت المقدس وكما هو معروف تاريخيا أن الرومان اهتموا كثيرا في البناء سواء بناء المدرجات، المعابد، المسارح….. فأعاد هيرودس الروماني بناء (الهيكل الثاني) كما يدعي اليهود الذي هو بالأساس مسجد بيت المقدس لكنهم لم ينعموا به كثيرا حيث جاء طيطس (عام 70م) وهدم (الهيكل المزعوم) مرة ثانية. وطرد اليهود من بيت المقدس زمن هدريان الروماني بعد عصيانهم بقيادة باركوخبا في عام 135م وهنا انتهى الوجود اليهودي في بيت المقدس إلى أن أقيمت المؤسسة الإسرائيلية عام 1947 بعد استعطاف اليهود للعالم في أعقاب جرائم النازيين.
ملاحظة: لو تمعنا فيما ذُكر أعلاه لوجدنا أنه لم تقم لليهود إلا دولتان على مر التاريخ، أول دولة لبني إسرائيل كانت بعهد النبيين داوود وسليمان عليهما السلام وكانت مدتها لا تزيد عن الثمانين سنة. أما الدولة الثانية لليهود فهي دولة إسرائيل الحالية ومن المهم أن نذكر أن القرآن حين ذكر (بني إسرائيل) كانوا بالفعل يتبعون لبني إسرائيل نسبا وديانة، حيث كانوا لا زالوا يتبعون التوراة الحقيقية وتعاليم موسى المتبعة في ذلك الزمان. وعندما تم ذِكرهم في القرآن باليهود فذلك عندما عصوا الله تعالى وقتلوا الأنبياء وظلموا وفسقوا.
إذن منذ قيام الكيان الإسرائيلي وهو يعمل وفق إستراتيجية ممنهجة للوصول لهدفهم الأسمى بناء (هيكلهم الثالث المزعوم) مكان المسجد الأقصى المبارك، وكانت أولى هذه الخطوات بعد الاستيلاء على مدينة القدس الشرقية عام 1967، إذ تم عقد مؤتمر لحاخامات اليهود في العالم ناقشوا فيه موضوع القدس والهيكل وطالب الحاضرون بالإسراع في عملية إعادة بناء الهيكل الثالث المزعوم. ومنذ ذلك الوقت والمخططات لهدم الأقصى تجري على قدم وساق من قبل الاحتلال وقطعان المستوطنين بكافة مسمياتهم أو جمعياتهم الصهيونية بكل ما أوتوا من قوة احتلالية ومالية وإعلامية، فقام أحد زعرانهم بمحاولة حرق المسجد الأقصى في 21/8/1969مـ، وقاموا بعمليات تجريف وحفر تحت أساسات المسجد الأقصى ولا زالوا يحفرون! وحتى الآن لم يجدوا أي حجر أو أثر ولو صغير يثبت وجود هيكلهم المزعوم مكان المسجد الأقصى!! حتى أن اليونيسكو لم تعتمد اسم (أورشليم) لعدم وجود أي دليل ولو صغير يثبت يهودية القدس، ولا زالت قطعان المستوطنين تداهم ساحات مسجدنا المقدس بشكل يومي ومستفز بتلاواتهم التلمودية والتوراتية، ومما يفطر القلب ألما وحزنا رؤيتنا جميعا لإحدى المستوطنات وهي تمسك بابنها الصغير ليقضي حاجته في ساحات المسجد الأقصى المبارك!!! وهنالك الكثير من المؤامرات التي لا يتسع المقام لذكرها.
لكن الأمر المؤلم أن جميع هذه الاعتداءات الآثمة بحق مسجدنا ومسرى رسولنا تتم تحت أعين العالم أجمع، دون أن يفعلوا شيئا وكأن على رؤوسهم الطير!! بل والأدهى من ذلك حكام بلاد المسلمين الذين يغمضون أعينهم عمّا يجري في بيت المقدس ومسرى الرسول ومعراجه، لا بل ويهرولون للتطبيع مع الاحتلال ونيل رضاه، وتخلوا عن الثوابت العقائدية واختلت الموازين والدوافع!! وتغيرت قواعد اللعبة كما يقولون!! فأعداؤنا يرفعون راية توراتهم في هذه الحرب العقائدية المقدسة!! ونحن ماذا نفعل لمواجهة هذه الحرب؟! أم ارتضينا الذل والهوان؟!!!
تقود أمتنا للحرب غانية…. والجيش في الزحف قد ألهته مغناة
وكم لعوب تهاووا عند أرجلها… كما تهاوت على نار فراشات
الزق والرق والمزمار عدتنا… وعدة الخصم علم وألات
وشرعة الله في القرآن نهجرها… وشرعة الخصم تلمود وتوراة
وعدة الخصم صاروخ وطائرة… ونحن عدتنا الكبرى قرارات
عدونا وحدوا أشتات باطلة… ونحن رغم نور الحق أشتات
لكن قد آن الأوان للمارد الإسلامي أن يتولى زمام القيادة وتنتصر العقيدة الربانية على العقيدة الحاخامية الباطلة.