باحثة إسرائيلية تستعرض تاريخ العلاقة السرية المغربية الإسرائيلية
تواصل مصادر إسرائيلية الكشف عن حجم وعمق علاقات “العشيقة السرية” كما تصفها بين إسرائيل والمغرب، فيما يحذر بعضها القليل مما يسمونه “كذبة السلام” مع الإمارات والبحرين ومن “سلام الأغنياء” الذي يكشف زيفه حصار غزة واستمرار الاحتلال.
ويقول الباحث الصحافي شلومو نكديمون إن ما جد في العلاقات بين إسرائيل والمغرب هو خروجها إلى النور زاعما أن مقاتلي تنظيم “ليحي” الصهيوني دافعوا عن الملك المغربي الحسن الثاني كحراس شخصيين له، ولاحقا أعدم الموساد له معارضه مهدي بن بركة في فرنسا، وكانت المغرب هي التي مهدت الطريق للسلام مع مصر، معتبرا أن الجديد الوحيد في علاقات “إسرائيل” والمغرب الآن هو في إخراجها من الظلام، موضحاً أنها بدأت في منتصف الخمسينيات، وقد شهدت ارتفاعات وهبوطات كثيرة.
في بدايتها مثلاً، كان حرس الملك الحسن الثاني يتشكل من أفراد من أصول التنظيم السري “ليحي” ممن كانوا معروفين بجسارتهم، واختارهم رئيس الموساد الأول إيسار هرئيل. والملك الحسن، من جهته، شعر بأنه يمكنه أن يكون صريحا مع الموساد، وفي 1963 أقر إقامة مجموعة في بلاده لمندوبي التنظيم السري “الإسرائيلي”.
ويتابع الباحث الصحافي “الإسرائيلي”: “لهذه الدرجة توثقت العلاقات بحيث أنه في 1965، عندما استضافت بلاده مؤتمر القمة العربية، كانت “إسرائيل” تتصنت على المداولات. كما كانت لحظة طلب فيها من “إسرائيل” أن تسدد للمغرب بـ “العملة الصعبة”: اغتيال رئيس المعارضة مهدي بن بركة بعد اتهامه بالتآمر ضد الملك، وأدين بالخيانة للوطن وحكم بالإعدام غيابياً.
وطلبت المغرب مساعدة إسرائيل في القبض عليه، بملاحقته وبإسداء المشورة في كيفية نقله إلى العالم الآخر.
وقد روى الباحث الصحافي دكتور رونين بيرغمان في صحيفة “يديعوت أحرونوت” القصة بكاملها في 2015 ومما نشره: “في رسالة إجمالية كتب رئيس الموساد مئير عميت لرئيس الوزراء ليفي أشكول يقول: فعلنا أكثر بكثير مما اعتقدنا… الوضع مرضٍ… رغم الأخطاء فنحن لا نزال في خط الأمن الذي وضعناه لأنفسنا – أن نقدم مساعدة فنية فقط، والتي حتى لو انكشفت ستنجح في اختبار المساعدة الشاملة والطبيعية التي توجد بين “الأجهزة” دون التدخل المباشر. وضعنا لأنفسنا حدود أمن واضحة، وعملنا بنية طيبة وبكامل المسؤولية… لا يوجد دليل أفضل من الواقع نفسه”.
دور المغرب في كامب ديفد
ويشير نكديمون إلى أنه على أرض المغرب تمت أيضا الاتصالات الأولى التي مهدت الطريق للسلام بين “إسرائيل” ومصر فقد كان رئيس الموساد إسحق حوفي “الإسرائيلي” الأول الذي التقى بشكل رسمي مع مندوب رسمي كبير، هو محمد حسن التهامي، رجل الثقة الشخصي لأنور السادات في القيادة المصرية. ويتابع: “قدم الملك حوفي للتهامي وخرج من الغرفة وهكذا بدأت المحادثات التي نالت الزخم عندما طلب الدبلوماسي المصري اللقاء مع شخصية “إسرائيلية” رفيعة المستوى، وأسند رئيس وزراء الاحتلال آنذاك مناحيم بيغن المهمة إلى وزير خارجيته موشيه دايان”.
ويوضح الباحث الصحافي نكديمون أن دايان نفسه، الذي كان خبيرا في اللقاءات السرية، أخفى نفسه جيداً في الطريق إلى اللقاء على أرض المغرب حيث وضع على رأسه شعرا مستعارا وشاربا كثا ونظارات غامقة كبيرة. وقبل أن يلتقي المندوب المصري استضافه الملك الذي أسمعه أيضا كلمات تهدئة: “إذا علم العالم أنك كنت هنا لن أسقط عن الكرسي. يوجد لي طائفة يهودية كبيرة في بلادي وأنا مقبول لهم وهم مواطنون مغاربة موالون. أنا أتحدث صراحة عن أعمال، عن العلاقات مع اليهود وعن رغبتي في تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل”.
