ماذا يعني ابن المشروع الإسلامي؟
د. أنس سليمان أحمد
من المعروف بداهة، أنه قبل أي بناء كبير لا بد من إزالة الأنقاض والحجارة المتراكمة، بمعنى تخلية المكان من كل ما يعوق تأسيس البناء على أصل متين، وهو ما يسميه المُرّبون: التخلية، ثم بعد ذلك تبدأ مرحلة البناء والارتفاع بهذا البناء فوق الأرض، وهو ما يسميه المُرّبون بالتحلية، وإذا كان ما يجري في البناء المادي، فهو ما يجري كذلك في البناء المعنوي، وهو ما نسميه تزكية الأنفس، فلا بد أن تمر تزكية الأنفس في مرحلتين: التخلية والتحلية.
وهذا يعني أن أصحاب هذه الأنفس التي مرّت بنجاح بمرحلة التخلية والتحلية، باتوا جديرين بالإلتحاق بمسيرة المشروع الإسلامي، وحمل أعباء هذا المشروع والحرص على دوام نصرته، وهذا يعني أنهم سيتحولون إلى حجة للمشروع الإسلامي وليس حجة على المشروع الإسلامي، وهذا يعني أنهم هم من سيحملون المشروع الإسلامي لا أن يحملهم المشروع الإسلامي، وهذا يعني أنها ستتحقق في أبناء المشروع الإسلامي صفات عباد الرحمن التي تحدثت عنها سورة الفرقان في بعض آياتها: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً…. أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسلاما﴾ فإذا ما تدبر الإنسان هذه الآيات فأنه سيقف على الآتي:
1. هذه الآيات تمثل أصل أبناء المشروع الإسلامي، ومن افتقر إليها لا يحق له الالتحاق بالمشروع الإسلامي، لأنه إن التحق به وهو على حاله من عيوب النفس وسوء الأخلاق وقبح المعاملة ووهن السلوك لأشاع في مسيرة المشروع الإسلامي كل نقيصة، وأحاله إلى مرتع للأنفس المريضة والهوى الجامع ووساوس الشيطان وألاعيب الدنيا، ولمسخ مظهره وجوهره وجعل منه ومن إمكانياته مرتعًا للسباب والفسوق والعصيان والغيبة والنميمة والتنابز بالألقاب باسم المشروع الإسلامي، علمًا أن المشروع الإسلامي بريء من كل ذلك.
2. هذه الآيات تجسّد دوحة إيمانية تتعانق فيها الأرواح وتتحد القلوب وتتصافح الأيدي وتتوحد الكلمة والمواقف والخطوات ويتراصّ الصف كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا، وإلا دون هذه الدوحة الإيمانية التي تجسدها هذه الآيات، فإن الحديث عن الوحدة والمصلحة العامة ونكران الذات والتغافر والأخوة يتحول إلى ضريبة كلامية، وبهرجة أقوال، وفتنة لسانية ومبارزة أقلام لا تسمن ولا تغني من جوع، وعندها تبقى الأنا وفقط الأنا ويغيب المشروع الإسلامي.
3. هذه الآيات تؤكد لنا أن المطلوب في مسيرة المشروع الإسلامي هو الحشد النوعي وليس الحشد العددي، حيث أن المشروع الإسلامي ليس مجرد حزب أرضي يقتات على أصوات الناخبين وينمو على تصفيق المصفقين، ويسمن على الضجيج وصخب الأصوات، وبراعة الشعارات وبريق الجهويات وهتاف الجماهير، وومض الإعلام وفتنة الفنادق، وصمت الأتباع، بل أدب نقد وتقييم هادف.
4. هذه الآيات تؤكد لنا أن من أخص خصائص أبناء المشروع الإسلامي هو التواضع وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً﴾، ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول لنا: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر”، ولا بد من الجمع بين التواضع والحلم، فإذا كانت دلالة ﴿يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً﴾ هي الدعوة إلى التواضع، فإن دلالة: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً﴾ هي الدعوة إلى الحلم.
5. هذه الآيات تؤكد أن سمت المشروع الإسلامي المعافى من التقليد هو قيام الليل والتضرع إلى الله تعالى، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾، وإلا فإن سهر الليالي على التراشق في مواقع التواصل لن يخطو بالمشروع الإسلامي قدماً نحو الأمام.
6. هذه الآيات تؤكد أن أبناء المشروع الإسلامي أبعد ما يكونون عن ضلالة الشرك وعن دماء الناس وأعراضهم، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ﴾، وهذا يعني أن المشروع الإسلامي بريء من الداعشية والإرهاب والتطرف كما هو بريء من الشرك والكفور والعصيان.