أما دايان الذي أحب التحقيق في الأمر حتى النهاية، فكان فضوليا ليعرف ما الذي يدفع مضيفه لأن يعمل في موضوع السلام، إذ إن “إسرائيل” ليست دولة مواجهة مع المغرب. ولكن الملك سبقه وسأل ضيفه: كيف يصنع السلام؟ وكان دايان قد جاء مستعدا، فبسط مفهومه السياسي الذي يتشارك فيه مع رئيس الوزراء بيغن وفهم بأن التواصل يجب أن يكون مع جهة مصرية سياسية عليا. وختم نكديمون بالقول إن “كل ما تبقى والذي ذروته هو الخروج الحالي إلى النور، والذي من بادر إليه هو الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، هو فقط فصل أخير للتاريخ المتسلسل”.
هذا السلام هو سلام الأغنياء
وبسياق الحديث عن التطبيع ترى المحللة السياسية “الإسرائيلية” ميراف باتيتو في مقال نشرته “يديعوت أحرونوت” أمس، أن اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات هو “سلام الأغنياء” وولد عددا من مشاريع التعاون وكثيرا من الصفقات التجارية. وللتدليل على رؤيتها تقول إن رجل الأعمال الإماراتي حمد بن خليفة آل نهيان اقتنى نصف أسهم فريق “بيتار القدس” ووعد بأن يستثمر فيه أكثر من 300 مليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة.
وتابعت: “ساد حفل التوقيع وهج مفاده: هذا ما يبدو عليه السلام المستدام. الاتفاق هو أيضا بمثابة هزيمة لمجموعة مشجعي الفريق من التيار اليميني المتشدد المعروفة باسم لافاميليا التي يتباهى أعضاؤها بكرههم للعرب والمسلمين. لقد سُمح للسلوك العنيف لبعض مشجعي الفريق بالاستمرار عدة سنوات، ويبدو أن الطريقة الأكثر فعالية لإسكات هتافاتهم المسمومة والحاقدة هو من خلال مبلغ كبير من المال”.
وترجح باتيتو أن إسرائيل ترغب في صنع السلام، لكن مقابل ليس أقل من بضعة ملايين من الدولارات، وتضيف: “نحن نرحب بأصدقائنا العرب الجدد ونلتقط معهم الصور في نادي كرة القدم، ونعقد معهم صفقات، ونوقع اتفاقات ثم نسخر منهم في برامجنا الهزلية لكن فقط إذا كان لديهم محفظة مفتوحة للتعويض عن ما نتجشمه من عناء. أما العرب الفقراء الذين يعيشون وراء السياج الحدودي الأمني في غزة في مكان يُعتبر من الأكثر اكتظاظا في العالم، أو الذين يعملون في “إسرائيل” بأقل من الحد الأدنى للأجور- فلا تسعى “إسرائيل” وراء مصافحتهم أو التقاط صورة سيلفي معهم”.
ومن هنا تستنتج أن الشركاء المثاليين لإسرائيل في السلام هم “ذوو الثراء الفاحش الذين يقودون سيارات فاخرة ويمكثون في فنادق فخمة”. كما تقول ناقدة وبلهجة فيها سخرية إن فقر نحو مليون ونصف المليون من المواطنين العرب في “إسرائيل” وإطلاق النار الذي يحدث في شوارعهم، وضعف البنى التحتية وضآلة الإنفاق الحكومي، أقل جاذبية للتصوير من برج دبي الفخم.
وتمضي في مقارنتها التي تكشف نفاق وازدواجية الموقف “الإسرائيلي”: “لقد فقدنا منذ وقت طويل الاهتمام بالوضع الاقتصادي الكارثي لأكثر من مليوني شخص في غزة، الكثيرون منهم يعيشون من دون الحصول على مياه وكهرباء بصورة لائقة. يمكننا أن نأمل بالمزيد من الاتفاقات والصفقات التي تقرب السلام من المنطقة، لكن ببساطة يجب ألا ندع بريق الألماس والذهب يعمينا عن رؤية الصواب”.
التطبيع الأساسي هنا هو الاحتلال
وتذهب مديرة مشروع “المساواة وحقوق الإنسان” في معهد “زولات” “الإسرائيلي” عدي غرانوت إلى أبعد من رؤية باتيتو بتوقفها عند الاحتلال والتطبيع معه بمعنى تحويله لأمر عادي وطبيعي، فقالت مغردة بعيدة جدا عن السرب “الإسرائيلي” في السياسة والإعلام إنه في الفترة الأخيرة ارتفع عدد الفلسطينيين الذين خسروا حياتهم أو جُرحوا بنيران القوات “الإسرائيلية”.
وتذكر أنه فقط في نهاية الأسبوع الماضي مات متأثرا بجراحه عبد الناصر حلاوة (56 عاما) من سكان نابلس، الذي يعاني من ضعف في السمع والكلام، بعد تعرضه لإطلاق نار في آب/أغسطس على حاجز قلنديا من حراس إسرائيليين. وتقول أيضا إنه قبل أسبوع من الحادثة قُتل بنيران قوات “الجيش الاسرائيلي” علي أبو عليا ابن الثالثة عشرة من قرية المغير، الذي أُصيب بطلقة معدنية مغطاة بالمطاط خلال تظاهرة ضد بؤرة استيطانية. وفي أيار/مايو قُتل إياد الحلاق (32 عاما) الذي يعاني من مرض التوحد عندما كان في طريقه من البيت إلى المدرسة المخصصة لذوي الحاجات الخاصة.
السلام مع الإمارات والبحرين كذبة كبيرة
وبرأي غرانوت وعلى غرار المعلق الإسرائيلي البارز غدعون ليفي فإن هذه الحوادث الثلاثة، مثلها مثل حوادث مشابهة كثيرة أُخرى، استُقبلت في “إسرائيل” بلامبالاة نسبية. وتنبه لرد فعل “الإسرائيليين” بالقول إنه من بين القلائل الذي قرروا متابعة ما حدث، الأغلبية أعطت وزنا كبيرا للإعاقة التي يعانيها حلاق من بين الضحايا، أو إلى عمره الشاب، لكن في معظم المناطق التي شهدت الحديث “الإسرائيلي” السائد، ظل الناس غير مبالين.
إلى هذه اللامبالاة الكاسحة تضيف “بعدا جديدا عبثيا” هو تضخيم “اتفاقات السلام” مع الإمارات، والبحرين، والسودان، والمغرب وبوتان. وتقول إن هذا التعبير “سلام” الذي يضخه بنيامين نتنياهو ورجاله، هو كذبة تنطوي على أثمان باهظة للدولة.
وتضيف غرانوت: “لكن مع رجل كذب كثيرا في السنوات الأخيرة لا يمكن أن نتوقع منه فجأة أن يقول الحقيقة عندما يتعلق ذلك بالدبلوماسية الخارجية لإسرائيل. الحقيقة هي أننا لم نكن مع أي من هذه الدول في حالة نزاع حقيقي – بالتأكيد ليس بصورة مباشرة. وبشكل أو بآخر أقامت “إسرائيل” مع كل واحدة منها علاقات من أنواع مختلفة قبل ذلك أيضا”.
صرف الأنظار عن الاحتلال
وتؤكد الباحثة “الإسرائيلية” غرانوت أن تطبيع العلاقات مع دول عربية وإسلامية له نواح إيجابية: ولا شك في أن لهذه الخطوات أهمية اقتصادية، وثقافية، ودبلوماسية بالنسبة إلى إسرائيل، ويمكن أن نستفيد منها بصورة لا بأس بها. في المقابل تشدد على أن احتفالات التوقيع والرحلات إلى دبي هي في الأساس لتحويل الانتباه- هي لتحويل الرأي العام في إسرائيل عن الحقيقة في المناطق الفلسطينية.
وتشدد أيضا أنه مهما كان التطبيع مع الدول العربية المختلفة إيجابيا، فهو مرتبط أيضا بتطبيع الاحتلال، والضم الزاحف وآليات السيطرة الصارمة والعنيفة التي تفرض إسرائيل بواسطتها سيطرتها على الفلسطينيين في المناطق المحتلة، والتي أفقدت عبد الناصر حلاوة، وعلي أبو عليا، وإياد الحلاق، وآخرين، حياتهم.
وتتساءل غرانوت أنه في النهاية، إذا قررت دول إسلامية مهمة تفكيك الترتيب الدبلوماسي الذي يقول إن إقامة العلاقات مع “إسرائيل” يمكن أن تحدث فقط بعد إنهاء الاحتلال، وقررت التخلي عمليا عن الفلسطينيين، ماذا يُفترض أن يقول مواطنو “إسرائيل” الذين علموهم طوال حياتهم أن الفلسطينيين أعداء لهم؟
عن ذلك تجيب وتعود للتساؤل عن السلام الحقيقي: “دورنا كمواطنين ألا تغرينا ألاعيب شخص يرزح تحت ثلاث لوائح اتهام خطرة، وأن نصدق أننا “أنصار سلام”، فقط لأنه يقول لنا ذلك. ليست هذه المحاولة الأولى له لتضليل الجمهور. ويجب أن نسأل أنفسنا أولا – ما هو السلام؟ هل السلام هو إمكان التسوق في محلات غوتشي في دبي، أم ربما السلام هو التعهد، والمعرفة بأنه لن يخسر الأبرياء حياتهم بسبب سعي “إسرائيل” للسيطرة هنا وإلى الأبد بأي ثمن؟ ربما السلام هو السعي الدؤوب لإنهاء المواجهات مع الشعب الوحيد الذي لدينا فعلا نزاعات معه، والذي احتللناه بعنف منذ أكثر من 53 عاما”.
وتخلص غرانوت للقول: “ما دام الحكم في إسرائيل ومَن يقف على رأسه لا يتقيدان بقواعد الديمقراطية والمساواة، والخير والعقل، فإن على كل “الإسرائيليين” محاربة اللامبالاة ورفع الصوت عاليا والمطالبة بأنه إذا كنا نستخدم مصطلح “سلام” بهذه الصورة الشائعة فإنه يتعين علينا على الأقل التوقف عن القتل بالرصاص الحي أبرياء لم يشكلوا قط خطرا أمنيا”.